الموضوع: كشكول منابر
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-20-2019, 08:12 AM
المشاركة 2130
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: ( مليون رد ) ك ش ك و ل = م ن ا ب ر

(2)
والدين نفسه لم يسلم من آثار هذا العهد، فقد نادى المنادون بضرورة التجديد، واستمسك القدامى بمبادئهم، فظهر على مسرح الحياة رجل الإصلاح جمال الدين ينادي بمبادئه التي تجعل الدين صالحاً لكل زمان ومكان. خشية أن يتقول المتقولون: إنه قد مضت أيامه وانتهى برهانه وقد حدث مثل هذا في السياسة والحضارة وقد تجد تصويره فيما كتب علي مبارك ومحمد المويلحي. وخليق بنا أن نذكر أن الوعي الاجتماعي والقومي قد بدت مظاهره واضحة جلية في النصف الثاني من هذا القرن فقد شعر الناس بمطالب المجتمع وأدركوا واجباته فهبوا يصلحون من أمره ويقومون من معوجه: فها هي ذي الأندية العلمية والأدبية، وها هي ذي جماعات الطباعة تلبي مآرب الناس بإبراز التراث العربي القديم ونشر العلم الحديث، وها هي ذي الشعوب تنادي باشتراكها في الحكم وإدارة البلاد، حتى لقد تحقق لهم بعض ما أرادوا في فترات من الزمان على يد (مدحت باشا) في الشام والعراق، وعلى يد (إسماعيل باشا) في مصر.

والأدب في جميع أحواله مرآة تعكس الأحداث، وصحيفة تسجل مواكب الحياة، إذا منح أهله الصدق فيما يقولون، ويسرت لهم المطالب التي تهي لهم القدرة على التصوير والتسجيل، بل هو خفقات النفس وخلجات الفؤاد ومشاعر المجتمع وآماله يذيع بها الموهوبون وينطق بها الأدباء المحسنون.

فهل - يا ترى - تضطرب الحياة ولا يضطرب؟ وتسير الأمور ويجمد؟ إن من يستقصى الأحداث في إعصار الزمن ويتتبع حياة الأدب في هذه الأحداث، يجد ارتباطاً وثيقاً بينهما. وهكذا وجدنا أحوال الناس في القرن التاسع عشر تنعكس على مرآة الأدب فيبدو فيه التقليد والتجديد، والجمود والتوثب؛ حتى هيئ له آخر الأمر أن يثب وثبته المعروفة، فلم ينته هذا القرن إلا وهو في ثوب جديد يختلف عن ثوبه القديم كل الاختلاف.

وقد مر على الشعراء قبل القرن التاسع عشر قرون أصيبوا فيها بتبلد الذهن وجدب العاطفة، ونضوب القرائح لأمور كثيرة يرجع بعضها إلى تضاؤل الشخصية وكم الحرية وانحسار العلم واستبداد السلطان وكساد الأدب وغلبة الأعاجم، فصار الشعر بعامة لا يصور أمل النفس وحياة الجماعة ولا ينتشي لمظاهر الجمال ولا يهتف بالعاطفة الصادقة والإحساس الدقيق. وقد ظل الشعراء أمداً طويلاً في دائرة ضيقة من التقليد الضعيف لضعفاء الشعراء الذين سبقوهم، وانتقل الشعر إلى ضرب من العبث، لا يثير عاطفة ولا ينبه إحساساً، وصار إلى رياضة لفظية كثرت زينتها وفسد طبعها، فأصبح جسداً بلا روح وكلاماً خالياً من المعاني إلا في القليل الذي يجود به الزمن في أقسى أيامه وأشقى أحواله.