عرض مشاركة واحدة
قديم 05-25-2016, 09:13 PM
المشاركة 15
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
كان ذلك في خريف 1979 حيث شارفت على السبع سنوات الموعد الرسمي لالتحاق كل طفل بالمدرسة ، كثير من الأطفال غرباء عنّي ، حيث يقطنون القرى المجاورة لأساكي ، ليس عيبا ان تبتعد المدرسة عن قريتك بثلاث كيلومترات ، فنصف ساعة كافية لحرق تلك المسافة ، نسير في جماعة إلى المدرسة ، أطفال قريتي هادئون ، بل شغبهم ليس فيه خبث و سوء نية ، أذكر يوما في الاستراحة ، أن طفلا دفعني للاستهزاء برجل يقود شاحنة ، فقلت مسايرا لخطته ، ياله من رجل بدين ! انتهى الأمر وانتقلت عيناي إلى مشاهد أخرى ، فجأة ارتسمت في وجهي أصابع صفعة محكمة ، و سبّ و شتم ينهال عليّ من طفل يكبرني ، انه ابن الرجل البدين. من حسن حظي أن الوادي كان سببا لانتقالي من هذه المدرسة إلى أخرى بعد شهر ربما أو أقلّ ، قبل اللّحاق بها يلزمك أن تعبر واديين أحدهما يكاد يكون دائم الجريان في الشتاء . ربما لو طال بي المقام هناك لأصبحت غير الذي كنته ، هناك يجب أن تكون لديك جرعة خبث زائدة ، و لا مجال للسّذاجة . كل يوم نصطحب معنا خبزا و زبدة ، لن نعود للبيت عند وسط النهار وتلك مساحة كافية لتعلّم كلّ أنواع الزندقة ، و محو آثار البراءة ، يعطيني أبي قطعة صفراء ، أحمل معي شايي وسكري و هكذا يفعل كل الأطفال ، في المقهى نستعير البرّاد والكؤوس والماء المغليّ مقابل نقود صفراء . طفل أسمر قبّل أصابعه بعد أن لمس بها وجنتي ، تبعته جاريا لأنتقم منه ، كان يراوغني بخفّة بالغة أحسست بالهزيمة خاصة عندما التحق بعصبته التي نهرتني . لحسن حظي جاء المطر باكرا و حال بيني وبين هذه المدرسة الموبوءة .
كان الجوّ ماطرا ، يحملني أبي لاجتياز شعاب صغيرة نابعة من جبال قريتنا ، متوجهين جنوبا جهة قرية أخوالي تاركين أساكي وراء ظهورنا ، دخلنا فجأة مدرسة تتكون من حجرتين فقط ، مدرسة هادئة هدوء الجنان ، فيها بنات و صبيان ، معلمة ناعمة الملمس و الصّوت ، وجدت هناك بعضا من رفاقي في مسجد سي ابراهيم ، لن أحس غربة هنا ، حتى أطفال هذه القرية لا تبدو عليهم الخسة والنذالة ، حتى أنهم منضبطون ، همّهم الأوحد هو التعلّم . وجدتهم يومها يدرسون حرف الكاف ، سرعان ما وجدتني أقرأعلى السبورة ، حتى تلك المحبرة وجدتها هنا جافة مهملة ، نكتب بقلم الرصاص و قلم الحبر الجاف . أحببت المدرسة ، أحببت رفاقي ، كنا كتلة متناغمة ، يا له من حظ عظيم .