الموضوع: سجين الماضي ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-27-2012, 03:07 PM
المشاركة 5
سناء محمد
كاتبــة الشمــس
  • غير موجود
افتراضي
بدأت حالة ليث تستقر وتتحسن , إلا أن آلام الكسر لم تبارحه , فكان يضطر لأخذ جرعات مسكنة لتخفيف آلامه , أما لين فكانت بجانبه على الدوام , ولم تنقطع عنه إلا قليلاً , وفي أثناء تغيبها كان ليث يتذكر الحادثة وسببها , وكيف أنه كان خارج وعيه أثناء القيادة , وما آلت إليه الأمور من فصل وظيفي وفقدانه لمنصب مهم في شركة رفيعة المستوى , وبين الحادث وما سيعقبه , شعر برهبة شديدة وخوف كبير لم يشعر به من قبل , أراد أن يفضفض ويبوح عمَا بداخله , لكنه لم يجد أحداً بجانبه , حتى زوجته وأم أولاده لم يستطع أن يخبرها بشيء وبمدى معاناته .

لأول مرة يشعر ان بينه وبين الناس مسافات بعيدة لم يستطع تجاوزها , فآثر الحزن بصمت وكتمان.
شعرت لين بعد أن بدأ ليث يتعافى بنفور شديد نحوه , وأخذت تتخبط بأفكارها السوداء ذاتها التي لطالما تنبأت بها وصدق معها حدسها من سوء معاملته وغلظته في الكلام والتصرفات , فكانت تتجاهله أثناء تواجدها معه مما زاد عليه الأمر سوءاً , لم يعرف ليث كيف يتصرف حيال الامر , فكان يتحين الفرص عند جلوسها معه ويمسك يدها كالطفل الصغير فلا يتركها حتى تنزعها هي .

أخذت الهموم تتكاثر عليه ... ها هي زوجته و أقرب الناس إليه بالكاد تتحدث معه وتتصرف معه بقسوة
كبيرة لم يعهدها من قبل , إلى أن جاء الوقت الذي أصَر فيه على مواجهتها , وحملها على الكلام , وفيما هي جالسة على سريره ترتب الوسائد , أمسك معصمها وشدَها إليه , إلا أنها انسحبت مباشرةً وآثرت الإبتعاد بهدوء .

فقال لها مستغرباً :

- ما بك ؟ وكأنك لا تعرفيني ؟؟!!

لم ترد لين بشيء , فشعر بالغيظ من سكوتها .

-أقول ما بك ؟؟ لماذا لا تتحدثين إلي ِ ؟!

- ماذا تريدني أن أقول ؟

- لا أدري ..... قولي أي شيء ..

- ليس لديَ ما أقوله ..... عن قريب ستتعافى إن شاء الله .

- أهذا كل ما تستطيعين قوله ؟ لقد تغيرت كثيراً .

نظرت لين باستغراب وابتسمت :

- أنا ؟؟؟ ولماذا تغيرت ؟؟

- أليس من المفترض أن تكوني أكثر إحساساً بي وحزناً من أجلي ؟

- أرجوك ... لا تقل ذلك .... من يتكلم عن الأحاسيس !! أنت ؟؟

- ماذا تقصدين ؟

- أقصد أنه أنت آخر من يتكلم عن المشاعر والأحاسيس , أنت تتكلم عن العمل , عن السفر , عن الناس

أي شيء .... ولكن لا تتكلم فيما لا تفهمه .

فقال بنبرة عالية :

- هل تسخرين مني ؟؟

- نعم أسخر منك .. أتدري لماذا , طوال عمري معك تمنيتك لو تصغي إلي ولو لمرة واحدة , لكنك في كل مرة كنت تتجاهلني , بل وأكثر من ذلك تهزأ بي و بكلامي ... أنا لم أنس يوماً قسوتك عليَ .. ولن أنسى إساءتك لي ..

