عرض مشاركة واحدة
قديم 05-17-2012, 05:34 PM
المشاركة 572
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
السرد والذاكرة.. قراءات في الرواية العراقية ج1


جاسم عاصي
20. 8. 2010


خص القاص والروائي والناقد الاستاذ جاسم عاصي موقع شهريار بكتابه السرد والذاكرة، وهنا ننشر المقدمة والقسم الاول منه، وانتظروا الأقسام التالية على مراحل
المحرر


المقدمة


لعل ما شغل السرد عموما ً عبر حقب من الزمن ؛ مساحة ما احتوته الذاكرة الفردية والجمعية من خزين، كان بمثابة المحرّك والدافع من أجل إحداث نوع من الموازنة في وظائف السرد. إذ من الملاحظ انتماء النصوص السردية إلى حقب وأزمنة بعيدة نوعا ً ما. مما جعلها تأخذ دورها في نبش الماضي، والتوقف على أهم أجزائه. وبذلك تحقق مبدأ العلاقة بين السرد والتاريخ، انطلاقا ً من حقيقة ؛ أن السرد يُعيد صياغة الأحداث. فمقولة أن التاريخ يدون مالا تدونه الرواية، وأن الرواية تكتب ما لم يدونه التاريخ، أصبحت من مسّلمات الرأي، حي نلحظ مدى قوة الأواصر التي تربط السرد بالتاريخ، دون الدخول في تفاصيله، مكتفية ـ أي السردية ـ بجدليتها الداخلية القابلة لكشوفات الذات ورؤيتها.
والرواية العراقية حصرا ً كان لها نصيب وافر من إقامة مثل هذه الصلة بالتاريخ، مستلهمة أهم وقائعه، متمثلة محركاته الفكرية والأخلاقية، متوقفة على الأثر والتأثير الناتج من حركة التاريخ وجريان الأحداث. سيّما أن التاريخ العراقي ـ نتيجة تبدل أحداثه السريعة وتأثير عوامل كثيرة على جريانها ـ فقد بدا أكثر قسوة وأشد ثقلا ً وهيمنة جرّاء السياسات المتعاقبة التي حمل وزرها الإنسان العراقي. لذا نرى أن الرواية كانت أكثر موازنة في إقامة مثل هذه العلاقة، حتى وهي تُقيم علاقة مع التاريخ الفردي، مجسدة صراعات الذات مع الواقع. وهذا منطلِق من تاريخ الجزء المكمل لتأريخ الكل .
ولنا في كتابات ( محمود أحمد السيد، غائب طعمة فرمان، فؤاد التكرلي، حسين ياسين، مهدي النجار، ناجح المعموري عبد عون الروضان، مهدي عيسى الصقر، أحمد خلف، عبد الجليل الميّاح، موفق خضر، زهير الجزائري ) وغيرهم، خير أمثلة على ما ذكرنا. وما يعطينا حق القول أن الرواية العراقية بحق ارتبطت بالذاكرة العراقية مؤسسة لنفسها مجالا ً حيويا ً، عبر ذاكرة سردية متوازنة، استطاعت أن تُقدم للواقع الثقافي نماذج مهمة. لعل محاولتنا هذه في قراءة بعض النصوص الروائية خير دليل على مثل هذا الضرب من الكلام. لأننا من خلال هذه القراءات زاوجنا بين الأجيال في خارطة الرواية العراقية. فوجدنا فيها نوع من الاهتمام المشترك في ضروب وحدات النص السردي الروائي. سيّما في الوحدات التالية: الزمان والمكان والشخصية. فهذه الدالات الثلاثة وجدت لها أشكالا ً من الصياغات المهمة، ففي الزمان ارتبط النص بالتاريخ ولم يبتعد عنه وعن أحداثه إلا بما هو مصاغ فنيا ً. كذلك رأينا في المكان مثل هذا. فقد كان معززا ً برؤى صافية، وعكس لمفرداته بما يتناسب مع وعي الشخصيات. بمعنى أن الوحدات الثلاثة المذكورة وردت في النصوص على شكلٍ متوازن ومدروس، ودالٍ على نظرة مرهفة له من قبل الشخصيات.
يضاف إلى هذا ثمة محاولات عكستها بعض النصوص المقروءة في مجال الموروث والاستفادة منه، ليس على حساب مجرى الواقع في النص بقدر ما كان هذا معينا ً معرفيا ً ساهم في توسيع رؤى السارد من خلال غنى النص بتعدد النظرات. وبعض هذه النصوص اجترحت لها منحى في السرد وعرض الشخصية معتمدة على حركة الذاكرة في تأسيس حراك الرواية، مكّنتها من قيادة شخوصها وأزمنتها، متخذة من تأريخ الشخصيات والأحداث، مجالها على أساس استطراد الذاكرة، واسلوب سحب الملفات في ملأ فراغات النص ومن ثم تشييد تأريخ للشخصية، عبر اقتطاع جزء من تأريخه. فيما عمد البعض على أن يدرس الشخصيات ويؤكد على تأثر بعضها على بعض، كذلك وضعها في منطقة التناص مع نماذج في التأريخ، خاصة التأريخ المثيولوجي والملحمي. في ما حاول البعض تُسجيل أحداث وسط بيئة غرائبية كبيئة الأهوار، عاكسا ً تأثيرات السياسية على نماذجه. وثمة إجراءات روائية استنطقت المخيال السردي من أجل وضع ثيمة أساسية للرواية في مجال البحث عن الهوية السردية، مزاوجة بين مفردات التأريخ وتأسيسات المخيال للبحث عن آثار المدن في الواقع عبر البحث في الذاكرة الجمعية عن المكان. ثم أسطرة الواقع من خلال مجموعة تصورات ورؤى معرفية أسهمت في الصياغة وانكسار الرؤى باتجاه ابتكار صورتها الدلالية.
هذه بعض مما توصلت إليه القراءة لهذه الروايات التي أجدها زاخرة بالتنوع والمعرفة بالأشياء والظواهر المعالَجة في النصوص، أو تلك التي توسِّع دائرة النظر وبلورتها في وجهة النظر الذاتية.
لقد تحكمت في هذه القراءات مجموعة مناهج في القراءة، وجدتها تحذو حذو ما هو مناسب لإيجاد مقاربة بين القراءة والنص، بين ثرائه وقدرة القراءة على الكشف، معتبرا ً أن ما وطئته القراءة ترك مجالا ً آخر لقراءات مختلفة ومتعددة. وأعتقد أن هذا مردّه لثراء النصوص وقابليتها لاستقبال القراءات المتعددة .