عرض مشاركة واحدة
قديم 10-10-2012, 02:39 AM
المشاركة 5
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الأخ الفاضل أيوب صابر .. والإخوة جميعا ..
هذه المرة ليس هناك حرج فى هذا المجال لأنه مجال علمى بحت ثابت وموثق بالتجارب العلمية
والأهم ..
ليس بالموضوع ما يخالف المعتقدات الإسلامية ــ عدا ملحوظة بسيطة سنقولها لاحقا ــ , بل على العكس , وكما هو شأن العلم التجريبي الصحيح نجد فيه ما يؤكد على إشارات القرآن الكريم ..
أقول هذا ابتداء قبل الدخول فى التفاصيل ..

والموضوع هذه المرة دقيق للغاية , والفاصل بينه وبين الخرافة خيط رفيع ..
ذلك أننا نتحدث عن بعض الظواهر الخارقة لمألوف الحياة , وقد درج الكثيرون على رفضها رفضا مطلقا مهما كانت ثابتة علميا , والرافضون ليسوا هم أصحاب الشريعة كما يتهمهم البعض , بل الرافضون منهم ملحدون لا يؤمنون بدين أصلا , فالقصة لا علاقة لها بالإيمان .. وإنما إنكار المنكرين مبنى على المذهب العقلانى هذا المذهب الفاسد الذى يدعى أصحابه أنهم يحكمون العقل بينما هم هم للجنون أقرب ..
ويدعون أنهم أصحاب المنطق الثبوتى بينما هم للعمى أقرب ..
ذلك أن مبدأ هذا المذهب قائم على قياس فاسد ويعتمد على أن الواقع أو الحقائق هى ما لمسناه بأيدينا أو استشعرناه ببصرنا , أو بتلخيص القول كل ما يمكن أن نستشعره بالحواس العادية ,
وهم بذلك أخرجوا الحياة عن سياقها وأنكروا ما لا سبيل لإنكاره ...
وأول الفساد كان فى إنكار الخالق , وهذا أحمق الحمق ولا شك إذ أنك لو أتيت بأغبي أهل الأرض وسألته من صاحب هذا الكون وهذه المخلوقات , فلا يتصور أن يجيبك بأنه غير الله تعالى ..
وهم يريدون رؤية الله جهرة ! حتى يؤمنوا به , بينما لو أنهم يتسمون بالعقل فعلا كما يدعون لأدركوا أن العكس هو الصحيح ..
ولو أن الله عز وجل لو كان فى إمكان الحواس الظاهرة إدراكه واحتواء حقيقته لما كان جديرا بالعبادة ..
ذلك أن الإنسان رغم التقدم العلمى الهائل يعجز حتى اليوم عن إدراك حقيقة بعض مخلوقات الله , كالروح مثلا وكالسماوات وألغاز الأرض وعميق محيطاتها ,
فإن كان الإنسان عاجزا عن إدراك بعض مخلوقات الله فكيف يمكن أن يدرك خالقها ؟!

القصد ..
الثابت علميا أن هناك حقائق عديدة كشفتها العلوم الكسبية الحديثة تتعلق بالأرض والكون وبالإنسان , هذه الحقائق رآها وعاينها العلماء بلا شك , ولكنهم وقفوا عاجزين أمام تفسير ظواهرها تفسيرا علميا ..
وليس معنى العجز عن التفسير أن الحقيقة غير موجودة .. بل معناه أننا لم نبلغ بعد من العلم ما يؤهلنا لفهم هذه الظواهر الخارقة ..
بعض هذه الحقائق تمكن العلماء من سبر أغوارها لكن الأغلب الأعم منها لا زال لغزا كبيرا ..
من ذلك منطقة برمودا فى المحيط الأطنلطنى , وحادثة انفجار سيبريا فى بداية القرن العشرين , وحوادث الإختفاء الغامض والظهور الغامض , والأطباق الطائرة , وحوداث الأمطار العجيبة , ورسومات كهوف تاسيلي , وبوابة الشمس , والهرم الأكبر
وغير ذلك عشرات الخوارق فى العالم درسها العلماء ولا يزالون يدرسونها وخرجت فيها عشرات النظريات دون أن يفلح العلماء فى نظرية قاطعة تفسر غموضها ..

