عرض مشاركة واحدة
قديم 08-17-2011, 12:22 AM
المشاركة 34
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،

قراءة نقدية معمقة لقصة " المهلهل" لكاتبها القاص مبارك الحمود:

في هذا الجزء من القصة يصور لنا القاص مبارك الحمود اثر تلك الغربة والاغتراب، التي ألمت ببطل القصة كنتيجة لما لقيه من معاملة ورفض من الأقارب والإغراب، وخاصة ذلك الموقف المزلزل الذي أصابه من مدير المدرسة، فبدأ يشعر ان حياته تنهار، وزاد اغترابه وذلك بتأثير تراكمات ما اصابه منذ مولده، بحيث تساوت لديه قيمة الحياة بالموت، بل بدا له أن الانتحار ارحم من تلك الحياة التعيسة لتكتمل الصورة، صورة حياته التي كانت من بدايتها تعيسة، شديدة الالم.

جزء منحياتي تلك بدأتُ بفقده كتلك الهللات, وأعتقد أن الصورة حان اكتمالها, ولذلك لم أوفرالفرصة حينما أتت.. قررت التطوع لمساعدة غرقى أحد السيول حين رأيت تراجع الجموع المراقبة, وادعيت كاذبا خبرة كبيرة بالسباحة.. نزعت ثوبي المهلهل عني, وقفزت..أناس كثر علىمعرفة كبيرة بهم كانوا يشاهدون غرقي, ونظرت من بينهم إلى ثوبي.. شعرت به يلوح لي مودعا.

وهنا نجد القاص مبارك الحمود وكأنه يصور ولا يكتب، فهو ينقل لنا حالة ذلك البطل من خلال الصورة التي آلت إليه حياته...ولذلك نجد أنفسنا وكأننا نشاهد فلم أو منظر ذلك البطل وهو ينزع ثوبه ويندفع لمساعدة غرقى احد السيول. تلك اللحظة التي تمثل زمن القصة ومكانها ونجد أن كل الأزمان السابقة كانت تهدف إلى خدمة هذه اللحظة من الحدث.

ونجد أن مبارك الحمود يستثير في المتلقي حاسة البصر من خلال استخدامه لكلمة ( رأيت + المراقبة) ، وفي استخدامه لكلمات (نزعت + قفزت ) ما يشير إلى الحركة التي تعطى الحدث حيوية وحياة، ثم يعود لاستثارة الحواس من جديد باستخدام كلمات ( يشاهدون + ونظرت ). ثم نجده يشخص الثوب وكأنه يمنحه الحياة في مقارنة مع الناس الكثيرين الذي كانوا يعرفونه، ولكنهم لم يحركوا ساكنا، لكن ثوبه الوحيد هو الذي بدا له وكأنه يلوح له مودعا، وفي ذلك كناية عن الاغتراب الذي أصاب بطل القصة ودفعه إلى ذلك المصير وهو الارتماء في أحضان الموت ليتخلص من المه، ونجد أن القاص قد استخدم كلمة ( شعرت ) في محاولة منه لاستثارة مشاعر المتلقي أيضا.

ضمني السيل بين أحضانه, وجرفني معه كفرع شجرة مقطوع.. تلك كانت المرة الوحيدة التي أشعر بها بذلكالشعور.. كان مخيفاً, مخيفاً فعلاَ.. أن يحضنك ذو وجوه متعددة الأحضان, يقلبك على كل الجهات متى يريد, ولكني قلت في نفسي, وأنا مطمئن:كل الطرق تؤدي إلىالقبر.
قلت تلك العبارة, وأنا أرى من خلف تيارات المياه الطينية ثوبي المهلهل يهبُّ واقفاً, ويقفز خلفي, ليغطي ما تعرى من جسدي.

ثم نجد أن القاص عمل في بداية هذه الفقرة الأخيرة على شخصنة السيل أيضا وجعله وكأنه شخص يضم البطل بين أحضانه المتعددة... وفي استخدام كلمة ( جرفني ) ما يشير إلى مزيد من الحركة والتشخيص وكأن السيل يقوم بالجرف المقصود ، وفي الفقرة تصوير جميل ومشوق. ثم نجد القاص يحاول استثارة مشاعر المتلقي من جديد باستخدامه وتكراره لكلمات تدل على المشاعر (اشعر + بذلك الشعور + مخيفا فعلا)، وفي وصفه للسيل هنا تصوير جميل حيث يجعله القاص وكأنه كائن أسطوري له عدة وجوه وعدة أحضان وفي ذلك وصف لسطوة الموت وجبروته.

وفي استخدام كلمة ( يحضنك + يقلبك ) مزيد من الكلمات الدالة على الحركة وما يعطي النص مزيد من الحيوية. ونجد أيضا بأن القاص هنا يسخر التضاد لإيقاع مزيد من التأثير على المتلقي فرغم ذلك الجو الرهيب الذي تمكن القاص من رسمه وتصويره ونقله لنا لكننا نجد البطل (مطمئن) لان كل الطرق تؤدي إلى القبر.

وفي السطر الأخير نجد القاص يسخر الحواس باستخدامه كملة ( أرى )، وفي كلمات (تيارات المياه الطينية) ما يشير إلى مزيد من الحركة. وفي هبة الثوب المهلهل مزيد من التشخيص حيث يجعل القاص ذلك الثوب قادر على الوقوف والقفز وفي ذلك مزيد من الحركة وبالتالي الحيوية خاصة ان هبته تأتي في تضاد مع وقوف كل الذين كان يعرفهم دون حراك لنجدته..وهي الإشارة الأخيرة التي تؤكد اغتراب البطل وانفصاله عن المحيط البشري حوله. وفي ذلك تبرير لهذه النهاية التعيسة ( الانتحار ) التي اخذ البطل فيها حياته بيده حيث القي بنفسه إلى أحضان الموت، الذي اطمئن له البطل وقد وجد أن الموت قد أصبح أهون من تلك الحياة.

وهنا تتجلى الفكرة والتي ربما أراد القاص مبارك الحمود إيصالها للمتلقي من وراء هذا النص، وهي إن الانتحار ما هو إلا نتاج سوء المعاملة في المجتمع، وتراكمات هذه المعاملة السيئة، هي التي تدفع الإنسان للانتحار بعد أن يجد نفسه في حالة اغتراب عن المجتمع وانفصال تام عنه.

وكأن هذه القصة دعوة للانتباه لما يشكل نفس الإنسان ويحرك لوعجها، ويدفعه لذلك الشعور بأن لا قيمة له، فتصبح الحياة لا قيمة لها..والموت ارحم.

ولا شك أنها قصة عميقة جدا كونها تعالج البعد النفس لبطل القصة، والذي يظهر واضحا انه ضحية مآسي حياته وما أصابه من سوء معاملة ممن حوله من الناس...

ولا شك أن الأستاذ مبارك الحمود قد نجح هنا أيضا في معالجة جانب من جوانب قضايا النفس البشرية باحتراف شديد، وقد أتقن بناء شخصية بطل القصة، هذا الطفل اليتيم، فجعلها شخصية، متطورة، ودينامكية، وتعمل مثل القطب المغناطيسي في توريط المتلقي ليتعاطف معها، ليوصل لنا الفكرة بطريقة مؤثره.

وفي الغالب إن هذه القصة تدعو للحياة من خلال تصوير الم النقيض، وهو - الموت - أي الانتحار بأسلوب غاية في التأثير. وتوضيح لدور المجتمع في رسم حياة الاخرين.