عرض مشاركة واحدة
قديم 11-12-2019, 12:45 PM
المشاركة 168
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
قال الفضل بن العباس: أيها المهدي، إن ولي الأمور وسائس الحروب، ربما جند جنوده، وفرق أمواله في غير ما ضيق أمر حزبه، ولا ضغطة حال اضطرته، فيقعد عند الحاجة إليها، وبعد التفرقة لها، عديماً منها، فاقداً لها، لا يثق بقوة، ولا يصول بعدة، ولا يفزع إلى ثقة. فالرأي لك أيها المهدي - وفقك الله - أن تعفى خزائنك من الإنفاق للأموال، وجنودك من مكابدة الأسفار، ومقارعة الأخطار، وتغرير القتال، ولا تسرع للقوم في الإجابة إلى ما يطلبون، والإعطاء لما يسألون، فيفسد عليك أدبهم، وتجرئ من رعيتك غيرهم. ولكن اغزهم بالحيلة، وقاتلهم بالمكيدة، وصارعهم باللين وخاتلهم بالرفق، وأبرق لهم، وأرعد نحوهم بالفعل وابعث البعوث، وجند الجنود، وكتب الكتائب، واعقد الألوية، وانصب الرايات وأظهر أنك موجه إليهم الجيوش، مع أحنق قوادك عليهم، وأسوئهم أثراً فيهم. ثم ادسس الرسل وابثث الكتب، وضع بعضهم على طمع من وعدك، وبعضاً على خوف من وعيدك. وأوقد بذلك وأشباهه نيران التحاسد فيهم، وأغرض أشجار التنافس بينهم، حتى تملأ القلوب من الوحشة، وتنطوي الصدور على البغضة، ويدخل كلا من كل الحذر والهيبة، فإن مرام الظفر بالغيلة، والقتال بالحيلة، والمناصبة بالكتب والمكايدة بالرسل، والمقارعة بالكلام اللطيف المدخل في القلوب، القوي الموقع من النفوس، المعقود بالحجج، الموصول بالحيل، المبني على اللين، الذي يستلب العقول، ويسترق القلوب؛ ويسبى الآراء، ويستميل الأهواء، ويستدعي المواتاة، أنفذ من القتال بظبات السيوف وأسنة الرماح. كما أن الوالي الذي يستنزل طاعة رعيته بالحيل، ويفرق كلمة عدوه بالمكايدة، أحكم عملاً، وألطف نظراً، وأحسن سياسة من الذي لا ينال ذلك إلا بالقتال، وإتلاف الأموال، والتغرير والخطار. وليعلم المهدي - وفقه الله - أنه إن وجه لقتالهم رجلاً، لم يسر لقتالهم إلا بجنود كثيفة تخرج عن حال شديدة، وتقدم على أسفار صعبة، وأموال متفرقة، وقواد غششة، إن ائتمنهم استنفذوا ماله، وإن استنصحهم كانوا عليه لا له.
قال المهدي: هذا رأي قد أسفر نوره، وبرق ضوؤه، وتمثل صوابه للعيون، وتجسد حقه في القلوب. ولكن فوق كل ذي علم عليم.