عرض مشاركة واحدة
قديم 06-17-2017, 01:37 PM
المشاركة 19
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
وفي حديثه ( اي الراوي محي الدين بن عربي ) مع قائد حملة حجيج قونية اسحق يقول الراوي وقد اعتبره من الاولياء ان اسحاق هذا اخبره بأنه يعتني بحديقته حتى وهو في الحج " يحدثني عن حديقة صغيرة تعهدها برعاية. كانت ارضا يابسه في وسطها شجرة صنوبر عتيقة مر بها ذات يوم فالفها تكاد تكلمه. فاشترى الارض وبنى حولها سورا قصيرا و الى على نفسه ان يزرع فيها كل ما يجعل شجرة الصنوبر اقل وحدة.
فاحاطها بالزنابق والخزامى والزعفران وزهرة الثلج وكل نبتة يجلب بذورها من سفره المتواصل في ارجاء الشام والعراق وارمينية وخراسان سفيرا لسلطان السلاجقة كيخسرو..وقال لي:
- استغربوا فعلي. فلا الحديقة ف بيتي ليكون اعتنائي بها مبررا ولا هي تنتج لي ثمرا لتكون من التجارة. ولكنهم لا يعلمون انها كانت بيتا لروحي. اما ذاك البيت الذي اقيم تحت سقفه فليس الا بيت الجسد. يقيني حرارة الشمس وبرودة الليل وهبوب الريح. ولكن متى اويت اليه بعد يوم طويل من العمل في بلاط السلطان في قونية كانت روحي تنام في العراء. هذه الحديقة كانت تؤوي روحي وتدفئها وتبث فيها طمأنينة البيوت وسكينتها. اذا ذهبت الها وجلست في وسطها اوت الي كل وردة ودنا مني كل غصن. تحدثني عما جرى وانا غائب عنها: عن رائحة الريح طعم اللقاح اسرار الليل حفيف الاوراق قرض السناجب طرقات النعال...

- ومن يعتني بها في سفرك؟
- التفت الي مبتسما وحدق في عني بيقين وقال:
- انا.
- كيف ؟
- اليوم كنست اوراق الخريف المتساقطة حتى لا تحجب الضوء عن ازهار الحح الصغيرة التي تولد في هذا الموسم. وكذلك دفعت لصا حاول ان يطقف ازهار الخزامى ليبيعها لعطاء سيء السمعة. وفي الايام التي ينقطع فيها المطر اجلب لحديقتي غيمة من الشمال.


هنا مربط الفرس طبعا...حتى ابن عربي يستغرب هذا اكلام من الشيخ اسحق. فيسأله افهم كيف تكنس ورقا وتدفع لصا ( اما انا فلا افهم كيف له ان يفعل ذلك وهو على ذلك البعد والمسافه؟ ) ولكن كيف تجري الغيوم وذلك من امر الله وحده؟
فيرد عليه اسحق ..هي من امر الله وحده كما تقول ومعاذ الله ان انازعه في امره.
- فكيف تفعل؟
- كل ما افعل هو اني اقسم عليه فيبرني.
- ويبرك في كل مرة تقسم عليه فيها؟
- نعم ولكني لا اقسم عليه الا اذا علمت انه يبرني.
- وكيف تعلم؟
رفع عينيه الى السقف وحدق فيه حتى كانه سيثقبه بنظراته وقال بصوت حالم:
- لا ادري ، اشعر بذلك . ان لرضا الله عليك شعورا لا يمكن ان يوصف. دثار دافئ يحيط بقلبك في ليلة برد، او وميض من الضوء يسافر في عروقك، او ملاك من ملائكته يتسلل الى روحك ويحضنها مثل صديق قديم. شيء لا يوصف يا محي. لا يوصف على الاطلاق. رضا الله هذا.
انسلت من عيني دمعة وانا اصغي اليه واستمر هو في كلامه:
- تخيل ان لا ينعم الله عليك برضاه فحسب بل يشعرك بهذا الرضا ايضا. احيانا اكون في شأن عابر من شؤوني اليومية، جالسا اقرأ رسائل للبلاط او ماضيا لاشتري طعاما من السوق، او سادرا في حديث مع شخص في مجلس ، وفجأة اشعر وكأني عبرت شلالا من نور، مشيت تحته لثوان ثم خرجت منه. واشعر وكأني ارى امامي دهاليز النفس لامعة نظيفة وكأني خلقت للتو. واشعر كأن كل حلم من احلامي وامنية من امنياتي قد خرجت من نفسي وصعدت الى السماء فشذبت ورتبت وعدلت وصيغيت في حال اطهر ثم اعيدت الي صدري مرة اخرى.