- ألهذه الدرجة كنت قاسياً ؟؟!!

فقالت بنبرة حزينة وغاضبة وكأنها تثور على سنوات عمرها معه :

- نعم , كنت قاسياً في كل شيء , كل شيء ... كلامك , نظراتك وحتى أسلوب حياتك , هل تتذكر انه حدث
وجلسنا سوياً بمحبة وود , كل الأزواج كذلك لماذا نحن لسنا كذلك ... لم أكن أسألك عن شيء يخصني
إلا وتبادرني بكلماتٍ ساخرة , وكأنك تكرهني وتكره وجودي في حياتك .... حتى الهدية التي كنت تحضرها لم تسألني عنها أأعجبتك الهدية ؟ بل كنت تقول اشتريتها بالسعر الفلاني ومن المكان الفلاني , وكأن كل شيء في حياتك له تسعيرته , لم أنس يوماً كيف كنت تعيرني بأهلي .... أبوك ... أخوك .. أمك , لم يكن يعجبك أحد , هل نسيت ما حدث عندما وضعت مولودي الأول وجاء أهلي ليباركوا لنا ؟ هل أذكرك ؟؟ عندها أسمعتهم كلامك الذي كالسم وغادروا المنزل على الفور , لم تقدر مقدار التعب الذي كنت فيه .... بماذا سأذكرك وبماذا , تمنيت لو وجدت ما أحب تذكره معك .... ولكن لا شيء .. لا شيء .

قال ليث وآثار الصدمة بادية عليه :

- لماذا لم تكوني تخبريني بكل ذلك ؟

- ماذا ... أخبرك بماذا , هل تمثل علي الطيبة أم الغباء .... كنت ترى كل شيء , والذي يرى ليس كالذي يسمع كنت تسمع بكائي طوال الليل بجانبك وماذا ؟؟؟ كنت تنام , ولا أدري كيف كان لك قلب عندها ... ليث أرجوك لا أحب تذكر شيء , أرجوك اعذرني ولكنني لا أستطيع أن أحتمل رؤيتك ..

سأرسل لك مدبرة المنزل لتدبر أمورك ...

- لين ما هذا الكلام ؟؟ هل ستتركينني ؟

- بعد مدة ستتعافى , وعندها لكل حادث حديث .

أصيب ليث بصدمة كبيرة مما تقول , وكأنها ليست لين التي عرفها في حياته

- لا تكوني قاسية .

- قاسية , أليس كذلك ؟ هل تعلم سأخبرك بشيء ...... أنا سعيدة لما حدث لك , نعم سعيدة ,أتمنى أن لا تقوم من مكانك .....

أخذ ليث يهز رأسه وهو لا يريد تصديق ما يسمعه بينما أخذت لين تسترسل في كلامها :

- أريد أن أعرف شعورك وأنت تتألم ولا تجد أحداً بجانبك , أريدك ان تتجرع الذل في حاجتك للآخرين وأنت كاره لذلك , هل أنت مستغرب ؟ هل تعرف ؟ لو كان الأمر بيدي لكسرت رجلك كلما تماثلت للشفاء حتى تبقى عاجزاً .... نعم صدقني لن أحزن عليك ... هل تعرف أكثر شيء أكرهك بسببه ؟؟؟

نظر ليث إليها وعيناه قد اغرقت بالدموع دون أن يلفظ بشيء

- أكرهك لأنك جعلتني أتحول من وردة رقيقة الى امرأة قاسية القلب ... أنا لم أكن كذلك يوماً ... كل ما كنت
أتمناه هو أن أتزوج من رجل يحبني ويهتم بي , صدقني لم أحلم بأكثر من ذلك , ولكن حتى الحب استكثرته عليَ .

قالت لين كلماتها هذه و خرجت من الغرفة لينخرط ليث ببكاء مرير بعد أن سدت كل المنافذ في وجهه





يتبع ..