عرض مشاركة واحدة
قديم 08-04-2011, 02:56 PM
المشاركة 4
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
[justify]

وفي معظم الأحيان يكون مربّيه حداداً، وقد يحدث أن يتنكر البطل في إحدى مراحل شبابه في زي امرأة، وقد يقهر تنيناً بثلاثة رؤوس، وسرعان ما ينجب ولداً من امرأة أجنبية أو غير بشرية تُنشئه في موطنها ويصير محارباً بقوة أبيه الذي لا يعرفه. وعندما يلتقيان يقتل الأبُ ابنَه في معركة ثنائية شرسة وطويلة. وسرعان ما يموت البطل نتيجة ارتكابه الخطأ تلو الآخر، وغالباً ما تكون أخطاؤه بمنزلة آثام لا تغتفر.

وهناك في اليابان مثلاً نموذج مغاير من أبطال الملاحم، فبعض المحاربين من الأرستقراطية الحاكمة ممن حازوا صفة بطل شعبي، يزوَّدون في حالات كثيرة- في قصصهم البطولية- بأربعة أتباع فائقي الشجاعة والإخلاص يُسمون حراس النقاط الأساسية الأربع، وهم أقرب الناس إلى سيدهم الذي يوصف عادة بكونه قائداً ألمعياً ممتازاً تعوزه القوة الجسدية، فيحمونه من أي خطر كان. وهم في وظيفتهم هذه بمنزلة نموذج أسطوري مأخوذ عن البوذية يمثل ملوك ديڤا Deva الأربعة الذين كانوا يحافظون على تعاليم بوذا من أخطار الشياطين.

أما عنترة العبسي، فيمثل نموذجاً مختلفاً تماماً، من حيث كونه عبداً مرذولاً من جهة وبطلاً مدافعاً عن الحمى من جهة أخرى. وعلى الرغم من كونه ابن سيد القبيلة من جاريته الزنجية، لكن عليه كسب حريته (إعتاقه من العبودية) ليكون أهلاً لحبيبته وابنة عمه عبلة؛ ومن ثم يجوز تأويل بطولاته المختلفة والخارقة على أنها وليدة دافع شخصي. كما يمكن النظر إلى الزير سالم بصفته نموذجاً مختلفاً أيضاً للبطل الملحمي إذ تكمن مأساة هذا الزير الشاعر المهلهِل في مطالبته أعداءه بتحقيق المستحيل على صعيد الممكن البشري: «أريد أخي كليب حياً!». وفي أثناء أربعين عاماً من الإصرار الأعمى على هذا المطلب، كان لابد من سقوط آلاف الضحايا من أبناء العمومة، وتشرد آلاف آخرين من غير طائل.

وثمة نموذج بارز في التقاليد الملحمية الهندية الأوربية يطلق عليه اسم «العقيدة الثلاثية» tripartite ideology أو «النظام ذو الوظائف الثلاث» tri functional system . وقد توصل الباحثون إلى اكتشاف هذه العقيدة الثلاثية لدى أمة هندية أوربية من مرحلة ما قبل التاريخ، استمر تأثير تفكيرها في الحضارات اللاحقة، بل حتى في لاوعي بعض الناطقين المعاصرين بلغات هندية أوربية. ترى العقيدة الثلاثية في الكون وجود ثلاثة مبادئ أساسية تتحقق بوساطة ثلاثة أنواع من البشر، هم: الكهنة والمحاربون ومنتجو الثروة. وانسجاماً مع هذه العقيدة (الفلسفة) وجد الباحثون في عدد من الملاحم الهندية الأوربية تفاعلات بين هذه الأنواع الثلاثة في إطار موضوعاتها المركزية، أي بين: الدين، المَلكية، القوة الجسدية، الخصوبة، الصحة، الثروة والجمال.

وخير مثال على ذلك هو ملحمة «المهابهاراتا» الهندية، ولاسيما منها جماعة البانداڤا من حيث تكوين بنيتها وتفاعلاتها عبر تجاربها المختلفة. وتعد هذه الملحمة تجسيداً للصراع الأسطوري بين الآلهة والشياطين، ينتهي بتدمير بعضهما بعضاً، تمهيداً لعالم جديد طاهر يقوده بعض الأخيار الناجين من الكارثة. والمثال الساطع الآخر على هذا النموذج هو القسم الأول من ملحمة الفردوسي«الشاهنامة» الذي يعتمد على العقيدة الزردشتية، أي على الصراع بين الخير والشر أو النور والظلمة.

