عرض مشاركة واحدة
قديم 08-21-2010, 02:24 AM
المشاركة 29
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ياموسم اللذات! غالتك النوى –=– بعدي.. فربعك للصبابة موسم

بهذا البيت استهل القصيبي كتابه المقالي أو مقاله الكتابي..

ليس هناك أقسى من الفقد إلا ذكرى الفقد و نقد الفقد.. عندما تعوذ بالذاكرة -قسراً- إلى تلك الأيام البائسة في حياتك تجد أن المعاناة التي تعيشها بسبب هذه العودة أشد وطأة على النفس من المعاناة السابقة نفسها..

والأوراق ليست إلا صديقاً نقتلة بتلك المئاسي.. يوماً بعد يوم.. فالنفس البشرية تأتيها المصائب متفرقة.. يوماً للبؤس ويوماً للسعادة..

أما تلك الأوراق فتنهلّ عليها المصائب مجتمعة مرة واحدة في محاولة لتفريغ الروح البشرية من شقائها وبؤسها.. تنفض الروح غبار الأيام فتقع على تلك الأوراق المظلومة..

عندما ازمع ركب العمر لدى القصيبي وشارف على السبعين.. أجاد ووُفِق عندما طرح هذه المواسم.. فهي نقاط البؤس والشقاء في جميع مراحل حياته.. ذكرى مفقود.. وحزن على موت مولود.. فنفض العناء في الأوراق.. يُشرِق عند الإشراق.. ويبتئس عند الأرهاق من الفراق..

كانت مواسم حياته مليئة بالشقاء والعناء.. نجح في عزلها عن التأثير على الجسد وقتاً.. لادوماً..

” تسكنك هواجس الرحيل. تشعر أن المسافة بينك وبين نهاية الطريق تهرب بسرعة غير مألوفة. تشكو أشياء لم تكن تشكو منها. تلمس في جسدك ضعفاً لم يعهده من قبل. تصحوا مكدوداً. وتأوي إلى فراشك مرهقاً. لا يجيء النوم الذي كان لا يغيب. تأتي أفكار معتمة كدخان أسود. وتتقلب حتى يملّك الفراش. وتملّك صفحات الكتاب الذي رجوته حليفاً للنوم فاانقلب صديقاً للأرق.

تصحو متثاقلاً. وتتخيل في نظرات الذين يحبونك إشفاقاً لم يكن يسكنها. وتتخيل في نظرات الآخرين. حسناً! دعك من الآخرين ونظراتهم! هي صدمة الشيخوخة جاءت بعد ربع قرن من الصدمة الأولى. صدمة منتصف العمر. والفرق بين الصدمتين شاسع جداً.”
كان يشكو في هذا الجزء من آلام الشيخوخة الجسدية والنفسية.. يشكو من ذلك الإحساس بدنو الرحيل.. وهل هناك أقسى من هذا الإحساس على الروح..
هذه المواسم ذكريات ومحطات في حياة القصيبي.. بصورة أوضح هي سيرة حياتة البؤسية العناءية الشقائية..
يتذكر وفاة أخته “حياة” وبقية أقاربه وإخوته.. واخواته.. وأبنائهم.. بذكريات حزينة..

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
من وقفاتي في المقالة:
- أما الآن. وفي الخامسة والستين، فبلاؤك في الروح. وهل هناك فارق بين النفس والروح؟ هذا موضوع عويص، مزلة أقلام وأفهام.
- وكانت العلاقة بينهما غريبة بعض الشيء. كالعلاقة بين كل زوج وزوجه. غامضة بعض الشيء. ظاهرها غير باطنها. حياة مشتركة امتدت ستين سنة. وعندما يطول عمر الزواج تنشأ بين الزوجين رابطة غير مرئية وغير محسوسة لايراها الآخرون. رابطة لاعلاقة لها بالمشاكل اليومية. ولا بأعباء الحياة الكثيرة. ولا بمشاغلها. رابطة تشد روحاً بروح. بخيوط غريبة لا يعرف بوجودها أحد. وعندما تكف روح عن النبض تنتقض الخيوط. ويحدث شيء للروح الأخرى. ترتعد وترتعش. وقد تكف عن الخفقان.
- لا تطيق أن ترى الموت حيث كانت الحياة. لاتود أن تصدق أن هذه النومة تختلف عن غيرها “لاتقلب المُضجع عن جنبه”، كما قال صاحبك القديم.

- وكنت تخوض معركتك الصامتة مع الألم. عندما ذهبت. وتركت الألم يتلصص في أرجاء هذا الكوكب. يحمل انتاصاراته الرخيصة.

- ومجال العزاء في الخليج غريبة بعض الشيء. لايتحدث فيها أحد عن الموت أو الفقد. أو الميت. يتحدثون في التجارة والسياسة. ويتبادلون الإشاعات. ويسترجعون الماضي. وتجد من يبتسم. وتجد من يضحك.

- “لا!لا!لا!لا! تقولوا إنه مات! لا تقولوا إنه مات!”. ولا يترك الصمت لك مجالاً تفزع منه إلى الكذب. كما حاول. بلا جدوى. صاحبك القديم. ثم تهدأ وتستغفر الله. في سرك، من لحظة صراخك. لحظة ضعفك البشري. مات أخوك عادل، شقيقك. بعد أختك حياة. شقيقتك. بأيام خمسة. في الأسبوع نفسه! بدأ الأسبوع ولك شقيقة وشقيق. وانتهى الأسبوع وأنت بلا شقيقة ولا شقيق.
- وتسير مع الحياة التي تسير، الحياة التي لاتتوقف لموت أحد. تعود إلى روتينك اليومي. العذاب اليومي. الذي يحسدك عليه كثيرون، ويكرهك بسببه كثيرون، ويحبك من أجله كثيرون. وفي العذاب اليومي لابد أن تبتسم حتى عندما تهطل في قلبك سحائب الدموع. لابد أن تكون مهذباً عندما تصطدم بمن ينتشي بالوقاحة، لابد أن تسمع مايهمك ويغمك، وتقرأ مايهمك ويغمك. وتوشك أن تفقد الأمل. توشك أن تترك العذاب اليومي لمن يعده نعيماً يومياً. ولكنك لاتفعل. يشدك إليه شيء كالواجب. أو هو الواجب. وكالحب. أو لعله الحب. وهل واجب بلا حب؟ وهل حب بلا واجب؟