ومنها أيضا خوارق الإنسان ــ وهى موضوع كاتبنا اليوم ــ وسبحان القائل
[وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ] {الذاريات:21}
الآية الكريمة تحمل استنكارا رهيبا على البشر , وتدعوهم أن يتأملوا فى أنفسهم ــ ليس فى المخلوقات الأخرى ولا الكون وحده ـــ بل فى أنفسنا ..
وهذا معناه أن الإعجاز الموجود فى خلق الإنسان سيظل إلى يوم الدين مدعاة للتبصر وإدراك واكتشاف عشرات الخوارق فيه ولن تنفذ أعاجيبه لأن الله عز وجل فى الآية الكريمة استخدم الفعل المضارع الذى يفيد التجدد ..
والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصي ..
ولو أننا أمسكنا بالمخ وحده فلن نوفي ألغازه , وكما يقول جراح الأعصاب العالمى الراحل خيري السمرة :
( إننا تمكنا من اكتشاف وظائف كافة أجزاء المخ عدا الفص الأمامى وعدا الجسم الصنوبري , والذى يستمع إلى ذلك يظن أننا استوفينا البحث فيه , ولكن العلم يقول بغير ذلك فرغم كل هذه الإكتشافات إلا أننا نوقن أننا لم نعرف عن وظائف المخ وقدراته إلا مقدار عشرة بالمائة فحسب والباقي ألغاز مجهولة )
وقد أفرد الدكتور مصطفي محمود عدة حلقات من برنامجه الشهير ( العلم والإيمان ) عن المخ , وهى حلقات تستحق من كل قارئ أن يشاهدها , ليعرف أسرار ما وراء الطبيعة فى قدرات المخ والتى تعتبر أسرارا علمية بلا أدنى تفسير حتى يومنا هذا , وهى قدرات أثبتها العلماء معمليا وتركوها للباحثين يحاولون تفسيرها ..
مثال ذلك الإندروفينات مثلا , وقدرة المخ على التواصل عن بعد فى حالات معينة , والأهم قدرة المخ على استشعار الخطر .. وغيرها ..
بل إن العلماء لا زالوا حتى يومنا هذا يضربون أخماسا فى أسداد لفهم لغز ( النوم ) فلم يفلحوا .. !!
فالنوم والذى يظن الناس أنه ظاهرة طبيعية لتعويض الطاقة , أثبت العلماء أنه لا علاقة بين النوم وزيادة أو نقص النشاط الجسمانى وأن الجسم يستطيع التخلى عن النوم والبقاء فى قمة التوافق العصبي لمدد تزيد على الشهر , ولا تتأثر وظائف المخ بذلك ولكن الذى يتأثر فى الجسم لا زال أمرا غامضا .. فرغم بقاء الإنسان المتيقظ على نشاطه إلا أن هناك تأثيرا سلبيا عليه لو فقد النوم لا يعرفه العلماء ولا زالوا يبحثون فيه ..
وللقارئ الكريم مطالعة بعض البحوث المترجمة فى هذه الخوارق فى سلسلة شهيرة للباحث راجى عنايت بعنوان ( أغرب من الخيال ) وميزة السلسلة أنها مرجعية ولا تنقل إلا ما سجلته المجامع العلمية فحسب ..

وكاتب المقال هنا يتحدث عن استغلال المخابرات الأمريكية لهذه الظواهر فوق الطبيعية ,
والحقيقة أن المخابرات السوفيتية هى التى كان لها السبق فى هذا المجال , عندما استغلت أكبر علماء المخ والأعصاب بافلوف وآنوكى , فى تجارب بشعة حقيقة , للاستفادة الحربية من أسرار المخ البشري فى عمليات التجسس وغيرها ...
ومن تلك الظواهر هذه الظاهرة التى يتحدث عنها كاتب المقال والتى يسميها البعض خطأ باستشراف الغيب أو ما يشابه معرفة الطالع والأحداث !

