عرض مشاركة واحدة
قديم 06-04-2012, 04:11 PM
المشاركة 818
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
إلياس الديري

نبذة النيل والفرات:
"إلياس الديري، قصاص الخيبة"، هو أول بحث أكاديمي، يتناول الروائي والأديب والصحافي اللبناني إلياس الديري، فيعرض لمختلف مراحل حياته الشخصية بعامّة والأدبية والروائية منها بخاصة، بشتى من التفصيل والتحليل. ويؤرشف لمختلف أحاديثه وكتاباته ونتاجاته القصصية والأدبية ويحللها جميعاً، فيظهر الديري من خلالها على حقيقته، فيلسوف الخيبة، نتيجة تجارب له في الحياة مريرة وتداعيات تعتمل في ذاته التائهة ليلامس حدود "فلسفة الخيبة" تلك!!...
تبدأ تلك التداعيات والمفارقات الغريبة منذ سني الصغر الأولى وتمضي تلاحق الديري طيلة حياته كالظل، فالديري يبدو غريباً في كل المدائن في بيروت إلى الكويت إلى باريس، تسكنه الغربة، وللوهلة الأولى يتألف البطل-الكاتب مع ذئب "العرتوق" ويتنكر لانتمائه الإنساني، والوجودي!! حتى السياسة التي عاش من أجلها وكتب، يطلقها إلى الأبد ويشفق على ربع قرن من عمره هدره بالصحافة السياسية.
لماذا خيبة البطل-الكاتب؟! سؤال كبير يحتاج إلى اكثر من مجلّد، وحول هذا السؤال يتمحور البحث الذي بين أيدينا محاولاً الإجابة من خلال عرض موثق ومدروس لأفكار الديري وآثاره وتحليلها وتناول ما كُتب حولها من آراء مخالفة أو موافقة ومؤيدة. ويبقى المهم في الديري إن فعل الكتابة كان يلازم فعل الخيبة في حياته ونتاجاته التي تعكس تلك الانكسارات الحادة بكل صدق. هو المندفع نحو غايته والمنكسر في نهاية الشوط، ليعود ويندفع من جديد حيث تنتظره الخيبة وينتظره الانكسار وهولا يملك شيئا سوى هذا الصراخ الصادق الذي يعادل وجوده، وكان هذا الصراخ يقوى ويقوى كلما صقلته تجارب الحياة أكثر، وكلما عاش الخيبة أكثر كان يصرخ في وجه هذا العالم.

