عرض مشاركة واحدة
قديم 03-17-2016, 02:49 PM
المشاركة 55
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع...ذكريات سنوات الطفولة المبكرة...سنوات من الميلاد الي ما قبل المدرسة:

ولم تكن عيونها لتصيب البشر من دون الحيوانات، والشجر، والحجر ايضا...فقد كانت بقرتنا والتي كنا نسميها (العسله)، من الأهداف التي ابتليت بشر حسدها المستطير، وهي بقرة جميلة من أصول هولندية بألوان جذابة، أرضية بيضاء، وبقع سوداء، ودرة حليب كبيرة، ربما هي الأكبر من بين الابقار التي كانت في القرية، وكانت تعمل اعمال شاقة واهمها حراثة الأرض ودرس القش بعد الحصاد، وكانت تنجب كل عام، وتعطي حليب بسخاء وكرم، كان يكفينا ونبيع ما يزيد عن حاجتنا منه ومن مشتقاته، البان واجبان لذيذة وشهية...

وفي أكثر من مرة كانت تتوعك فيها صحة تلك البقرة الودود، الولود، الحلوب، وتصبح غير قادرة على السير والنهوض، خاصة بعد ان يشيع خبر انجابها وانا شاهد على ذلك ورايته بأم عيني...

ويشهد اخى احمد بأنه شاهد بأم عينه ما جرى من اثر للحسد على تلك البقرة في مرتين على الاقل والذي جرى كما يرويه بأنه شاهد اخي الاكبر وهو يحلب البقرة العسله، وكان الحليب ينزل من بين اصابع يديه بغزارته المعتادة، حارا، شهيا، واثناء عملية الحلب تلك، مرت تلك المرأة الحسود من فناء الدار دون استئذان وشاهدت ما كان يجري، وفورا كان الحليب ينقطع، ويتوقف عن النزول، وكان درة الحليب جفت فجأة...

وكانت عمتي حليمة هي المنقذ في مثل تلك الحالات، نستنجد بها ونسارع اليها في طلب المساعدة بدلا من الذهاب الي الطبيب البيطري، والاهل على قناعة بأن المكروه الذي أصابه البقرة نتج عن سهام الحسد القاتلة...حيث كانت عمتي تقوم بممارسة طقوسها الشعبية لرد العين وإزالة الحسد...

وكنت ارقب تلك الطقوس وانا غير مصدق على قدرتها تحديد ما أصاب البقرة، وغير مصدق بأن فيها الشفاء...حيث تأتي عمتي بجمرات من نار متقدة تضعها في مكان قريب من البقرة الضحية، وتأخذ في قراءة بعض الآيات القرآنية عليها، وربما بعض الادعية الأخرى التي كانت تبدو مثل طلاسم بالنسبة لي وانا في تلك السن المبكرة، ثم تقوم على رمي حجارة من الشبة البيضاء اللون في النار ...وتتابع القراءة والدعاء على ما اظن...وما هي الا لحظات حتى يحدث صوت في النار هو اشبه بصوت انفجار صغير...فتنظر في النار صوب حجارة الشبة التي تنطق على ما يبدو بسر الوعكة الصحية التي اصابت البقرة...فان كان سبب مرض تلك البقرة وتوعكها هو الحسد كانت الشبة تتشكل بعد انفجارها على شكل عين بشرية واضحة جلية، واذا ما حصل ذلك تكمل طقوسها بالقراءات والادعية المخصصة لرد سهام العيون الحاسدة...

والعجيب انها كانت على ما يبدو تصيب في كل مرة، وما ان تنتهي من طقوسها حتى يحدث تغيير فوري على صحة البقرة، إذا جزمت بأن البقرة أصيبت بالعين من واقع ما يحدث لحجر الشبة في النار... ثم ما تلبث البقرة ان تتماثل للشفاء التام وكأن شيئا لم يكن...وكأن عمتي كانت تمارس نوع من الطقوس السحرية ذات الأثر العلاجي السحري الفوري...وللأسف لم يعد الناس يمارسون مثل تلك الطقوس التراثية الشعبية الجميلة...ولا اظن ان أحد حتى يعرف ما طبيعة تلك الادعية التي كانت تقال في مثل تلك المناسبة...

وقد شاهدت هذه الطقوس بأم عيني أكثر من مرة وانا شاهد عليها...كما انني كنت اترقب على أحر من جمر تلك النار ما سيحدث لكتل الشبة التي كانت تلقيها عمتي في النار، وشاهدت كيف كانت تتحول بعض حجارة الشبة الى جسم على شاكلة عين الانسان...مما جعلني اقتنع بالمطلق بقوة العيون الحاسدة وسهامها الفتاكة وقد عرفت واختبرت ما يمكنها ان تفعل...وصرت اخشاه اشد الخشية واستمر ذلك طوال حياتي وحتى هذه اللحظة...

وما هذه المرأة الا مثال واحد على امتلاك البعض لقدرة الحسد، وما يستطيع فعله الحساد واظنهم كانوا كثر، وكأن في كل حارة حاسدها...ودرويشها...