وهذا خلط كبير ينبغي التفرقة فيه بين عدة أشياء ..
أولها : علم الغيب المطلق هذا لله وحده , ومن ارتضي من رسله , على سبيل الإستثناء الذى يؤكد القاعدة , وهذه عقيدة لا خلاف فيها ولا إنكار ..
ثانيها : معرفة الأحداث الغائبة ــ وليست الغيبية ـــ هى جائزة عن طريق الشياطين , وقد كان المنجمون والكهان فى الجاهلية يستعينون بالجن فى معرفة الغائب عن طريق التسمع على السماوات , وهو الأمر الذى كانت الشياطين تتمكن منه قبل الإسلام , ثم أغلق الله عز وجل هذا الباب عليهم فكل شيطان يحاول التسمع يتبعه شهاب يحرقه .. لقوله تعالى ..
[وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا] {الجنّ:9}
والآية واضحة فى إثبات قدرة الجن السابقة على ذلك والتسمع على أخبار السماء فيلقونها إلى أوليائهم من البشر فيضيفون عليها ويحذفون كما تقول كتب السير ..
وهكذا يثبت القرآن هذه الحقيقة ونسخها بالإسلام ,
لكن مع ملحوظة مهمة
وهى أن قدرات الجن ف هذا المجال إنما انتهت عند أخبار السماء , أما أخبار الأرض فلا , ولهذا فالمنجمون اليوم ومن يتعاملون بالسحر ــ بغض النظر عن الدجالين طبعا ـــ يخبرون معاشريهم بأخبار المتعاملين معهم , وهذا ما قرره القرآن الكريم بقوله :
[وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ] {الأنعام:121}
وقد نهانا الإسلام عن السحر والكهانة , ولولا أن هذا الأمر هو فى حدود الممكن لما نهى الله تعالى عنه ,
وهذا ما يفسر لنا قدرة بعض مخاريق الصوفية على إخبار أتباعهم بأحوالهم الخاصة ..
وليس فى أخبار الشياطين عن أهل الأرض أى غيب ,
فينبغي لنا التفرقة بين الغيب , وبين غائب الأخبار , فالأول هو المحال المطلق , والثانى هو الممكن , ولهذا يستطيع السحرة والكهان إخبار الشخص بواقعه أو بحوادث خافية عنه لكنهم يعجزون قطعا عن إخباره بمصيره مثلا أو بخبر مستقبلي إلا أن يكون هذا من قبيل الرجم بالغيب وهو كذب بالإتفاق ..

وعليه هنا ننبه على خطأ الكاتب فى قوله :
ويحضرني فى هذا المجال قصة حقيقية توضح إلى أي مدى جهلالإنسان بكثير من الظواهر العلمية وإرجاعها إلى أمور السحر والجن الخ ليعرف بعد ذلكبوقت غير بعيد أصل تلك الظواهر بعد أن يكتشف أسبابها الحقيقية التي لم يكن يعرفهابعد.
فإنكار الجن وإنكار إمكانية اتصالهم بالإنس هو الجهل لأن هذه حقيقة قرآنية , وإنكار السحر أيضا هو من قبيل الجهل فحكم الساحر فى الإسلام هو القتل ردة , فكيف يكون هناك حكم فقهى ثابت على شيئ مستحيل !

ثالثا : الكاتب هنا أراد الحديث عن ظاهرة إدراك خارقة , فخلط بينها وبين ظواهر التنجيم ,
وهذه الحقيقة العلمية تتلخص فى الرؤي والإستشراف ورؤية أحداث انقضت مدتها أو ما شاكل ذلك ..
كالخواطر الذى تنزل بالمرء فجأة فتجده يتصرف على أساسها كما لو كانت حدثت فعلا , رغم بعده عنها , وهذه لها عشرات الحوادث التى يحاول العلماء تفسيرها ..
أما من الناحية التشريعية ,
فما يقوله الإسلام فى ذلك أن المؤمن من الممكن له أن يدرك بالحدس شيئا غائبا عنه , كما فى قوله عليه السلام
( إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم ) وهو حديث حسن ..
بالإضافة إلى وسيلة أخرى هى الأشهر فى هذا المجال , ألا وهى الرؤيا الصادقة , وقد تكون الرؤيا لشيئ واقع أو شيئ حدث وربما تكون أيضا لشيئ لم يحدث بعد ..
وقد تأتى الرؤيا صريحة واضحة , لا تحتاج التأويل , وقد تأتى أيضا بالإشارة ..
والتاريخ الإسلامى مليئ بهذه النماذج
لكن السؤال واللغز عن إمكانية تحقق هذا الأمر لغير المسلم , وهل تصدق رؤي غير المسلمين أحيانا , فهذه الله وحده يعلمها ..

