الموضوع: وليم شكسبير
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-22-2010, 12:54 PM
المشاركة 8
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مأساة "الملك لير" 1605‏

موضوع المأساة هو علاقة الآباء بالأبناء والعكس، ولكن هنا علاقة الملك لير ببناته البنت الكبرى: جونريل، البنت الوسطى ريغان، البنت الصغرى كورديليا.‏

يشعر الملك لير بتقدمه في السن فيقرر تقسيم أملاكه بين بناته الثلاث، فيعطي الكبرى حصتها وتشكره، وكذلك الوسطى، أما الصغرى والتي كانت ما زالت عازبة، فلم تكذب كما كذبت أختاها، ولم تقل لـه الكلام الذي أراده، ولذلك يقول لها أبوها "أتبرأ من نسبي وقرابتي لك" (18) ولذلك فهو يعطي حصتها لأختيها، ويتنازل عن الحكم والسلطة ويحتفظ بلقب الملك وبمئة فارس.‏

ويصرح الملك لير بأنه حرم ابنته الصغرى من الورثة، فيستغرب ملك فرنسا وهو أحد خطابها ويظن أنها فعلت شيئاً معيباً، ولكنها دافعت عن نفسها وقالت بأنها لم تفعل شيئاً معيباً، كلّ ما هناك أنها لم تكذب، ويقبل بها ملك فرنسا لأنه يريدها لذاتها ولا يريدها لثروتها ويتزوجها وتقول البنت الصغرى واسمها كورديليا: "ستظهر الأيام ما يخفيه المكر والرياء، فأولئك الذين يخفون الخبث واللؤم سيفضح أمرهم في نهاية الأمر" (19) ويحذر أحد النبلاء واسمه (كنت) من مغبة توزيع الملك لممتلكاته على ابنتيه، فيطرده الملك، ولكن هذا النبيل يعود متخفياً.‏

ويروي شكسبير في المأساة حكاية أسرة أخرى هي أسرة غلوستر، وله ابنان أحدهما شرعي والآخر غير شرعي، واسمه إدموند، ولا يحق للابن اللاشرعي أن يرث شيئاً عن أبيه غلوستر، ولذلك يحاول أدموند أن يحصل على الورثة بالطرق الخبيثة، مستغلاً أن أباه "أبله يصدق كل شيء" (20).‏

أما بالنسبة للملك لير فتبدأ ابنتاه بمضايقته، وتقول لـه الكبرى إن حاشيته سيئة الأخلاق وعددها كبير، لا بد من تقليص العدد، فيلعنها ويرحل إلى أختها، التي لم تكن أفضل من أختها الكبرى، ويحذره البهلول ويقول لـه إنه أخطأ عندما وزع ممتلكاته على بناته.‏

فتقول لـه البنت الوسطى إنّ أختها الكبرى على حق فلا حاجة لـه إلى هذه الحاشية الكبيرة، يكفيه خمسون فارساً لا بل خمسة وعشرون ولا حاجة لـه أبداً إلى الحاشية، فخدمها سيخدمونه وتطلب منه أن يعود إلى أختها الكبرى ليكمل شهره عندها، وبعد ذلك سيقضي شهراً عند الوسطى ويعود بعد ذلك إلى الكبرى، لأنّ الأختين كانتا قد اتفقتا على أن يقضي الملك لير عند كل واحدة شهراً بالتناوب. فيرحل عنها بعد أن يلعنها في جو ماطر عاصف.‏

وكانت ابنتاه تتمنيان لـه الموت، ويفقد الملك لير عقله، وتقتلع ابنتاه عيني رجل اسمه غلوستر لأنه أدانهما ووقف ضد فعلتهما، وكان ابنه اللاشرعي قد أبلغهما أنّ أباه خائن ولا يخلص ودهما، وقتل زوج البنت الوسطى واسمه الدوق كورنوول بيد خادمه، وتتنافس الأختان على حبّ إدموند الوسطى أصبحت أرملة فتريده زوجاً، والكبرى لا تحبّ زوجها وتقيم معه علاقة سرية.‏

ويهجم ملك فرنسا على الجيش البريطاني وينتصر الجيش البريطاني وتقع البنت الصغرى زوجة ملك فرنسا واسمها كورديليا في الأسر مع أبيها الملك لير.‏

وتوافق ريغان على الزواج من إدموند، وتسممها الأخت الكبرى، وتقتل الكبرى نفسها بعد ذلك، ووقع إدموند صريعاً على يد أخيه إدغار وكان إدموند قد طلب شنق كورديليا، والإدعاء بأنّها شنقت نفسها، وبالفعل شنقوها في السجن (21).‏

لم يكن هذا الموضوع جديداً في الأدب ولا في الشرائع الأرضية والسماوية فكلها تتحدث عن علاقة الآباء بالأبناء، وبعد شكسبير كتب تورغينيف (1818 ـ 1883) رواية بعنوان "الآباء والبنون" وكذلك ميخائيل نعيمة (1889 ـ 1988) كتب مسرحية حملت العنوان ذاته عام 1917 عندما كان في أمريكا.‏

إنّ موضوع الأخوة الثلاثة أو الأخوات الثلاث معروف في الأساطير والحكايات الشعبية، وعادة تكون الأخت الصغرى هي على حق كما حدث في مأساة "الملك لير".‏

يموت في هذه المأساة الملك لير وبناته الثلاث، ويقتل إدموند الخبيث، تجري بعض أحداث المأساة في البراري، حيث الوحوش الضارية، فلقد لا نستطيع التفريق بين الإنسان والوحش، فما هو الفرق بين ابنة تطرد أباها في ليلة عاصفة وبين الوحش، وما هو ذنب والدها، وما هو الإثم الذي اقترفه الملك لير؟‏

إنّ الإثم الوحيد الذي اقترفه الملك لير هو التفريط بحقوقه، وعدم قدرته على معرفة نوايا ابنتيه، وبالتالي فلقد انتقل من حالة القوة إلى حالة الضعف فأصبح لا يملك شيئاً، وفقد عقله.‏

وهناك مهرج في المأساة نشعر أحياناً أنّ أقواله صائبة وصحيحة إذ أصبحت أحوال الملك لير تشبه أحوال البهلول أو المهرج. تنازل الملك لير عن أملاكه، ولكنه لم يتنازل عن كرامته (22) فقد كليهما معاً، بما في ذلك عقله، لأنّ المفاجأة صعقته، لم يتوقع أن جشع ابنتيه سيبتلعه، تجسد المأساة شكلاً من أشكال الفساد، فساد الابنة تجاه أبيها، وبهذا فهي تلتقي مع مأساة "هاملت" حيث يلدغ الأخ أخاه والزوجة زوجها، هنا تلدغ الابنة أباها الطيب، الملك لير شيخ متقدم في السن، يعرف ابنتيه، فتوقع أنّ من يكرم الآخر ملكه، ولكن الآخر هنا تمرد ولسع، ومأساة الملك".. من سذاجته وإفراطه في الطيبة الذي بلغ حد الحماقة، فجر الكوارث على نفسه وعلى غيره" (23).‏