عرض مشاركة واحدة
قديم 06-26-2012, 12:53 PM
المشاركة 19
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
شاعر النبوءات .... نزار قباني
شؤون ثقافية
الأحد 30/4/2006
ديب علي حسن

نزار قباني شاعر الحرائق,, شاعر النبوءات, وشاعر لكل الاجيال, وهو فوق هذا وذاك علامة بارزة في تاريخ الشعر العربي, له خصوصيته في حياته وشعره , في حله وترحله, وهو شاعر الدهشة الجميلة, شاعر يفاجئك بالبساطة المشغولة عبر آلافالمحاولات من الاضافة والحذف والصقل لتبدو لفظا نورانيا يشع معنىً ومبنىً.

في كتابه الجميل ( قصتي مع الشعر) كتب نزار قباني انه من اسرة تمتهن العشق, ويوم دفنت اخته وعادوافي اليوم الثاني ليزوروا قبرها وجدوا وردة مكان القبر..‏

‏والغريب فيالامر ان نزاراً لم يقل انه سوف يضيف الى مهنة الاسرة مهنة جديدة تؤسس على يديه, وعلى ما يبدو انها انتهت برحيله وهي مهنة لا تورث ولا تنقل من جيل لآخر, بل ربماتمر قرون وقرون حتى يأتي من يرث المهنة الاسمى, مهنة المبدع الرائي, كان حريا بنزارقباني ان يقول وبكل ثقة : انه شاعر نبوءة, صحيح ان نزاراً غسل قلوبنا ولغتنا بماءالعشق الدمشقي, وعطر رسائل اشواقنا بياسمين كلماته لكنه بامتياز شاعر نبوءة, لأنهشاعر جماهيري لأنه راء لأنه رائد والرائد يصدق اهله ...‏

شاعر امتلك النبوءة التي نعيشها, بسط امامنا صفحات مقروءة بعيني زرقاء اليمامة, وها هي رؤاه على الارض حية نابضة وتتراقص امامنا, تمشي على جراحنا, تبكي البياض الذي فاض صراخا ولكن ليس ثمة من يسمع.‏

في أتون الحياة..‏
نزار قباني شاعرالحب لأنه شاعر الحياة ,والحياة بتلونها , بجمالها, بمرارتها بكل ما فيها كانت مدرسة نزار قباني, هذه صفحة عشق في يومياته, وتلك صفحة معارك ادبية وسياسية اشعل نزارقباني حرائق في عالم الادب والفكر, كسر المألوف, لكن حرائقه وقودها العطر الدمشقي, هي حرائق لا تطفأ لأن مدادها ابداع وحوار من لا يتذكر حواره او جدله, او لنقل معركته مع مارون عبود الناقد الادبي الذي قال لنزار: ان النثر مشيٌ والرقص شعر, فارقص لنصفق لك, ورد نزار بمقال جميل وممتع, وختمه قائلا: سنقول للاجيال اننا كتبنا شعراً في عصر مارون عبود..‏

الشاعر صفارة الإنذار..‏
وحين كتب الشاعرالراحل قصيدته ( المهرولون) علق عليها نجيب محفوظ واشار الى انها اعجبته شعرياً, ولم تعجبه ايديولوجيا وموقفا رد نزار قباني قائلا: الاستاذ نجيب محفوظ انسان رقيق كنسمة الصيف وحريري في صياغة كلماته, ورسولي في سلوكه على الورق, وسلوكه في الحياة,انه رجل اللاعنف الذي يمسك العصا من وسطها ولا يسمح لنفسه بأن يجرح حمامة او يدوس على نملة او يغامر او يسافر او يغادر زاويته التاريخية في حي سيدنا الحسين .. الشاعر في بلادنا هو ( صفارة انذار) تنطلق في ساعات الخطر وتطلب من الناس ان ينزلواالى الملاجئ الشاعر في تاريخنا هو ( زرقاء اليمامة) التي حذرت قومها من الخطر ربما كنت في قصيدتي حاداً وخارجا ومتوحش الكلمات وربما جرحت عذرية كاتبنا الكبير وكسرت زجاج نفسه الشفافة..‏

ماذا افعل اذاكانت الرواية عنده جلسة ثقافية هادئة في (مقهى الفيشاوي) وكانت القصيدة عندي هجمة انتحارية على القبح والانحطاط والظلام والتلوث السياسي والقومي..?!‏

يلاحظ المتابع لهذه الصولة الادبية انها تحمل روح الشاعر المتمرد الذي لم تستطع السنون ان تنزل عمن على صهوة حصانه الجامح, نزار قباني العروبي الذي حمل في دمه وشرايينه الوطنبآماله وآلامه في حله وترحاله لم يستطع ان يكون شاهد زور على مآسينا فكان رده منسجما مع رؤاه السياسية وقد اثبتت الوقائع صدق ما ذهب اليه نزار قباني وما حذر منه ,‏

