عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
8

المشاهدات
1715
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
03-07-2021, 01:00 PM
المشاركة 1
03-07-2021, 01:00 PM
المشاركة 1
افتراضي أنا أفكر/ أنا موجود
أنا أفكر/أنا موجود*


تعتبر هذه المقولة بمثابة صافرة انطلاقة الحداثة والفكر الغربي. تحمل هذه المقولة علاقة سببية في صياغتها، التفكير شرط الوجود، إذا أردت أن توجد عليك بالتفكير. لست هنا بصدد قراءة الوجود بمعنى البحث في أصل الوجود، بل أقرأ المقولة بناء على ما أفرزته، ولماذا هي فارقة بمعنى من المعاني وساهمت في النقلة الفكرية للغرب.

*صياغة المقولة تحملنا على الحتمية، حتمية التفكير لصياغة الوجود. فالوجود تحصيل حاصل للتفكير. أعتقد أن كل تلك البراهين وتلك الرحلة الذهنية الديكارتية والتأملات ماهي إلا وسائط لترسيخ هذه القاعدة.*

فهذه المقولة تعني أن التفكير هو أساس الفعل الناجح، فالتخطيط والمخططات ومكاتب الدراسات والقراءة المستقبلية هي مرتبطة بهذه المقولة، المقولة تقول فكر لتحسن من أسلوب وجودك. وهي دعوة لإعمال العقل وهي أيضا تحمل للمسؤولية، فإذا لم تحقق وجودا فعليا فذلك راجع بالضرورة لضعف دينامية أفكارك.

الأفكار ماهي إلا صور لأشياء ثابتة نقوم بتحريكها ذهنيا ونقرأ الاحتمالات. فالأفكار *هي في الأصل حركة مرنة أكثر من الموجودات الواقعية التي تظهر أكثر صلابة وجمودا. لكن ديكارت لم يترك الأفكار تقوم برحلتها عبثا في مجال الخيال فقد خط لها قوانين و وضع لها سبلا تتحرك فيها وهي الأفكار البسيطة، أو البديهيات. كالهوية والسببية. لم يكن كانط ليبتعد عن مخطط ديكارت، فقط زاد تقييد حركة الأفكار وجعلها أكثر ارتباطا بالمكان والزمان، فذهن كانط محصور بالمكان، وقد أحكم إغلاق هذه الدائرة، لتسير الأفكار في ملعب محدد ولكي تسير فهي خاضعة للزمان، والزمان هو تدفق نحو الأمام محكوم بالعلية فكل شيء بعدي نتيجة لسابقه، لكن في المجال الفزيائي المحض.

أظن أن هذه الخلفية المسطرة للعقل الأوربي كان لها بالغ الأثر *في تحديد رقعة التباري، وجعلته يطور أساليب التحكم في وجوده. ومنحته قدرة على تحقيق قدر معين من التميز على بقية العقول التي ضاعت وجهاتها المتعددة، فالنزعة البراغماتية تقود الأفكار وليست الأفكار مجرد رحلة ذهنية وفسحة ترفيهية. بل هي مسؤولية ملقاة على عاتق المفكر لصياغة المستقبل. هي انطلاقة من الواقع الحالي وتحريكه ليلائم التطلعات.هذه المقولة نقلت الإنسان من كائن من الكائنات العادية إلى موجود حقيقي يحقق تطلعاته، من كائن سلبي إلى كائن فعال.*

رغم محاولات كانط في العقل العملي لكسر جبروت الأنا فتأثيره بقي محدودا. فالأنا الديكارتية طغت على الغرب العملي والسياسي ولم يستطع كانط قهر المذهب الماكيافيلي. بنى كانط عقله العملي استنادا على ثقافة الواجب أكثر من الحقوق، فهو يرى القيام بالواجب تجاه الجماعة والغير متعة في حد ذاتها محاولا كسر ثقافة المقابل والأجر *وسعى إلى العالمية فحين تفكر و تشرع فأنت تضع الإنسان أمام عينيك، يعني من غير اللائق أن تأتي بفعل لا ترضى أن يقترف في حقك. حاول كانط أن يجعل العالم ملكا للناس أجمعين يخضعون فيه لقانون موحد ومنصف لكن الكوجيطو ركز على الأنا ولم يقتحم الجماعة. فالأنا المفكرة يحق لها أن تشرع للآخر ويمتثل لتحقق وجودها ولو على حساب وجوده، لذلك لا يحس الغربيون بتأنيب الضمير وهم يستغلون خيرات العالم، فهم يعتقدون أنهم مصدر الأفكار ولهم حقوق ملكيتها. والآخر مجرد تابع ومستهلك، ومن قاوم فهو يمنع تحقيق وجودهم وحق تدميره لأنه خطر وجودي.