وكنت إذا اشيع عن شخص انه حسود اتجنبه بكل الوسائل ولو كان اتهامه بالحسد من باب الحقد والغيرة والقيل والقال وتحت قاعدة ألف جبان ولا الله يرحمه...حتى انني كنت امتنع عن المرور في الأماكن التي يحتمل ان يكون فيها مثل ذلك الحاسد حتى لا التقيه صدفة...

وكان الناس يمارسون طقوس عديدة في سبيل حماية أنفسهم من كيد الحاسدين وسهام عيونهم الشريرة...ومن تلك الطقوس ارتداء الاحجبة، والتعاويذ، والطلاسم ومنها الخزرة الزرقاء...وفي أحيان كثيرة كنت انا شخصيا ارتدي طلسما عبارة عن عقد تبرز فيه حبة زرقاء كان يقال لنا انها ترد تلك الطاقة الفتاكة التي تنبعث من العيون الحاسدة الي صاحبها او على الأقل تغير اتجاهها وتشتتها فلا تعود قادرة على الفتك بنا...

والصحيح ان خوفي من الحسد ظل معي طوال عمري...رغم انني لم اعد استخدم تلك الطلاسم منذ وقت بعيد...بل طورت من أدوات حماية نفسي من اخطار الحساد بترديد المعوذات وقول الادعية الشرعية الأخرى المعروفة، ولو انني كنت اضطر أحيانا للجوء الي الطقوس التراثية، والتي كانت منتشرة على النطاق الشعبي، إذا ما تفوه شخص امامي بما يؤشر الي حسده، وبحيث استشعر خطورة تلك الطاقة المنبعثة من عيونه، او حتى من كلماته وان لم يكن بعيون زرق واسنان فرق...ومنها الرقيات الشعبية التي يمارسها بعض الدراويش وان كانت ثقافتهم تعادل الصفر...

وحتى انني عندما أصبحت رجلا متعلما، واسع الثقافة على ما اظن...ظل خوفي من الحسد قائما، وكنت الجأ أحيانا للعلاج بالطريقة الشعبية...وكنت ابحث عمن يتقن تلك الرقيات ليمارس طقوسها علي...حيث أسلم الدرويش رأسي ليقرأ عليه...وكنت احيانا اذهب لمثل تلك الغاية عند قريبة لنا درويشه اسمها امنة الشريف...والتي كان يشاع عن قدرتها على رد الحسد وازالته... فرغم انها كانت امية، لا تقرأ ولا تكتب، لكنها كانت تتقن ادعية عجيبة غريبة، بكلمات مسجوعه، وموزونة، ومنمقة، ولها وقع شديد على النفس...وظني انني ما كنت لأحفظها حتى لو جربت، ولكني لم أحاول حتى معرفة تفاصيل ما تقوله...والمهم عندي كان دائما تلك الهالة من الطاقة الإيجابية التي كنت استشعر بأنها أصبحت تغمرني وتلفني وترد عني كيد الحاسدين وسهام عيونهم الفتاكة...

لقد كان الحسد في طفولتي مصدر خوف بالنسبة لي وكان حتما آفة خطيرة، ومرض اجتماعي فتاك...وقد طور الناس للوقاية منه وعلاجه طقوس عديدة وادعية عجيبة ومؤثرة...وعلى الرغم من ان نور المعرفة والعلم تمكنا مع الزمن من إزالة الخوف من الكثير من الخرافات...ظل الحسد وما يزال مصدر خوف للكثيرين ...

واشد ما أمقته هذه الأيام هو ذلك الطبع من أحد الأشخاص الذي سبق ان تعرفت عليه بحكم الزمالة في العمل ثم افترقنا كل في سبيله،وهو صاحب عيون زرق وعيون فرق،، وما ان يراني في الطريق صدفة حتى يسأل سؤاله المعهود كيف: الأولاد؟ ويكون هذا دائما فاتحة كلامه وعتبة حديثه، وكأنه جهاز كمبيوتر مبرمج على ذلك الطبع بشكل مطلق لا فكاك منه، حيث يحرص عليه ويقدمه على كل الكلام الاخر...سؤال متعب بالنسبة لي أحس في نبرته بانه ينم عن حسد بين، وما ان اسمعه من جديد حتى يزلزل كياني وابدأ في قراءة كل الآيات والتعاويذ التي امل ان تحميني وتحمي اهلي واولادي وان كانوا على سفر وبعيدين بعد المشرقين والمغربين...

والصحيح ان قصصي مع الحسد كثيرة ومتعددة...وبعضها واضح، ومذهل في طبيعته، ووقعه، واثره، وكأنه ينفذ حتى من اسوار النور التي يعتقد الانسان انها يبنيها حول نفسه، وتصبح تحيط به، وتلفه، بقراءة التعاويذ والاحراز...ولا عجب اذا ان يكون سلاح العيون الفتاك هذا سببا في دخول كثيرين القبور...

يتبع...