عرض مشاركة واحدة
قديم 02-05-2011, 11:16 PM
المشاركة 4
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ونهداكِ، حُضنكِ، كَشْحك


من حجرٍ، ولثَغركِ مذاق الغبار


لثغركِ مذاق زمنٍ مسموم


ولجسدكِ مذاق بئر بلا غَور


رواق مرايا تعكس


عينَي الصديان، رواقٌ


يعود دائمًا إلى نقطة انطلاقه


وأنتِ تقودينني، أنا الأعمى، بيدك


عبر أروقةٍ مستمرّة


نحو مركز الدائرة وتنتصبين


كبريقٍ يتجمّد فأساً


كضياءٍ ساحج، باهرٍ


كالمقصلة، في عيني المحكوم عليه


مَرنٍ كالسوط، رشيقٍ


كسلاحٍ توأمِ القمر


وكلماتُك المسنونة تحفر


صدري، تعرّيني منّي، تفرّغني


تنتزعين ذكرياتي واحدةً واحدة


نسيت اسمي، وأصدقائي


ينخرون بين الخنازير أو يتلفون


مأكلاً للشمس في وادٍ



….



لا شيء فيَّ سوى جرحٍ وسيع


تجويفٍ لا يجوزه أحد


حضورٍ بلا نافذة، فكر


يعود، يتكرّر، ينعكس


ويضيع في شفّافيته بالذات


وَعْيٍ تثقبه عينٌ


تنظر إلى نظرتها ذاتها حتى تمّحي


من الصفاء:


شاهدتُ قِشرتك الشنيعة


ميلوسينا، تتلألأ خضراء عند الفجر


كنتِ ترقدين ملتفّةً بالأغطية


وعند إيقاظكِ صرختِ كطائر


وسقطتِ بلا انتهاء، محطّمةً وبيضاء


لم يبقَ منكِ شيءٌ سوى صرختك


وبعد قرونٍ ينكشف لي


مع السعال وضعف النظر، وأنا أُقلّب


مجموعة صُوَرٍ قديمة:


أن لا أحد موجوداً، أنك لست أحداً


ثمة كومة رماد ومكنسة


مديةٌ مثلّمة ومنفضة ريش


جِلدٌ ملصَقٌ على عظام


عنقودٌ جافٌّ من زمنٍ، ثقبٌ أسود


وفي قلب هذا الثَقب عينا طفلٍ


غريقٍ من ألف عام



….



نظراتٌ مدفونةٌ في بئر


نظراتٌ ترانا منذ البدء


نظرةُ طفل لأمٍّ عجوز


ترى في ابنها الكبير أباً فتياً


نظرة أمٍّ لفتاة مهجورة


ترى في أبيها ابناً طفلاً


نظراتٌ تنظرنا من عمق الحياة


مصايد للموت


أو بالعكس: السقوط في هذه العيون


يعني العودة إلى الحياة الحقيقية؟



….



السقوط، العودة، أن أحلم بي وتحلم بي


عيونٌ أخرى في المستقبل، حياةٌ أخرى


غيومٌ أخرى، أو أن أموت موتاً آخر!


أنا تكفيني هذه الليلة، وهذه اللحظة


التي لا تكفّ عن المكاشفة معلنةً لي


أين كنتُ، من أكون، ما هو اسمكِ


ما هو اسمي:


هل كنتُ أرسم خططاً


للصيف - ولكل الأصياف -


في شارع كريستوفر، منذ عشر سنين


مع فيليس ذات الغمّازتين


اللتين كانت تشرب منهما الضوء عصافير الدوري؟


قالت لي كارمن في متنزّه "الريفورما"


"الهواء لا ثقل له، هنا دائماً أكتوبر"


أو قالت ذلك إلى آخر غَرُب عن بالي


أو لفّقتُ ذلك كله ولم يقل لي أحدٌ شيئاً؟


ألم أكن أسير مرة في ليل أواكساكا


الشاسع وذي العتمة الخضراء كشجرة


متحدّثاً إلى نفسي كالريح المجنونة


وبوصولي إلى غرفتي - دائماً غرفة -


لم تتعرّف إليّ المرايا؟


ألم نرَ الفجر من فندق "فيرنيت"


يتراقص بين أشجار الكستنة - وقلتِ لي


وأنتِ تسرّحين شعرك "الوقت جدّ متأخر"


وكنتُ أرى بقعاً على الجدار من دون أن أنبس بكلمة؟


ألم نصعد معاً إلى قمّة البرج، ألم نرَ


المساء يسقط من أعلى الرصيف الصخري؟


ألم نأكل العنب في بيدار؟ ألم نشترِ


الغردينيا في بيروته؟


أسماء، أمكنة


شوارع وشوارع، وجوه، ساحات، شوارع


محطات، متنزه، غرف وحيدة


بُقع على الجدار، أحدهم يسرّح شعره


أحدهم يغنّي إلى جانبي، أحدهم يلبس


غرف، أمكنة، شوارع، أسماء، غرف



….




يتبع
.
.

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)