أما ملحمة «غلغامش» الرافدية التي جمع أشلاءها وأعاد صياغتها الشاعر سين - لِقِه- أونيني نحو 1200 ق.م فتعالج موضوعات الصداقة والبطولة والمآثر المجيدة والموت المرير والبحث اليائس عن الخلود، وكذلك موضوع العلاقة الوثيقة بين وجود الإنسان وقدره المحتوم والغامض.

ينطوي التراث الأدبي العربي على كثير من الإبداعات الشفاهية التي تكاملت عبر العصور إلى أن دُونت فثبتت صيغتها المعروفة والمتداولة، وهناك منها ما يحمل سمات ملحمية واضحة من حيث المبنى والمعنى، مع اختلاف في لغة السرد، إذ إنها تجمع بين النثر والشعر معاً، لكنه نثر إيقاعي يكاد يقارب الشعر. ومن هذه الأعمال «السيرة الهلالية» و«سيرة الأميرة ذات الهمة» و«سيرة الملك سيف بن ذي يزن» و«سيرة شيبان مع كسرى أنوشروان» على سبيل الذكر لا الحصر. وقد كان الهدف منها تصوير مناقب الجاهلية كالحماسة والوفاء والجوار والشجاعة والعصبية والثأر، ولم تدوَّن هذه القصص الملحمية إلا ما بعد الإسلام، ولاسيما في أواخر العصر العباسي.

وبعد مدة طويلة من الكمون الملحوظ عادت الملحمة إلى الظهور في العصور الوسطى في أوربا، وترافق نموها لاحقاً مع بدايات ظهور الفن الروائي [ر. الرواية] . منها ما بقي مجهول المؤلف، ومنها ما ينسب إلى أدباء مشاهير. وأشهر هذه الملاحم «بيوولف» Beowulf الأنغلو- سكسونية (8 ق.م) و«نشيد هيلدِبراندا» Hildebrandslied (ق 9م) و«نشيد النيبلونْغِن» Nibelungenlied الألمانيان (ق 12م)، و«نشيد رولاند» Chanson de Roland الفرنسي (ق 12م) و«نشيد إيغور» Slovo o Polku Igoreve الروسي (ق 12م)، و«كالِڤلا» Kalevala الفنلندية (ق 19م)، و«إدَّا» Edda الإيسلندية (ق 12م)، ثم هناك «الكوميديا الإلهية» لدانتي و«رولاند الغاضب» لأريوستو و«الفردوس الضائع» لمِلتون و«القدس المحررة» لتاسو، و«المسيح المخلص» لكلوبشتوك و«أوبيرون» لڤيلاند و«هرمَن ودوروتيا» لغوته و«بان تاديوش» لميتسكييڤيتش، وهذا أيضاً على سبيل الذكر لا الحصر.

وهناك من الشرق ملحمة «مناس» Manas القرقيزية لرادلوڤ (ق 19م) وملحمة «مِمْ وزين» Mem û Zîn الكردية لأحمد خاني وملحمة «روعة الملوك» الحبشية (ق 13م) وملحمة «الملك غيسر» Gesser Chan التبتية (ق 11م) وملحمة «راماكين» Ramakien التايلندية (ق 18م) وغيرها كثير.


نبيل الحفار - الموسوعة العربية


مراجع:

ـ شوقي عبد الحكيم، موسوعة الفلكلور والأساطير العربية (دار العودة، بيروت 1982).
ـ جرجي زيدان، تاريخ آداب اللغة العربية، 1-2 (دار مكتبة الحياة 1983).
- G.DUMEZIL, Mythe et épopée, vol 1-2 (1968-1971).
- H.M. & N.K. CHADWICK, The Growth of Literature, vol.1. The Ancient Literatures of Europe (1932).
- J.B. PRITCHARD, The Ancient Near East (1958).
- R. CARPENTER, Folk Tale, Fiction and Saga in the Homeric Epics (1946).

[/justify]

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)