عرض مشاركة واحدة
قديم 02-05-2011, 11:19 PM
المشاركة 5
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

في مدريد عام 1937


في ساحة "الآنجل"، كانت النساء


يخطن ويغنّين مع أبنائهن


ثم قُرع ناقوس الخطر، وعلا الصراخ


وجثتٌ بيوتٌ على الأرض


وانشقّت أبراج، وتلطّخت جباهٌ بالبُصاق


وإعصار المحركات الدائم:


لكنهما تعرّيا وتحابّا


للدفاع عن قسمتنا الخالدة


عن حصّتنا من الزمن والفردوس


كي نلمس جذورنا ونفتتح مجدّداً أنفسنا


ونعثر على ميراثنا الذي اختطفه


لصوصُ الحياة من ألف جيل


كلاهما تعرّيا وتعانقا


لأن عريَ الأجساد المتعانقة


يجتاز الزمن ويكون منيعاً


لا يمسّه شيء، يعود إلى البداية


فليس ثمة أنت أو أنا، أمسِ أو غدٌ، ولا أسماء


ولا حقيقة مزدوجة في جسدٍ واحد، ونفسٍ واحدة


الكينونة بكليتها



….



غرفٌ عشوائيّة


بين مدنٍ تغور


غرفٌ وشوارع، أسماء كجروح


للغرفة نوافذ تُطلّ على غرف أخرى


بالورق الجداريّ نفسه


حيث رجل لابس قميصاً يقرأ صحيفة


أو امرأة تكوي، الغرفة مضيئة


تزورها أغصان شجرة درّاق


الغرفة الأخرى: يهطل المطر في الخارج دائماً


وثمّة باحةٌ وثلاثة صغارٍ بليدون


غرفٌ كأنها سفنٌ تتمايل


في خليج من ضياء؛ غرفٌ تحت – بحريّة:


السكون ينتشر أمواجاً خضراء


كلّ ما نلمسه يتألّق


ضرائح فخمة، البورتريهات


قُرضت من زمن، البُسط بالية


فخاخٌ، خلايا، كهوفٌ مسحورة


مزارع طيور وغرفٌ مرقّمة


كلها تتجلّى، كلها تطير


كل نتوءٍ تزيينيّ غيمة، كل بابٍ


يُشرف على البحر، الحقول، الهواء، كل طاولة


وليمة؛ كلها منغلقة كالأصداف


يحاصرها الزمن سدىً


ليس ثمة زمن ولا جدار: ثمّة فضاء، فضاء


افتحْ يدك، اقطفْ هذه الثورة


تناول الثمار، كل الحياة


تمدّدْ عند جذع الشجرة، اشرب الماء!


الكل يتجلّى، الكل مقدّس


كل غرفةٍ هي مركز العالم


هي الليلة الأولى، النهار الأول


وُلد العالم إذ تعانق حبيبان


نقطة ضياء بأحشاء شفّافة


تنفتح الغرفة قليلاً كثمرة


أو تنفجر ككوكب صموت


والقوانين التي قرضتها الفئران


وسياجات المصارف والسجون


السياجات الورقيّة، وأسلاك الحديد الشائكة


وعظ الأسلحة الرتيب


العقرب المعسولة ذات القلنسوة


النمر ذو القبّعة المستديرة، رئيس


نادي النباتيّين والصليب الأحمر


الحمار المربّي، التمساح


ممثّلاً دور المنقذ، أبو الشعوب


الرئيس، القِرش، مهندس المستقبل


الخنزير في لباسٍ عسكريّ


ابن الكنيسة المفضّل


الذي يغسل طاقم أسنانه الأسود


بالماء المقدّس ويأخذ دروساً


في الإنكليزية والديموقراطية، الجدرانُ


الخفيّة، والأقنعة الفاسدة


التي تفصل الإنسانَ عن البشر


الإنسانَ عن ذاته


جميعها تنهار


في لحظةٍ هائلة ونلمح


وحدتَنا المفقودة، ضِيقَ


كينونتنا، ومجدَ كينونتنا


وتقسيمَ الخبز، الشمس، الموت


والدهَش المنسيّ لكوننا أحياء




….




يتبع
.
.

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)