عرض مشاركة واحدة
قديم 02-17-2012, 06:47 PM
المشاركة 265
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
غائب طعمة فرمان.. المنفى والغربة علّماه أن يحبّ وطنه أكثر؟!..
بصمت لا يليق برجل مثل الأديب والمترجم العراقي غائب طعمة فرمان (1927-1990) مرّت الذكرى العشرون لوفاة مؤسس الرواية العراقية، تماماً كما كان نجيب محفوظ مؤسسها في مصر، وحنا مينة رائدها في سورية..
© "أنباء موسكو"19:25 | 2010 / 09 / 24
"أنباء موسكو" - كريم راشد
وهذا الصمت ربما يكون نتيجةً منطقيةً للإهمال الذي ناله أديبنا الراحل في حياته، وفي مماته، رغم إنجازاته الكبيرة في الرواية والترجمة الأدبية..
ينتمي الراحل إلى جيل من الأدباء العراقيين الذين تفتحت مداركهم على الحياة والأدب إبّان، وبعد، الحرب العالمية الثانية، كبدر شاكر السياب، عبد الوهاب البياتي، فؤاد التكرلي، نازك الملائكة وغيرهم ممن غيروا في بنية الرواية والشعر العربيين بعدما تشربوا بمناهل التراثين العربي والغربي ليقدموا أدباً رفيع المستوى، وقابلاً للصمود أمام مصفاة الزمن التي لا تعترف إلا بما هو نفيس حقاً.. وهذه الفترة التي نتحدث عنها هي زمان العراق الجميل، زمن خمسينيات القرن الماضي، حين كان شعار المثقفين العرب، والناشرين أيضاً، "بيروت والقاهرة تطبعان والعراقيون يقرؤون". وعن هذه الفترة كتب أديبنا قائلاً: "أنا من الجيل الذي فتح عينيه والحرب العالمية قائمة بكل ما تحمله من مدلولات، النضال ضد الفاشية والتطلع إلى جلاء الجيوش من بلاده، والاستفادة من الانفتاح العام وفتح نوافذ ثقافية على كل الاتجاهات للنهل منها".
هجران الشعر
رغم أن بداية حياته الأدبية كانت من خلال كتابة الشعر -وقد نشر فعلاً قصائد متميزة في الدوريات العربية والعراقية- إلا أن لا أحد يعرف بالضبط لماذا اتجه فجأة إلى كتابة القصة القصيرة، وتالياً الرواية التي برع فيها كثيراً.. وبظني أن السبب الرئيس لحدوث هذا الأمر يكمن في ذهابه إلى القاهرة لدراسة الأدب الإنكليزي هناك، ومعلوم أن قاهرة أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي أنجبت كتاب رواية ومسرح وقصة قصيرة كثراً لكنها لم تنجب إلا عدداً قليلاً من الشعراء.. ويذهب بعض دارسي أدبه إلى أن اتجاهه إلى القصة والرواية يعود إلى تتلمذه على يد الأديب نجيب محفوظ فترة طويلة عندما كان يدرس في القاهرة خلال سنوات شبابه.. ولعل في مزاولته لمهنة الصحافة في مصر، وتالياً في العراق، يكمن سبب آخر، ذلك أن الصحافة هي عدوة الشعر الذي يتخذ من الخيال والمشاعر أجنحةً له بينما نقيضه الصحافة تعنى بالحقيقة وبالأرقام والتحليلات المنطقية.. وعن سبب دخوله عالم الصحافة صرح أديبنا ذات مرة: "لا بأس في العمل الصحفي في مطلع حياة الأديب كما يقول أرنست همنغواي"، ولكنه يعترف أيضاً أن العمل الصحفي مقتصر على الكتابة ونقطة التقاء بالحياة المعاشة. ورغم ذلك كان يراه محفزاً له شرط إلا ينهمك الأديب ويستنفذ كل طاقاته.
حمل وطنه في منفاه
إذا أضفنا سنوات دراسة أديبنا في مصر (أربع سنوات) إلى 33 سنة قضاها في منفاه الروسي فإننا نرى أنه أمضى أكثر من نصف عمره في المنفى، وأن حياته كانت سفراً بلا نهاية في مدن غريبة عن بغداد التي عشقها وظل محروماً من العودة إليها.. يقول فرمان في وصف غربته: "الغربة بالنسبة لي كانت حباً وشوقاً إلى وطني، وكانت امتحاناً قاسياً للوطنية عندي". وفي مقابلة أخرى يعترف أديبنا (أنا في الغربة يعجبني أن أكتب عن بغداد، وأجواء بغداد، ربما يكون ذلك سلاحاً ضد الذوبان والضياع، نوعاً من الدفاع عن النفس والمغامرة والاتصال الروحي بالوطن.. الوطن الذي كلما أُوغل في البعد عنه أزداد تعلقاً به". وعن هذا كتب صديقه الأديب الراحل سعيد حورانية الذي شاركه منفاه الروسي: "لم يحمل مغترب وطنه كهمٍّ يومي، وحنين دائم، كما حمل غائب وطنه العراق، وإنه لمن المدهش أن يكتب غائب جميع رواياته بدءاً من (النخلة والجيران) وانتهاءً بروايته (المركب) باستثناء (المرتجى والمؤجل) عن مدينته بغداد، كأنه لا يزال يعيش بشوارعها وأزقتها ومحلاتها القديمة، ويتنفس هواءها، وهو في منفاه الروسي البعيد منذ عقود".
ويلاحظ قارئ رواياته أن مناخات الغربة والحنين إلى العراق والعودة إلى الجذور تخيم على رواياته الثماني التي نشرها في حياته.. وعن هذا كتب الأديب الراحل عبد الرحمن منيف الذي عانى كغائب طعمة فرمان من الغربة والحرمان من جواز السفر والجنسية لسنوات طويلة: "هذا البغدادي الذي يحمل بغداده معه أينما ذهب ولا يتعب من النظر إليها كما ينظر الطفل إلى لعبته هو بحاجة إلى رائحة بغداد وشمسها، وكلما أوغل في البعد عن وطنه استحضره في أدبه بقوة لا تضاهى، وهو لا يستطيع منها فراراً، فقد صارت جزءاً من ضميره، وذاكرته ولا مهرب منها ولا منجى وعزاؤه هو أن من لا ذكريات له لا ذاكرة له".
ومن شدة حضور بغداد في رواياته يعتقد بعض النقاد عدم وجود كاتب عراقي كتب عن هذه المدينة كما فعل صاحب "آلام السيد معروف" و"النخلة والجيران"، ويرون أنه كتب من الداخل في جميع الفصول وفي كل الأوقات، كما أنه يكتب تاريخاً لحياة ناسها الذين صاروا ذكريات بالنسبة له، لا يستطيع رؤيتهم إلا من خلال سيرته معهم، سيرة عكست مراحل مضطربة من تاريخ العراق المعاصر، إلى درجة أننا إذا أردنا أن نعود للتعرف على عراق أواخر الأربعينيات والخمسينيات لا بدَّ أن نعود إلى ما كتبه أديبنا..
وعدا عن انشغالاته في كتابة الرواية والقصص القصيرة فقد قام الراحل بترجمة ما يزيد عن مئة كتاب عن اللغة الروسية، ومنها عيون الأدب الروسي، ليصبح واحداً من أساطين العرب الذين ترجموا الأدب الروسي إلى العربية، وصاحب فضل كبير في تعريف القارئ العربي بتجارب أدبية لم تتوفر له بالعربية من قبل..