عرض مشاركة واحدة
قديم 09-09-2010, 12:58 PM
المشاركة 343
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يوحنّا الذهبيّ ( الفم )
القديس

‏لُقب ‏يوحنا‏ ‏بطريرك‏ ‏القسطنطينية‏ ‏من‏‏سنة‏ 398 ‏إلى ‏سنة‏ 407 ‏بـ"يوحنا‏ الذهبي‏ ‏الفم‏ ‏أو‏ ‏يوحنا‏ ‏فم الذهب‏CHRYSOSTOMOS، وذلك‏ ‏اعترافاً ‏بفصاحته‏ ‏وبلاغته‏ ‏وجمال‏ ‏أسلوبه‏ ‏وعبارته‏،‏وقوة‏ ‏كلماته‏، ‏وتأثير‏ ‏عظاته ‏‏معنى ‏‏ومبنى. كما يوصف بكثير من الصفات، فهو "واعظ المسكونة الأول"، الذي "صان عقله نقيًّا من الأهواء"، و"صار مماثلاً لله"،بعدما امتُحن "بالتجارب كالذهب في النار"؛ فهو "الآلة الملهمة من الله"، و"العقلالسماوي" و"عمق الحكمة"، و"الكارز بالتوبة"، و"نموذج المؤمنين"، و"الملاك الأرضيوالإنسان السماوي"، وهو "خزانة أسرار الكتب"، و"اللسان الذي بمحبة بشرية رسم لناطرق التوبة المتنوعة"، وهو أيضاً "أبو الأيتام والعون الكلي الحماسة للمظلومين،ومعطي البائسين، ومُطعِمَ الجياع، وإصلاح الخطأة، وطبيب النفوس، الحاذق الكليالمهارة"؛(1) إضافة إلى لقب "معلّم الكنيسة" الذي أطلقته عليه الكنيسةالكاثوليكيّة. ولمناسبة الاحتفال بذكرى 1600 سنة على رقاده وجّه البابا بندكتوسالسادس عشر رسالة يوم عيده سنة 2007(2) ، فأبرز فيها أهم تعاليم هذا القديس العظيم،خصوصاً لأنه ساهم في "اللقاء المثمر بين الرسالة المسيحية والثقافة الهيلينية"،والتي "كان لها وقع بعيد الأثر على الكنائس الشرقية والغربية على حد سواء"(3) ؛وذكّر أيضاً بأن سلفه البابا بيوس الثاني عشر ألقى الضوء على الإسهام الكبير الذيقدمه القديس يوحنا في تاريخ تفسير الكتاب المقدس مع نظرية "التنازل" أو synkatábasis التي من خلالها، فسّر فم الذهب أن "كلمات الله، التي تمّالتعبير عنها باللغة البشرية، صارت مشابهة للغة البشر"(4) . لقد أدخل المجمعالفاتيكاني الثاني هذه الملاحظة في الدستور العقائدي في الوحي الإلهي "كلمةالله"(5) . كما وأشار الطوباوي يوحنا الثالث والعشرون الفهم العميق لدى فم الذهبللرباط بين الليتورجية الافخارستية والاهتمام بالكنيسة الجامعة(6) ؛ وبيّن خادمالله بولس السادس الطريقة التي "عالج بها بلغة بليغة وبتقوى كبيرة، السرالإفخارستي"(7) .

ينوّه البابا في رسالته على مساهمة القديس في عمل وحدةالكنيسة والمصالحة بين أبنائها، فيقول: "هذا ويستحق ذكرًا خاصًا جهد القديس يوحنافم الذهب الفائق لأجل تعزيز المصالحة والشركة الكاملة بين مسيحيي الشرق والغرب. وبوجه الخصوص، كانت مداخلته حاسمة في وضع حد للشقاق الذي كان يفصل كرسي أنطاكيا عنروما وسائر كنائس الغرب. في زمن سيامته كأسقف على القسطنطينية، أرسل يوحنا بعثة إلىالبابا سيريشيوس إلى روما. ودعمًا لبرنامجه هذا، وفي إطار مشروع وضع حد للانقسام،نال معونة أسقف الإسكندرية في مصر. تجاوب البابا سيريشيوس مع المبادرة الدبلوماسيةالتي قام بها يوحنا؛ وهكذا تم حل الانقسام بطريقة سلمية وأعيدت الشركة التامة بينالكنائس.. ففي فكر يوحنا، عندما يتألم قسم من الكنيسة لجرح ما، تتألم الكنيسةبأسرها للجرح عينه".

حياته :
ولد يوحنّا في أنطاكية حوالي عام 345 لوالدين تقيين، من عائلة غنية ومعروفة. توفي والده، وكان ضابطاً في جيشالأمبراطوريّة، وهو لا يزال طفلاً فكرّست أمه أنثوسا حياتها للاهتمام بوحيدها، ولقد دعاها المعلم الكبير ليبانوس، الذي ثقّف يوحنا وعلّمه القانون والفصاحة والفلسفة، "بأعظم النساء المسيحيات". كان قصيرالقامة، أصلع الرأس، نحيلا غائر الخدين والعينين، عريض الجبين، أجعده وكان صوتهعذبًا لكنه ضعيفاً.

اعتبر يوحنا أولاً أن الشهادة للإيمان تكون في اعتناقالحياة الرهبانية التوحُديّة، ولولا دموع أمه لما تأخر في ترك العالم. إلا أنهابتكر رهبانية في قصره، فاتخذ فيه منسكاً، وأخذ يمضي ساعاته في الصلاة والصوم وتأملكلمة الله، حتى شهد فيه الكثيرون: "شابٌ يعيش في قلب المدينة كما يعيش المتوحدون فيالبراري والقفار". وقيل فيه أيضاً: "وجهه ينضح قداسة.. كأنه يبشّربوجهه".


