عرض مشاركة واحدة
قديم 05-10-2012, 02:46 PM
المشاركة 544
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
محمد زفزاف: مبدع رحل مبكرا

حمد نزال
شكلت أعمال الراحل الكبير محمد زفزاف (1942-2001) لقصة عربية / مغربية من نوعمختلف وأدب سار ضد كل تحاليل وتصنيفات الأكاديميين. أدب مبتكر، حداثي، جميل، وغارقفي تفاصيل الهم اليومي للإنسان العادي البسيط. نصوص زفزاف العالقة في الأذهان لاتنسى، فيها يصور المواطن العادي مهلل الملابس يمشي خائفا متلفتا وراءه وهو يعبرالشاعر ويتقيأ يوميا متقززا من كل شئ.

سطر محمد زفزاف عشرات الروايات وعشراتالقصص. وكان استاذا في مدرسة إعدادية قبل أن "يترقى" ليصبح أمين مكتبة التلاميذ. ولما كان طلبة اللغة يودون إنجاز رسائلهم الجامعية، لم يجدوا أدبا أحلى من ذاك الذيخطه محمد زفزاف.

حضر زفزاف من مدينة القنيطرة واستقر بالدار البيضاء ومنهاكان يبعث قصصه ومقالاته و ترجماته من عيون الأدب. عاش "بوهيميا" لا يعرف غيرالكتابة بين شقته ومقاهيه المفضلة مثل مقهى ماجستيك بحي المعاريف بالدار البيضاء.

إنه الفوضوي المنظم، كان بنظر الكثير من النقاد العرب، أحد أكبر كتابالمغرب. وظل طيلة حياته لا تستسيغه مدينة الإسمنت ولا يستسيغها. كان دائما يمثلالوجه الاخر. الصورة المتناقضة مع "ثقافة المدينة" وبريقها الخادع وأصحاب البدلاتالشيك والجهل الثقافي المطبق. كيف لا يراهم جهلة وهم من هدموا مسرح المدينة الوحيدفي الثمانينات؟

مثله مثل المبدع المغربي الراحل محمد شكري، كانا معا يجوبانالحانات يبحثان عن إجابة للمسائل الكبيرة.

يقول الكاتب العراقي فيصل عبدالحسن: "كنت أعرف ان المبدع محمد زفزاف كريم اليد ويجود بما يملكه، كان بيته ممتلأدوما بالأدباء الشباب الذين يأكلون معه في صحن واحد ويدخنون من علبة سجائره ويشربونمعه بذات القدح.. لكنه، بسبب افتقاره الي مورد مال ثابت كان لا يستطيع في بعضالأحيان حتي شراء الجريدة."

زفزاف، الذي لم يحظى بأية جائزة أدبية وطنية فيبلاده. يعكس حالة معروفة تماما في الأدب العربي بشكل عام. فالثقافة واجهة للسياسةوساحة لها أيضا. وليس ثمة رابط حقيقي بين الإبداع والشهرة.

يفسر الشاعرالعراقي الكبير سعدي يوسف قلة الإهتمام بزفزاف ويرجعها إلى سببين: الأول أن أعمالزفزاف العفوية الصادقة تحترم جمهورها وتعنى بقضاياه ولا تقدمها كما يشتهي الآخر،والثاني: أن زفزاف لم يكتب بلغة أجنبية.
من بين كتّاب القصة المغاربة، ظل محمد زفزاف الأكثر نصَباَ ازاء الفن، يحزم أمره، ويأخذ نفسه بالشدة.

ومن بين كتاب القصة المغاربة، ظل محمد زفزاف الأكثر وفاء لمسحوقي شعبه، حريصا الحرص كله على ان يظل هذا الوفاء متألقاً واضحاً عبر الفن، لا عبر البيان الصحافي او السياسي.

يقول سعدي يوسف في رثاء زفزاف: تشبّثه بالحرية، حرية الفنان والمواطن، أورده شظف العيش، بل المقاطعة والعزلة أحيانا. وبينما كانت النُّهزة سبيلاً الى الرفاهة كانت الشدة لدى محمد سبيله الى قامة الفنان الفارعة.

لقد كان الأدب المغربي بحاجة الي مسيح، يعذبه الفقر والمرض، ويموت بدلا عن جميع الكتاب والأدباء المغاربة، ويتحمل بموته عذاباتهم وغربتهم وقلة حيلتهم ازاء واقع متغير لا يرحم أحدا.

لقد خسر الأدب العربي محمد زفزاف مبكرا وربما ربح العرب والمغاربة "اسطورة أدبية"، كما فعل العراقيون حين ربحوا بموت السياب المفجع نموذجهم الأدبي الخاص بهم.