عرض مشاركة واحدة
قديم 04-30-2019, 06:13 PM
المشاركة 3
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: قردة وخنازير (رواية)
(2)

يذكر إيهاب اليوم الذي ابتاع فيه روبوت رياضي مستعمل للتدريب على بعض الرياضات العنيفة في المنزل، حتى يحافظ على لياقته البدنية، التي يحتاجها في مواجهاته التي لا تنتهي مع المتمردين..
ثم اكتشف أن الروبوت مصاب بتصلب في المفاصل وحركته بطيئة كأنه يتدرب مع عجوز قعيد في التسعين .. لذا اضطر لاستقدام بعض الخبراء لمعالجة برنامجه وتزويد سرعته بمقابل فلكي جعل شريحة النقود لديه تئن جوعاً..
لكنهم على الأقل استطاعوا إحياء ذلك الروبوت التحفة ..
وهكذا وقف أمامه وقفة الاستعداد ثم أعطى الإشارة الصوتية لبدء الهجوم ..
شعر بسعادة غامرة حينما تلقى لكمة عاتية في فكة وركلة ساحقة في خاصرته .. بالأمس كان يصاب بالنعاس أثناء اللعب مع نفس الروبوت ..
ـ مرحى .. أعطني أكثر ..
وبالفعل أعطاه أكثر.. أكثر بكثير مما كان يأمل في الحقيقة..
ضربات الروبوت صارت كالبرق .. لم يعد الأمر مجرد تدريب .. هذا الروبوت المجنون سيقتله حتماً.. يبدو أن الفني الوغد قد أخطأ في شيء ما و......
صرخ وهو يتمرغ في الأرض :
ـ أوقفوووووووه !..
لكن الوغد الألي لا يتوقف ولا يعطب .. سحب إيهاب مسدسه من جرابه الملقى على الفراش واستدار ليفرغه في صدر الروبوت .. لكن الأخير ضرب كفه بخفة، فطار المسدس ليخترق جهاز الميكروويف ..
نظر إيهاب بجزع وغير تصديق للميكروويف المهشم .. طبعاً ليتلقى لطمة عاتية على صفحة عنقه ألقته أرضا..
بعدها وثب الروبوت فوقه وأخذ يشيع لكماته وركلاته إلى كل الأماكن التي تم تخزين مواضعها في ذاكرته ..
بعد نصف ساعة كانت بطارية الروبوت قد فرغت، وتحول إلى قطعة حديد جامدة على وقفة قتالية شامخة.. ومن حوله تناثر أثاث الوحدة أشلاء، فبدا المشهد كلوحة معبرة عن الانتصار الساحق للألة على الإنسان ..
لكن أين إيهاب ؟
***
إيهاب الآن يواجه روبوت مختلف..
إنه مزود بمدفعين سريعي الطلقات بالإضافة لكون جسمه المعدني مضاد للرصاص.. ولديه عين في منتصف جبهته تطلق شعاع ليزر قادر على شطر فيل إلى نصفين..
" مهمتك التالية.. سيطر على الروبوت.. "
انهالت عليه الطلقات كالمطر وهو يعدو في الممر بخط متعرج.. طبعاً هذا الكابوس لا يمكن أن يدمر..
إنه صناعة نخبوية عالية الجودة والكفاءة.. ولسوء الحظ تمكن المتمردون من السيطرة عليه .. المطلوب منه الآن إعادته إلى صوابه..
لكن كيف؟
لاح له باب في نهاية الممر كأنه نشأ من الفراغ فقط ليعطي له حبل نجاة في أخر لحظة من الطلقات وأشعة الليزر..
اقتحم الغرفة وأغلق بابها خلفه بإحكام، ثم وقف يلهث وهو يفحص أسلحته.. لا يوجد من بينها وسيلة للسيطرة على ذلك الكابوس..
" ستجد جهاز التحكم مع أحد المتمردين.."
أطلق سبة بذيئة وضرب كفه بالجدار.. كيف سيعود ثانية ليفتش في جثث القتلى وذلك الكابوس قادم من أجله.. عليه أن يهدأ ويفكر..
صوت الخطوات المعدنية الثقيلة يقترب .. سيقتحم عليه الغرفة بعد ثوان وعليه أن يكون قد أعد خطة..
لا مجال لاستعمال الأسلحة التقليدية.. عليه أن يناور الوغد الألي كي يتمكن من الانسلال إلى غرفة المتمردين.. وهكذا انتظر بجوار الباب حتى سمع صوت الليزر يذيب الإطار من الخارج.. وسرعان ما تهاوى الباب تلقائيا بعد عملية الجراحة الممتازة التي أجراها له الروبوت.. كتم أنفاسه منتظراً اللحظة المناسبة.. واللحظة المناسبة حانت حينما عبر الروبوت الباب، وتقدم داخل الغرفة وهو لا يرى إيهاب الذي وقف منتظراً في الركن.. وهكذا انسل من خلفه وانطلق يعدو خارج الغرفة بكل قوته..
