الموضوع: القربــــــان
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
5

المشاهدات
3492
 
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي

طارق الأحمدي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
853

+التقييم
0.14

تاريخ التسجيل
Apr 2007

الاقامة

رقم العضوية
3325
11-14-2010, 09:22 PM
المشاركة 1
11-14-2010, 09:22 PM
المشاركة 1
افتراضي القربــــــان
انتفض عامر من غفوته مذعورا, مستعوذا والعرق يتصبّب من جبينه. نظر حواليه ففوجىء بالهادي أمامه يبتسم.
- ما دمت تخاف فأولى لك أن تهجر الداموس*.
بدا عامر أقرب إلى الخجل منه إلى الغضب.
قال:
- مثلنا لا يخاف. ولكنّك أيقظتني بعنف وقسوة, حتى أني حسبت الجبل انشقّ وابتلعني.
سخر منه رفيقه أول مرة, ثم شجّعه على الحديث, فقال.
- إني قلق. فقد رأيت حلما أزعجني.
بدا الهادي متلهّفا وكأنّ الأمر يعنيه.
- خير. خير إن شاء الله, ماذا رأيت؟
- رأيتني وكأني أرمّم جدار الغرفة المشقّق.وكلّ ما أحسب أنني أتممت, حتى يسقط كل ما فعلته ويزيد الجدار اتساعا وعمقا. وكلّما حاولت من جديد إلاّ وازداد الشّرخ عمقا. ولما يئست ركلت الجدار بكل قوتي..
توقّف عن الكلام.ابتلع ريقه ومسح بعض قطرات عرق سالت فجأة, فشجّعه الهادي على المتابعة, وسأله في دهاء.
- وما كدت تركل الشرخ حتى التأم وكأن لم يكن شيئا.
قاطعه:
- لا. فقد سمعت أزيزا يخرج من الجدار, وأصواتا تصرخ وتستغيث. ورأيت أناسا يكسو الشعر أجسامهم, ولهم أنياب يتوكّؤون عليها,وأعين بحجم الرحى. والأمر الذي أخذ مني العقل, أن تلك المخلوقات كانت تضرب بسياط من الشوك زوجتي وأبنائي. وقد حاولت الذّود عنهم, فصفعتني قوّة خارقة صفعة ألقت بي في مكان مظلم لم أعرف منه سوى وحشته وضيقه.
صمت عامر, فانفرجت أسارير الهادي. واتسعت ابتسامته حتى تحوّلت قهقهة بانت لها أسنانه الصفراء.
- تحلم وتخاف.! ماذا لو...
لم يستطع مواصلة تعليقه فقد غلبه الضحك, الأمر الذي أغضب رفيقه فتركه وسار نحو الأمام وهو يردّد.
- ما أقساك. جاهل لا تقدّر المسائل.
واختفى في ظلمة الداموس*, فكفّ عن الضحك وندم لأنه لم يشاركه قلقه. فكّر في أن يلحقه ويعتذر منه.
ولكن الرجّة التي اهتزّ لها الجبل لم تترك له وقتا للاعتذار.
وانفطر قلبه لما سمع أحد العمال يصيح.
- انتهى عامر. دفنه الصّخر الذي سقط.
ثم أكّد آخر:
- لم يسمع تحذيرنا ومناداتنا عليه.
وقال ثالث:
- ابتلعه الجبل دون رحمة.

* الداموس : منجم الفوسفاط