==
الربيع والخريف بَين الرواية وَالسّيرة الذاتيّة
رواية السيرة الذاتية‏
إن الإنسان هو إلى حد كبير خلاصة تجربته الذاتية وخبرته الشخصية. وإذا كان المؤرخ الألماني "ترايتشكه" قال عبارته المشهورة "أن الإنسان يصنع التاريخ" فإن صامويل جونسون قال "لا يوجد شكل من أشكال الأدب أجدر بالرعاية والاهتمام من تراجم الحياة، وأنه لا يماثل هذا اللون أي لون آخر".‏
وفي بحثي لرواية "الربيع والخريف" فإنني أحاول الاستفادة من عبارة "نيتشه" "الاستدلال عن طريق الرجوع إلى العمل إلى صاحب العمل، ومن الفعل إلى الفاعل".‏
ولا بد هنا من الوقوف قليلاً على بعض الآراء وأراها ضرورية كمعين لوجهة نظري.‏
الأول للناقد الياس خوري الذي يقول: "إن العامل الذي يتحكم في بنية الرواية العربية هو عامل من خارج العلاقات المعقدة التي ترسمها الشخصيات في الرواية، إن في ممارسة المؤلف دوراً مباشراً في سياق روايته، يستنطقها ما يريده هو، ويقوم بشكل مباشر بعملية ضغط على شخصياته".‏
والرأي الثاني هو للمفكر المغربي عبد الله العروي وهو:‏
"عرفت الرواية العربية شكلاً واحداً هو شكل السيرة الذاتي إلى حد أن الرؤية الفنية ظلت خلال زمن طويل مرادفاً لرواية السيرة الذاتية".‏
والرأي الثالث هو للناقد حسام الخطيب وهو:‏
"أن أبرز الثغرات في الرواية العربية هو تدخل آثار التجربة الذاتي والعنصر الأوتوبيوغرافي بشكلها الخام".‏
ونحن هنا نرى أن الكاتب قد يأخذ بأحداث حياته، ولكنه مهما كتب فهو لا يكتب دائماً سيرته الذاتية، ولكنه يضع جزءاً من نفسه في العمل أو في أي عمل يكتبه. ولا نطرح هنا مصادرة على كتابة السيرة الذاتية فهي ضرورية ومطلوبة، لأنها تساعدنا على الوقوف على أرضية الكاتب أو الروائي، ولكن من المؤكد أن أكثر الروائيين فشلاً كما يقول الروائي عبد الرحمن منيف "هو ذلك الذي يكتب سيرة ذاتية فقط". والروائي قد ينجح مرة عندما يريد أن يضع تجربته الشخصية في عمله الروائي ولكنه يفشل عندما يريد أن يضع تلك التجربة في كل مرة يكتب فيها رواية. هناك نسبة معينة من الروائي في كل رواية يكتبها، وكلما كانت هذه النسبة قليلة كلما كانت الرواية أفضل. والروائي مثل المطر، لا يعطي نفسه دفعة واحدة، هو الشخصية الفلانية. لا ولكنه يتوزع على شخصيات متعددة. وبالتالي لا يستطيع أحد أن ينكر بأن الروائي موجود فيما يكتب، ولكن الروائي بالتأكيد يريد أن يقدم أفكاره حتى المتناقضة منها، ولذا فإنه يقدم شخصيات مختلفة.‏
ولكننا نعثر في الروايات على نماذج مختلفة فبعض الروائيين ومنهم شكيب الجابري صاحب روايات "نهم" و "قدر يلهو" و"قوس قزح" يقول بالحرف الواحد:‏
"لا أستطيع أن أخرج في رواياتي عن حياتي، مهما أخذت ففي حياتي الواقعية ما يكفي من المادة لتغذية خيالي وأكسل في التفتيش عن مواضيع خارج حياتي! وفيم أفعل!".‏
أما نجيب محفوظ فيختار نمطاً من حياته، نمطاً واحداً لا كلاً كاملاً كالجابري. وهو يقول وبالحرف الواحد أيضاً:‏
"كمال عبد الجواد في الثلاثية هو أنا، وكمال يعكس أزمتي الفكرية، وهي أزمة جيل فيما أعتقد".‏
وهكذا ينسحب الأمر على:‏
حامد في رواية هيكل "زينب".‏
ومحسن في رواية الحكيم "عودة الروح".‏
وإبراهيم في رواية المازني "إبراهيم الكاتب".‏
وهمام في رواية العقاد "سارة".‏
وإسماعيل في رواية يحيى حقي "قنديل أم حقي".‏
وكذلك "الحي اللاتيني"، والخندق العميق" لسهيل إدريس. و"الوطن في العينين" لحميدة نعنع وروايات عبد الرحمن منيف وحيدر حيدر والياس الديري وغائب طعمه فرحان وباقي الروائيين العرب الذين لا مجال لذكرهم هنا.‏
بعد هذه المداخلة لا بد لنا من العودة إلى متابعة مناقشاً للرواية رواية الربيع والخريف –السيرة الذاتية.‏
"كرم" أم حنا مينة؟‏
أفضل وسيلة للإجابة عن هذا التساؤل، هي اللجوء إلى كلام الروائي نفسه. وهو يقول في كتابه "هواجس في التجربة الروائية":‏
"في العام 1959 غادرت سورية تشردت طوال عشرة أعوام. طلبت بدل العلم العمل ولو في الصين. وفي لبنان، وبعض بلدان أوروبا. عرفت ماذا يعني أن يكون المنفى مهنة شاقة". (ص6).‏
ويقول في مكان آخر:‏
"أن الإنسان ولو كان مؤلفاً لا يمكنه أن ينخلع عن البيئة والتأثيرات التي يحملها المؤلف من أفكار وأوهام ورواسب، كل ذلك لا بد أن نجد لها ظهوراً في مؤلفاته الأدبية" (ص 27).‏

==
هل تعلم أن المحلل السياسي الياس الديري هو روائي أديب عمل صحافياً في مدينة طرابلس بلبنان، ثم رأس تحرير النهار الدولي، وهو عضو نقابة المحررين وعضو نادي القصة منذ عام 1960. والديري من مواليد دده (الكورة) شمال لبنان عام 1937. درس في مدارس طرابلس. وهو الآن يعمل كمحلل سياسي لإذاعة الشرق في باريس. من مؤلفاته القصصية: الرجل الأخير، جدار الصمت، الفارسي القتيل يترجل.