عرض مشاركة واحدة
قديم 02-05-2011, 11:10 PM
المشاركة 3
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


أبحث عن تاريخٍ حيٍّ كطائر


أبحث عن شمس الساعة الخامسة في مساء


تُفتر حدّته جدران التيثونْتل (حجر بركان):


الساعة كانت تُنضج عناقيدها


وعند تفتّحها كانت الصبايا يخرجن


من أحشائها الوردية وينتشرن


في باحات المعهد المبلّطة


وكانت الساعة عاليةً كالخريف، تسير


متدثّرةً بالضياء تحت صفّ القناطر


وكان الفضاء المحيط يكسوها


جِلداً مذهّباً بكامله وشفّافاً



….



نمرٌ بلون الضياء، يَحمور أسمر


حوالي الليل


فتاةٌ تُلمَح متكئةً


على شرفات المطر الخضراء


وجهٌ يافعٌ متعدّد الشكل


نسيتُ اسمك يا ميلوسينا


لورا، إيزابيلاّ، برسيفونا، ماريّا


لكِ كلّ الوجوه، وليس لك أيّ واحد


أنتِ كلّ الساعات، ولست أيّ واحدة


أنتِ كالشجرة والغمامة


أنتِ كلّ الطيور وأنتِ نجمة


تُشبهين حدّ السيف


وكأسَ دم الجلاّد


لبلابٌ يتقدّم أنتِ، يغطّي ويجتثّ


النفسَ ويفصلها عن ذاتها



….



كتابةٌ من نارٍ على اليَشْب


صَدعٌ في الصخر، ملكة أفاعٍ


عمود بخار، ينبوعٌ في الصخر


مدرّجٌ قمريّ، قِمّة عقبانٍ


حبّة يانسون، شوكةٌ دقيقةٌ


وقاتلةٌ تُحدِث آلاماً أبديّة


راعيةُ أوديةٍ تحت – بحريّة


وحارسة وادي الأموات


عارشةٌ تتدلّى على جُرُف الدوار


نبتةٌ متسلّقة، نبتةٌ سامّة


زهرةُ القيامة، عنبُ الحياة


سيّدةُ المزمار والبرق


مصطبةُ الياسمين، ملحُ الجروح


باقةُ وردٍ للمَرميّ بالرصاص


ثلجٌ في آب، قمر المشنقة


كتابةُ البحر على حجر البَزَلْت


كتابةُ الريح في الصحراء


وصيّةُ الشمس، رمّانةٌ، سنبلة



….



وجهٌ من الشُّعَل، وجهٌ مفترَس


وجهٌ يافعٌ مضطهَد


سنواتٌ موهومة، أيّامٌ دائرية


تُطلّ على الباحة ذاتها، على الجدار ذاته


اللحظة تشتعل وأوجه الشعلة المتوالية


ليست سوى وجهٍ واحد


كلّ الأسماء اسمٌ واحد


كلّ الوجوه وجهٌ واحد


كلّ الأجيال لحظةٌ واحدة


ولكلّ أجيال الأجيال


زوجُ عيونٍ يقطع الطريق إلى المستقبل



....



لا شيء أمامي سوى لحظةٍ


استُلحقت هذه الليلة، في مقابل حلمٍ


من الصور المتزاوجة المحلومة


المنقوشةِ عميقاً في النعاس


المنتزعةِ من عدم هذه الليلة


المرفوعةِ بقبضة اليد حرفاً حرفاً


فيما الزمن في الخارج يحتدم


والعالم يقرع أبواب نفسي


بجدول مواعيده الضاري



….



لا شيء سوى لحظةٍ فيما المدن


الأسماء، المذاقات، المعيش


تنهار على جبيني الأعمى


فيما ثِقل الليل المؤلمُ


يُذلّ فكري وبنيتي


ودمي يجري في بطءٍ زائد


وتتعرّى جذور أسناني وتتحجّب


عيناي وتكدّس الأيّام والسنون


أهوالَها الفارغة



….



فيما الزمن يُغلق مروحته


ولا شيء خلف صوره


واللحظة تغوص وتطفو


محاطةً بالموت، مهدّدةً


بالليل، بتثاؤبه الفاجع


مهدّدةً برطانة


الموتِ الراسخ والمقنَّع


اللحظة تغوص وتتداخل


كما تنغلق قبضة، كما تنضج


ثمرةٌ في صميم ذاتها


وتشرب من هذا الصميم وتنتشر


اللحظة الشفّافيّة تنغلق


وتنضج في صميمها، مرسلةً جذورها


وتنمو فيّ، تحتلّني كلّي


أوراقها الهاذية تطردني


أفكاري ليست سوى طيورها


زئبقها يجري في شراييني


شجرةً ذهنيّة، ثماراً بطعم الزمن



….



أيتها الحياة التي ستُعاش والمعيشة


الزمن يعود كمدٍّ


وينحسر بدون أن يلتفت


ما مضى لم يكنْ لكنّه يأتي


وبكلّ هدوء يصبّ


في لحظةٍ أخرى تتلاشى:


أمام مساء البارود والحجرِ


المسلّح بسكاكين خفيّة


بكتابةٍ حمراء لا تُحلّ رموزها


تكتبين على جِلدي، وهذه الجروح


تُغطّيني كرداءٍ من شُعَلٍ


وأشتعل ولا أتلف، أبحث عن الماء


ولا ماء في عينيكِ، عيناكِ من حجَرٍ



….





يتبع
.
.
.

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)