الموضوع: سجين الماضي ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-29-2012, 04:50 PM
المشاركة 7
سناء محمد
كاتبــة الشمــس
  • غير موجود
افتراضي

- الو ..

- الو .... صباح الخير

- من ... ليث

- أرجوك لا تقفلي الخط ... اريد التكلم معك .

سكتت لين تريد سماع ما سيقوله ليث بينما أخذ هو بالتحدث باسلوب لطيف لم تعهده من قبل

- لقد فكرت بك طوال الايام التي غبت فيها عني .... صدقيني لم أدرك يوماً انني استطيع العيش من دونك

لقد كنت مكابراً .. ولكنني اريدك معي .. صدقيني

أخذت الدموع تتساقط من عيني لين فرحاً لما سمعته , وحزناً على تأخر هذه الكلمات

- لين تعالي الى المشفى .... أريد ان اكلمك , أعطني فرصة .

تنهدت لين وقالت :

- بعد ساعتين - ان شاء الله - سأكون في المشفى .

جهزت لين نفسها للذهاب وركبت سيارتها , ولا تزال كلمات ليث تتردد على مسامعها وتدور في رأسها
معقول أن ليثاً قد تغير وأفاق لنفسه إثر الحادث ! يا لخوفي أن تكون مشاعره عابرة ويرجع بعدها الى
سالف عهده ...اففف اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ... لما هذا التشاؤم يا لين ؟ هذه المرة الاولى التي تسمعين فيها من زوجك مثل هذه الكلمات , لا بد ان أكون قوية وفطنة لما سيقول , يجب ان أعرف سر التغير الذي طرأ عليه .
وهناك في المشفى , كانت خطوات لين إلى غرفة ليث ثقيلة , ما إن وصلت الغرفة حتى شعرت بالرهبة والتملل من الدخول إلا أنها كسرت حاجز الخوف فدفعت نفسها للداخل دفعاً .
و ما إن وقعت عيناها على عيني ليث حتى بادرها بابتسامة كبيرة تتخللها معاني الصدق والمحبة , فشعرت
بطمأنينةٍ وراحةٍ كبيرةٍ لم تتوقعها .

أشار ليث إليها بالجلوس إلى جانبه , فجلست وهي لم تعرف كيف تبدأه بالتحية , مضت لحظات صمت طويلة قطعها ليث بقوله :

- كيف حالك اليوم ؟

- بخير ..... وأنت ؟

- سعيد لوجودك ..... انتظر ليث أن ترد عليه لكنها بقيت صامتة

- وكيف حال الأولاد

- اشتاقوا إليك ...

- حقاً !؟ ..... ظننت أنهم لن يتذكروني

- ربما كنت متجاهلاً لهم , لكن تأكد أنهم يحبوك .... ويحبون أن تكون بينهم .

- لين .... لقد قسوت عليك كثيراً .... وظلمتك مرات عدة .... ولكني لم أعرف أين كان تفكيري وقتها
لا أدري لماذا لم أفكر إلا بنفسي ... أنا أعرف أنك حزينة ومتألمة بسببي ولك الحق في ذلك .... إلا أنني أريدك أن تعرفي أيضاً بأنني أريد بِدأ حياةٍ جديدةٍ معك .... اعتبري أنك الآن عرفتني .

- أنا خائفة أن ترجع علاقتنا كما كانت ... أتمنى أن يحدث ما تقوله , ولكني غير مطمئنة .

- لين .... لقد قلت لك أنني نادم على ما حصل , وكل ما أريده أن ترجع الامور أفضل من قبل ....
أشعر بأن الأمور ستنصلح فيما بيننا , فعلام التردد ؟

أحست لين برغبة كبيرة في البكاء ولكنها كتمت ألمها , فنظرت إليه وأومأت له بالموافقة , فشعر ليث بسعادةٍ كبيرة لم يشعر بها منذ سنوات طويلة .....

- سأعوضك عما فاتك من فرح وسعادة ... أريد أن أتغير , وأريدك أن تساعديني في ذلك أريد أن تكون حياتي لها معناً جديداً , حقيقياً .... لا اريد أن أعيش وحيداً بعد الآن .

- ما الذي غيرك يا ليث ؟

بقي ليث يفكر للحظات عن سر تغيره , فقد أشعل سؤال لين في نفسه الحزن والوحشة من ماضيه المؤلم والكئيب

- ربما لو قلت لك ما عانيته في حياتي فسوف تعذرينني .... لقد عشت طويلاً في ذلك الماضي الأسود من بؤس وحرمان ..... وشعور بالمذلة والنقصان , لقد كنت سجينأً لماضٍ قاسٍ لم يعرف الرحمة او العطف .... تمنيت لو كنت مثل باقي الأولاد لدي أب عطوف يحبني ويوجهني ... تمنيت لو أستطيع اللعب مثل باقي الأطفال , لكن العمل كان يمنعني , حتى المدرسة التي كان يذهب إليها الأطفال بملابسهم الجميلة تمنيت لو كنت معهم ...

- لكنك درست ونجحت في دراستك وعملك !!

- الذي يحرم حنان الأب أو الام يا لين , محال أن يشعر بالحب أو السعادة كباقي الناس , سيظل يلاحقه شبح الوحشة والضعف مهما بدا قوياً .

- لست أول أو آخر انسان يحدث له ذلك .

- تقولين ذلك لأنك عشت في كنف أبوين رائعين ومتفاهمين .... لقد عشت حياة طبيعية كغيرك من الناس , ولم تجربي معنى الألم أوالإنكسار أمام أحد .

- ليث لا أريدك أن تحبط من جديد ......الذي مضى قد ذهب لحاله , وأنت قلت أنك تريد حياة جديدة وسعيدة , فهل ستبقى تتذكر ذلك الماضي .

- لا ... لا أريد ذلك , وسأعمل جاهداً لأعوض ما فات من عمري من لحظات قاسية عايشتها أنا ومن حولي ..أنا متأكد أنني سأنجح , لكن ذلك الماضي سيظل معي ما حييت ... ربما لن أبقى سجينه ولكني سأحمله .... لمجرد الذكرى ... نعم لمجرد الذكرى ..

ابتسمت لين لليث وهي تتأمل ما يقول , وأمسكت بيده بينما نظر إليها بعيون الإصرار والامل لمستقبل
مشرق ينتظرهما خارج جدران المشفى ...

بعد أيام كتب الطبيب إذن الخروج لليث , فقامت لين تجهز له أغراضه استعداداً للعودة الى البيت , وعند

وصولهما لباب المشفى , لاحظ ليث وجود خالٍ على خدها الايسر فقال لها :

- جميلةٌ هذه الشامة على خدك .

- ألم تلحظها من قبل ؟!

شعر ليث بالإحراج من سؤالها ...

- ممممم نعم أعرفها ..... ولكني لأول مرة ألاحظ أنها جميلة على وجهك

ضحكت لين من إجابته و تناولت من حقيبتها نظارته السوداء القديمة لكي يلبسها فقال لها باسماً :

- لا .... لن ألبسها ... يجب أن أتعود على نور الشمس كل الوقت ....








تمت ..