عاش يوحنا حياة جهاد وعمل، ناسكاً متوحداً بين عامي 374-380. واكتشف أن لا شهادة للإيمان دون الحوار المستمر مع الله. وبعد أن أتعبته الصحراء عاد ليؤدي شهادته في وسط العالم. "خير للإنسان، كما يقول، أن يكون أقل فضيلة، ويهدي الآخرين، من أن يعيش على قمم الجبال ويرى أخوته البشر يهلكون".

فرُسم شماساً (381) وكاهناً (386)، وتشبّه في هذه المرحلة ببولس الرسول. فأخذ عنه حماسه وقوّته واندفاعه الرسولي، كذلك العلم والحكمة والعمل والصبر على المشقات. ولقد أخصب يراعه في هذه الفترة، فآمن بسحر الكلمة وفعاليتها وأهميتها في الشهادة للإيمان. ولقد قيل، لشدة إبداعه في تخديم الكلمة للشهادة للإيمان، أن الهراطقة أنفسهم، وحتى غير المؤمنين، أحبوا سماع عظاته، حتى بلغت شهرته القسطنطينية العاصمة. وإثر وفاة بطريركها نادى شعبُها بيوحنا راعياً لها، فسُرق ليلاً لكي لا يتمكن الأنطاكيون الاحتفاظ بكاهنهم المحبوب.


أمام هذه الإصلاحات اشتدت عليه قوى الشر، فتآمر بعض الأساقفة والكهنة مع الإمبراطورة أفدوكيا، التي لم يتوانى في تأنيبها لأخلاقها المعوّجة بسبب معاشرتها الوزير إيتروب في حياة زوجها اللامبالي، وسعوا للإطاحة به بعد عظة ناريّة قارب فيها موقفه بقصة قطع رأس يوحنّا المعمدان تنفيذاً لوعد هيرودس لابنة أخيه الحيّ سالومي التي رقصت أمامه بناءً على طلب أمّها هيروديّا عشيقته، فقال: "من جديد تغضب هيروديا! من جديد ترقص! من جديد تطلب رأس يوحنا على طبق!".. حُكم عليه بالنفي، فحدث عشية تنفيذ الحكم زلزلة هزّت العاصمة، لأنه "إن صمت الجميع تكلمت الحجارة"، وعاد ودخل المدينة العاصمة دخول السيد المدينة المقدسة. وبعد حين، عادت الإمبراطورة تسعى لترحيله، فخاطبها بشجاعة قائلاً: "أنا لا أخاف الموت.. إن واجبي سأتممه عل أكمل وجه.. عليّ أن أعلن عن الخطيئة حيث تكون..". أمرته أولاً بالإقامة الجبرية ثم نفته. إنه كبولس الرسول تعرض، في سبيل شهادته للإيمان لعذابات متنوّعة(9) ، سُجن.. تعرّض للاغتيال.. جاع.. مرض.. ظلم.. تنقل بين المدن والمعتقلات.. وكان أينما يحل يلقى الترحاب‏‏ ‏ و‏يثير‏ ‏الإعجاب‏ ‏بقداسته.. ‏أنَّه،‏ ‏مع‏ ‏أتعابه‏ ‏وآلامه‏، كتب‏ ‏مرّةً‏ ‏في‏ ‏رسالة‏ ‏بعث‏ ‏بها‏ ‏إلى الشمّاسة أوليمبيا‏ ‏يعزّيها‏ ‏عن‏ ‏نفسه‏ ‏وهو‏ ‏في‏ ‏المنفى، ‏يقول‏: "إن‏ ‏قلبي‏ ‏يذوق‏ ‏فرحًا‏ ‏لا‏ ‏يوصف‏ ‏في‏ ‏الشدائد‏، ‏لأنّه‏ ‏يجد‏ ‏فيها‏ ‏كنزًا‏ ‏خفيًا‏. ‏فيجدر‏ ‏بك‏ ‏أن‏ ‏تفرحي‏ ‏معي‏، وتباركي‏ ‏الرب‏، ‏لأنه‏ ‏منحني‏ ‏نعمة‏ ‏التألّم‏ ‏من‏ ‏أجله"‏.‏ كما كتب إلى أحد الأساقفة معبرًا عن موقفه من تهديد ونفي الإمبراطورة له قائلاً: "عندما أخرجوني من المدينة لم أكن قلقًا بل قلت لنفسي: إذا كانت الإمبراطورة ترغب في نفيي فلتفعل، للرب الأرض بكمالها. إذا كانت ترغب في تقطيعي إرْبًا فحسبي أشعيا مثلاً. إذا كانت ترغب في رميي في المحيط فلي يونان النبي. إذا أُلقيْتُ في النار فالفتية الثلاثة لاقوا المصير عينه. ولو أُلقيْتُ للوحوش ذكرت دانيال. إذا كانت ترغب في رجمي بالحجارة فاستفانوس، أول الشهداء، ماثل أمام عيني. عُريانًا خرجت من بطن أمي وعُريانًا أترك العالم. وبولس الرسول يُذكّرني: لو كنت بعد أُرضي الناس لم أكن عبدًا للمسيح".

مات أخيراً سنة 407 في المنفى عن عمر الثمانية والخمسين عاماً تقريباً، وهو يردّد آخر كلماته: "المجد لله على كل شيء".