عرض مشاركة واحدة
قديم 12-03-2019, 07:19 PM
المشاركة 2
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: المناظرة الأدبية وأشهر المناظرات عبر التاريخ
المناظرة التي قتلت سيبويه :
‘ المسألة الزنبورية ‘
،

هذا عنوان أشهر مناظرة في تاريخ علم النحو ، جمعت بين إمامين عظيمين ، عالم النحو وأسطورته سيبويه ، وشيخ القراءات وعلوم اللغة الكسائي ، فكيف حدثت هذه المناظرة ؟ ولمن كانت الغلبة ؟



سيبويه يتوجه إلى بغداد


فيما يروى من مصادر مختلفة ، أن أسطورة زمانه في علم النحو سيبويه قصد بغداد قادما من البصرة ، لقضاء حوائج خاصة به ، وفي رواية أخرى لضائقة مالية جعلته يمر بضيق وشدة ، وحدث أن قصد وزير هارون الرشيد يحيى البرمكي ، فأكرمه وأوسع له ، واستقبله بحفاوة ، وبعد أن طاب المستقر لسيبويه طلب من الوزير ، وفي رواية أخرى عُرض عليه أن يناظر زعيم مدرسة النحو في الكوفة ، العالم الجليل الكسائي ، فوافق على ذلك مسرورا ما دام الغرض من هذه المناظرة الخروج بالعلم والفائدة .

ومن المعلوم أن أشهر مدرستين اختصتا بدراسة وتدريس علم النحو وفنونه ، مدرسة الكوفة بزعامة الكسائي ، ومدرسة البصرة بزعامة سيبويه الذي أثبت نفسه وغزارة علمه بالرغم من كونه شابا يافعا ، ولا عجب من ذلك ، فهو تلميذ العالم الكبير واضع علم العروض ، ومفصّل أسماء البحور الشعرية ، الخليل بن أحمد الفراهيدي . وبالرغم من اختلاف المدرستين في كثير من المسائل النحوية ، إلا أن هدفهم الخالص كان خدمة لغة القرآن .

اجتمع سادة القوم ووجهائهم ، وأمر الوزير يحيى بتوفير أطيب الأماكن ليرتاح العالمين في مناظرتهما ، وبدأت المناظرة …



بداية المناظرة


في الحقيقة هي مسائل كثيرة ناقشها كل من سيبويه والكسائي ، فأظهر كل واحد منهما براعته ومهارته ، لكن المحور الأهم في المناظرة كلها كان حول ‘ المسألة الزنبورية ‘ ، وهو سؤال وجهه الكسائي لسيبويه قائلا :

الكسائي : كيف تقول : كنتُ أظن أن العقربَ أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي ، أم فإذا هو إياها ؟

/ الزنبور : حشرة تشبه النحلة ولسعتها جد مؤلمة .

فقال سيبويه : فإذا هو هيَ ، ولا يجوز النصب .

الكسائي : لقد أخطأت ، بل الصحيح النصب فنقول : فإذا هو إياها .

وطال النقاش حيث يروي البعض أن سيبويه برع وأجاد في تقديم حججه ودلائله ، إلى أن وصلا إلى سؤال الكسائي حيث قال :

الكسائي : كيف تقول : خرجتُ فإذا عبد الله القائمَ ، أو القائمُ ؟

سيبويه : فإذا عبد الله القائمُ ، ولا يجوز النصب أيضا .

الكسائي : العرب ترفع ذلك كله وتنصبه كذلك .




نهاية غير متوقعة !
وطال الخلاف بينهما والذي دار مجمله على الرفع والنصب وأصل ذلك كله مسألة الزنبور ، فعرض عليه الكسائي أن يتم إحضار مجموعة من الأعراب الأقحاح الذين ينطقون باللغة السليمة فطرة ، فوافق على ذلك ، وهنا نفتح القوس أمام مجموعة من الروايات المختلفة التي يدور بعضها على أن الكسائي وأصحابه أقنعوا الأعراب بأن ينتصروا له ، لكن العلماء الثقاة يكذّبون هذه الروايات نظرا لاسم الإمام الجليل الكسائي الذي وهب حياته للعلم والدراسة ، وبالتالي مستحيل أن يلجأ لمثل هذه الأعمال .

لكن الأرجح أن في الأمر تدخل سياسي من وراء الكواليس جعل أصحاب القصر يقنعون الأعراب بأن يقفوا بصف الكسائي ، وبالفعل حينما وقفوا أمامهما وسألهم عن صحة القول ، رجحوا كفة الكسائي ، فطلب منهم سيبويه أن يؤكدوا ذلك وينطقون الجملة ، فلم تطاوعهم ألسنتهم على ذلك وتهربوا ، وفي ذلك إشارة على أن سيبويه محق .

فلم يكن لسيبويه إلا الإذعان للأمر ، وقبل أن يرحل أعطاه الوزير كيسا مليئا بالمال ، فقصد سيبويه بلاد فارس وفي قلبه شيء كبير من هذه المناظرة ، ولم تمض سوى مدة قصيرة حتى مات ، وبغض النظر عن حيثيات هذه المناظرة أو ماهية المنتصر ، فسيتبين لنا مدى عناية سلفنا بالعلوم والدراسة والتقدم ، لأجل الرقي بالأمة وحضارتها .



أبيات خالدة تذكر المسألة الزنبورية


من الأبيات الرائعة التي تذكر المسألة الزنبورية ، ويحفظها طلبة العلم ، تلك التي أوردها القارطاجاني في منظومته ، حيث يقول :

والعُرب قد تحذف الأخبار بعد إذ * إذا عنت فجأة الأمر الذي دهما

وربما نصبوا للحال بعد إذا * وربّما رفعوا من بعدها ربما

فإن توالى ضميران اكتسى بهما * وجهُ الحقيقة من إشكاله غمما

لذاك أعيت على الأفهام مسألة * أهدت إلى سيبويه الحتف والغُمما

قد كانت العقرب العوجاء أحسبها * قدما أشدّ من الزنبور وقعَ حُما

وفي الجواب عليها هل “إذا هو هي” * أو هل “إذا هو إياها” قد اختصما

وخطّأ ابن زياد وابن حمزة في * ما قال فيها أبا بشر وقد ظلما

وغاظ عمرا علي في حكومته * ياليته لم يكن في أمره حكما

كغيظ عمرو عليا في حكومته * ياليته لم يكن في أمره حكما

وفجّع ابن زياد كل منتخب * من أهله إذ غدا منه يفيض دما

كفجعة ابن زياد كل منتخب * من أهله إذ غدا منه يفيض دما

وأصبحت بعده الأنفاس باكية * في كل طرس كدمع سَحَّ وانسجما

وليس يخلو امرؤ من حاسد أضِم * لولا التنافس في الدنيا لما أُضما

والغبن في العلم أشجى محنة علمت * وأبرحُ الناس شجوا عالم هُضما