رابعا : يتحدث الكاتب هنا عن التنبؤ كظاهرة خارقة واستغلال المخابرات لذلك ونقول أنه رغم إيماننا بخوارق الجسم البشري إلا أن الغرب توسع فى خذا الأمر فعبر حد العلم إلى حد الخرافة ..
وهناك نقطة إيضاح بنبغي للقارئ التوقف عندها وإدراكها تماما ..
وهى أن إدراك الإنسان ــ بقدرة خارقة أو وحى شيطان ــ لا يمكن أبدا أن يكون لشيئ فى المستقبل , وهذا محال إلا إذا كان الأمر عبر رؤيا منامية صحيحة التأويل
أما أن يكون هناك بشري قادر على معرفة حدث ما ــ مهما كان هينا ــ وهو لم يقع بعد فيقع كما قال , فهذا مستحيل ..
أما إدراك الإنسان لشيئ وقع فعلا , حتى لو كان غائبا عنه , فهذا هو ما يمكن تصديقه والتسليم به .. إن تم إثباته علميا ..

ولأن الشيئ بالشيئ يذكر ..
فحديث المخابرات أعادنى لذكرى إحدى عمليات المخابرات المصرية الناجحة قبيل حرب أكتوبر , حيث أنها استغلت إيمان الغرب بخرافات الأرواح والتنبؤ الخارق , فدفعت بأحد عملائها إلى إسرائيل وأوصلته إلى أحد جنرالات الجيش الإسرائيلي ممن كانوا يعيشون هذه الأوهام ويشغفون بها ,
وأوحى إليه الفتى عبر تمثيلية محبوكة أنه موهوب بقدرة التنبؤ الخارق واستغلوا ذلك أحسن استغلال للإيحاء للجنرال الشهير بما يريدون ..
والواقع أن الغرب ــ رغم عقليته العلمية التى لا تؤمن إلا بالتجارب ـــ إلا أن شطرا كبيرا من أهله يؤمنون بخرافات مضحكة حقيقة , تجعلنا نؤمن تماما أن الخرافة أقرب للغرب منها إلى اتهام العرب بذلك , ذلك أن الغرب كله تقريبا يؤمن بحكاية الأرواح الشريرة التى من الممكن أن تقلب حياتهم جحيما وهم هنا لا يظنونها من الشياطين بل أرواح موتى !
كما يؤمن شطر كبير منهم بتناسخ الأرواح , وهذه عقيدة كفرية ملحدة من أيام الفرس لكنها تلقي رواجا كبيرا فى الغرب , حيث أن أصحابها يؤمنون بعودة الأرواح إلى أجساد بشرية أخرى بعد موت أصحابها الأصليين ولهم فى ذلك مقالات وبحوث عديدة ..
أقول ذلك تنبيها وتأكيدا وتنويها للقارئ ألا يأخذ كلام علماء الغرب وتجاربهم على عواهنه , فيقبله ما دام لا يصادم حقيقة عقيدية ثابتة ..
مثال ذلك ..
نظرية داروين مثلا ..
لقد اكتسحت هذه النظرية العالم الغربي لمائتى عام , قبل أن يسقطها العلماء , فلنا أن نتخيل ساعتها لو أن العالم الإسلامى قبلها بإعتبارها نظرية تجريبية علمية رغم مصادمتها الفادحة للقرآن , إذا لانهدمت عقائد المسلمين فى قلوبهم بنظرية هى محض خرافة أسقطها نفس العلماء الذين قالوا بها ..
والمطلوب منا تجاه البحوث العلمية هو الإعتدال , والإيمان التام أن العقل والتجربة الصحيحة , لا يمكن أن تناقض الشرع الصريح ..
فإن حدث تناقض ..
فساعتها إما أن القاعدة العلمية لا تثبت واقعا .. وإما أن فهمنا نحن للنص التشريعى هو فهم معلول ..
هذه هى المعادلة التى يجب أن تحكمنا عند دراسة مكتشفات العلماء سواء فى بلادنا أم فى بلاد الغرب

دمتم بخير