عرض مشاركة واحدة
قديم 06-14-2011, 09:08 AM
المشاركة 9
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
انتقام

-1-

مئتان وتسعة وسبعون كيلو هي ما تبقى على قتلها, على نشرها وهي حيةٌ بهذا المنشار الكهربائي.. هذه المسافة البعيدة التي أمامي.. المسافة التي تخضع للقوانين الفيزيائية بخنوعٍ وخضوع, الشيء الجميل والرائع فيها أنها آخذةٌ في الاقتراب.

-2-

اعتقدت أني لن أعرف مكانها, وأن بعدها سيجنبها القتل على يدي, اعتقدت ذلك بسذاجة غريبة.. دوسي يا أقدامي بقوة, فالفارق بيني و بينها خطوة واحدة على دواسة الوقود.. ما أجمل الانتصار الذي يطول, فالاستمتاع فيه لذيذ.. آآآه الغبية ظنت أنها من فعلتها ستنجو.. ويحها! كيف تجرأت وتسلل إليها هذا التفكير, ألا تعرفني؟؟!.. سأجعلها تدرك ذلك كله, فكما يبدو أنها طالبة بليدة لم تستوعب الدروس التي قدمتُها لها في السابق.

-3-

ها هي المسافة تنقسم نصفين, إني أتحرق شوقاً لرؤية وجهها المتفاجئ برؤيتي, المرتعب و الخائف, وشحوبه الذي يزداد شحوبا.. اهدئي يا طبيعة المسافة ولا تستعجلي, دعيني أستمتع أكثر وأكثر بلحظاتي هذه.. سأقف لأخذ وجبة صغيرة, لا أشعر بالجوع و لكنها المتعة, إني أعشق الانتقام و خصوصا إذا كان شديدا, وأتى بعد ألم.. كيف تجرأت أن تفعل ذلك!, إنه شيء لم أعهده منها, الجرأة في فعل شيء يغضبني, قد يكون حبي ودلالي المبالغ لها هو السبب!.

-4-

لم يكن شكي بها ليتحول ليقين لولا إني رأيتها بنفسي, لقد خرجت بذلك الفستان الأحمر الذي أعشقه, وعطرها الثمين الذي أهديته لها بمناسبة ولادتها لطفلتنا الثالثة يلاحقها كشبح.. خرَجَتْ في منتصف الليل بعد أن اطمأنت أنني أصبحت في مدينة أخرى, تتلفت يمينا و شمالا بخوف و حذر, وقعقعة كعبها العالي على الرصيف تدوي في أرجاء الحي الفارغ.. أوقفتْ أول سيارة أجرة في طريقها, واستقلتها بعجلة و بدون تفكير.

تابعتها حتى وقفت عند تلك المستشفى, و خرجت بعد نصف ساعة, أنا متأكد أنها قامت بذلك رغم إنكارها, والدليل على ذلك أنها هربت مني بعد مكاشفتها بذلك, ويحها كيف تعرفت عليه, بدون شك إنه طبيب ولادتها, شكرا لله أنني قمت بقتله, بيدي هاتين اللتين ترقصان طربا الآن, ولم أرسل أحدا ليقوم بذلك عني, آآآآآه ما ألذها من متعة, إنه بالتأكيد الانتصار.

-5-

وها أنا في الطريق لانتصار آخر, كما عادتي.. قهقهاتي المصطنعة لا تتوقف, إني أقترب أكثر وأكثر من ذلك.. يا ترى ماذا تفعل الآن؟, بالتأكيد إنها تقف باطمئنان أمام نافذة بيت مزرعة والدها التي ورثتها منه, تتخيل مستقبلها بدوني, ولم تدر أنها ستراه واقعا أقرب مما تتوقع.. الطريق الذي يبدو كشعرة متقصفة مسافته تقصر, ونصري يقترب.. قلبي يخفق كطبول حرب, وهاهو.. هاهو البيت, يقبع بكل براءته على مقربة من الشعرة المتقصفة, وقدماي.. قدماي تتبادلان المقدمة باندفاع وحماس.

-6-

السكون يعم المكان, ورائحة القش المبتل مسترخية.. الباب أمامي.. أطرق بقوة, ولكن العنيدة لا ترد, تتظاهر بعدم وجود أحد, إني أشم رائحة عطرها تعربد حولي بإصرار, وأنا لا أخطئه, وصرختُ.. إني أدفع الباب وأهشمه, لا أرى أحدا, بالتأكيد إنها تختبئ في زاوية من زوايا البيت, تندس كالفأر.. جبانة كعادتها.. إني أحب ذلك, متعتي بدأت تزداد.. هل هي هنا تختبئ وراء ستائر الحمام؟, "هاهاي كلا", عيناي تتابعان و تترقبان, أوووه بالتأكيد إنها هنا تحت الكنبة.. أيضا لا, يا إلهي إنها تجيد الاختباء ولكن تحت قوانين أرضي التي أحكمها بإحكام.. لم يتبق سوى غرفة النوم في العلية, بالتأكيد إنها هناك.

-7-

اصدح أيها المنشار وغني.. هاهي الدرجات.. 1, 2, 3,..., 13, هيلا هوب, لقد وصلت.. "أتسمعينني أيتها الصماء البكماء, لقد أتيت", وقفت أمام الباب, وأنا أشعر بقلبي يخفق بشدة, الفضول الشديد ذلك ما أشعر به, أريد أن أرى ردة فعلها, أوووه قد يكون حبيب آخر معها الآن وهي خجلة مني, تخجل أن أراها مع شخص آخر.. قبضت على المقبض بقوة, وأدرته إلى اليمين.. إني أفتح الباب وأنا أضحك بأعلى صوتي.. صدمة, صدمة, ذلك ما أصابني, وجعلني أشعر بضيقة تخنقني, وكأن مشنقة من الشوك تحاول جز رقبتي.

-8-
المنشار يسقط من يدي, ويبتر قدمي اليمنى.. أزحف إليها باكيا لا أشعر بألم ساقي التي ينفجر منها نهر أحمر. ممدة وجدتها على السرير الذي تيبس من دمائها.. حبيبتي ميتة, لا نبض فيها, تبدو هادئة كعروس نائمة لولا الدماء التي تغطيها.. ضممتها بقوة فسقطت ورقة بقربها, يبدو أن شيئا مكتوب عليها, كان خطا متعرجا مرتعشا.. "هذا ما جنته يداي", ذلك ما كان مكتوبا. أمسكت الورقة بين أصابعي وعصرتها, ووضعتها في جيبي وأنا أكاد أن أختنق بدموعي .. حملت المنشار وتمددت بجانبها, فاصطبغت الغرفة باللون الأحمر القاني إلى الأبد.