بين نزار قباني وعبد الناصر‏
يتحدث يوسف القعيد في كتابه ( محمد حسنين هيكل يتذكر ) يتحدث عن علاقة نزار قباني مع الرئيس جمال عبد الناصر وذلك عبر ذاكرة محمد حسنين هيكل, ويروي هيكل ان عبد الناصر كان يقرأ اشعار نزار باستمرار ويشير هيكل الى انه في عام 1958م و بعد ان قامت الوحدة بين سورية ومصر كان نزار قباني ملحقا في السفارة في بكين, وحسب هيكل كان يولولوارسل خطابا من بكين يشكو فيه وضعه ويتمنى على هيكل ان يسعى من اجل نقله كلم هيك لجمال عبد الناصر وسأله : اين هو ? فقال: في بكين فأمر جمال عبد الناصر بنقله الى اسبانيا التي اختارها له وقال: هناك في الاندلس سوف يجد الشاعر الاموي نفسه , ونفذت التوصية وذهب نزار فعلا الى الاندلس وحكاية نزار قباني مع جمال عبد الناصر لا تنتهي هنا بل تستمر وتتفاعل بعد هزيمة حزيران 1967 والقصة معروفة وحين رحل عبد الناصر كتب نزار قباني قصيدته الشهيرة ( قتلناك يا اخر الانبياء..)‏

شيء من النثروكثير من النبوءات..‏
في كتابه زمن الشعر يرى ادونيس ان الشعر رؤيا, والرؤيا قفز خارج حدود الزمان والمكان, ولا ادري ان كان بامكاننا ان نسحب ذلك على الشاعر الذي يبدع نثرا يضاهي الشعر رونقا وطلاوة ويجعلنا نؤمن ان الجمال الفني يقدم نفسه حيث كان في الشعر ام في النثر.‏

نزار قباني الذي تحدث عن مهمة الشاعر في ان يكون زرقاء اليمامة فعل الشيء ذاته, ففي كتابه ( شيء من النثر) تبدو معالم الغد الذي تحدث عنه قارئا ملامحه من الواقع, تبدو هذه المعالم, وهي معالم سياسية, تبدو اليوم وكأنها كانت صفحة مفتوحة لدى شاعرنا واذا كان المجال لا يتسع لعرض الكثير من هذه الوقائع فإننا نقف عند اكثرها سخونة وقربا وحقيقة.‏
إنهم يقتلوننا بالوكالة..‏
يقول نزار قباني تحت العنوان السابق : ( اميركا تريد ان يبقى العرب جنينا متخلفا عقليا حضارياً وتقنياً وقومياً, بحيث لا يستطيعون على المدى المنظور ان يشكلوا خطراً على استراتيجيتها النفطية ونفوذها الاقتصادي والسياسي في هذه المنطقة التي تجلس على نصف موارد الطاقة في العالم.. تصورنا ان النفط سيشفع لنا لديها.... ولكنها امتصت نفطنا كالعلقة واستمرت تضربنا تصورنا ان الارصدة الضخمة التي اودعناها لديها لتشارك فيدعم اقتصادها سوف تثير في نفسها مشاعر الحنان والمجاملة ولكنها احتفظت بارصدتنا ولمتتوقف عن ضربنا.. لماذا لا نذهب الى الولايات المتحدة الاميريكة, ونرجوها ان تعلن علينا الحرب, لأننا سئمنا من الحرب مع وكيلها الدائم في الشرق الاوسط..‏

ابنتنا الجميلة..‏
كتب نزار قباني محذرا من الذين يرون ان اسرائيل هي الملاذ وحذر من الذين يمكن ان يتحالفوا مع الشيطان يقول نزار : ( الوطنية اللبنانية هي ابنتنا الجميلة التي ربيناها شبرا شبراوسهرنا عليها عمرا وسقيناها ماء العين, ودم القلب حتى صارت عروسا, ستتعرض العروس لكثير من الاغراءات والمضايقات وسيقف على بابها ألوف الخطاب ولكنني اراهنكم انالعروس لن تتزوج الجنرال لن تتزوج الجنرال!! لن تتزوج الجنرال..!‏

أيها السادةالمنفوشون كالديوك..‏
وفي مكان اخر يكتب قائلا: كلام كثير قيل في الحضور السوري في لبنان قليله تميز بالعدل والانصاف.. وكثيره تميز بالظلم والاجحاف ولم يعط شيئا لا لله.. ولا لقيصر.. وهذا شيء غيرمستغرب .. لبنان لا يزال يبحث عن نفسه ولكنه بكل اسف لن يجدها لا لأن الحقيقة غيرموجودة ولكن لأنه لا يريد ان يراها.. ان لبنان هو اول مريض في التاريخ يرفض العلاج ويقاوم طبيبه ويشتم الممرضات والزوار الاهل والجيران لأنهم ارادوا ان يساعدوه ويطمئنوا عليه.. فيا ايها السادة المنفوشون كالديوك في سياراتكم الفارهة ويا ايتها السيدات المطمورات كالقطط التركية تحت معاطف المينك.. لا تؤاخذوا الجنود السوريين اذا قصروا في خدمتكم .. فهم لم يدرسوا في الكلية العسكرية بحمص اصول التدبيرالمنزلي..‏

شاعر لكل الأجيال..‏
نزار قباني الشاعر الذي قد لا يتكرر, بل ومتى كان المبدعون يتكررون في ذكرى رحيله هو الاكثر حضورا والاكثر قدرة على الفرز بين ما هو انساني وجميل وبين ما هو زائف والزائف مصيره ان يكون زبداً واوراقا صفراء تذروها الريح في قادمات الليالي..‏