ها هو الممر المفروش بالجثث.. هناك خمس جثث.. ترى هل سيجد الجهاز مع أول جثة.. مع ثاني جثة..
تباً .. خطوات الروبوت المعدنية تقترب من جديد.. هذا يثير أعصابه ويفقده التركيز..
ثالث جثة إذن..
ها هو قادماً من أجله بعد أن اكتشف خدعته البسيطة..
رابع جثة..
أخيراً.. ها هو ذا..
بعدها ظهرت له عبارة " حصلت على جهاز التحكم.. قم بالسيطرة على الروبو..."
لم ينتظر إكمال العبارة.. استدار بسرعة مصوباً جهاز التحكم ناحية الروبوت الذي ظهر في تلك اللحظة وهو يستعد لنسفه نسفاً..
لكنه لم يكد يضغط على أزرار التحكم حتى بدأ الروبوت يرقص.. نظر لجهاز التحكم في يده بدهشة.. هناك شيء ما خطأ..
" قم بالسيطرة على الروبوت "
صاح في غيظ وهو يعيد ضغط الأزرار:
ـ إنني أحاول بالفعل..
هنا توقف الروبوت عن الرقص..
للوهلة الأولى خيل إليه أن الروبوت سيعاود الهجوم عليه .. لكن فجأة صدرت عنه أضواء بنفسجية هادئة وبدأت مدافعه اليدوية ترتخي ببطء.. ثم سمع الصوت المعدني الذي أثلج صدره:
ـ تحت أمرك سيدي.
هنا ظهرت عبارة " تمت المهمة بنجاح "..
بعدها ساد الظلام..
***
ـ وصل فريق التطهير .. على سائر المواطنين إخلاء الوحدات ..
تردد الصوت المعدني في أذن إيهاب، وهو قابع في الظلام أسفل الفراش، مختبئاً من الروبوت الرياضي الذي جن تماماً..
ضغط على أذنه بكفه بطريقة معينة ليتمكن من الرد عبر شريحة التواصل.. قال بصوت مهشم :
ـ جاري إخلاء الوحدة..
لم يصل صوته للأسف، وشعر بتلك الوخزة في أذنه، فعاد يضغط عليها بكفه.. شريحة الاتصالات بحاجة لشحن، أو .. تباً يبدو أن الروبوت الوغد قد أفسدها، أو أفسد أذنه ذاتها ..
لكنه يدرك أنه لو فقد أذن فسيزرعون له شريحة جديدة في أذنه الأخرى.. وطبعاً سيفقد وظيفته الحالية، لأنه سيصير من أصحاب العاهات..
وهكذا زحف خارجاً من تحت الفراش بحذر وقد تحول وجهه إلى لوحة لمأساة إغريقية .. رمى الروبوت الرياضي بنظرة خاوية قبل أن يبصق عليه بصقة دامية أودعها كل حنقه وألمه .. ثم واصل زحفه لوحدة التطهير العضوي في محاولة لإسعاف ما يمكن إسعافه ..
وخرج بعدها وقد امتلأ وجهه بالضمادات .. ارتدى زيه بسرعة وهو يتجاهل حركة روبوت التطهير، الذي اقتحم الغرفة وبدأ يقوم بعمل التنظيف اليومي.. إنه يشبه الخنزير في الهيكل الخارجي ويقوم بنفس دوره.. يأكل القمامة أكلاً .. وكذلك هو لا يكف عن التعليقات الروتينية التي يعتبرها إيهاب فضائح..
ـ بقايا طعام.. مشروبات.. مخدرات من النوع المصرح به للشرطة.. التهوية لا بأس بها هنا.. هناك حالة فوضى عارمة كأن الوحدة ضربها زلزال عنيف ..
ثم إن الروبوت اكتشف وجود إيهاب فالتفت إليه قائلاً :
ـ لم يتم الإخلاء بعد.. هذه مخالفة يا سيد إيهاب سيتم خصم جزء إضافي من شريحتك الائتمانية..
مازالت الروبوتات هي سيدة هذا العصر بلا منازع..
لكنهم ولله الحمد لم يستغنوا عن العنصر البشري تماماً.. وإلا فمن التعس الذي سيذل..
لقد كادت البطالة أن تكون هي التحدي الأكبر للإدارة النظام العالمي الجديد؛ وذلك بسبب الاعتماد شبه الكامل على الآلات..
ولما حدث التمرد الكبير من الآلات وواجهت النخبة الأممية أزمة كادت تعصف بها، لم تتمكن من إعادة الأمور إلى نصابها إلا بالعنصر البشري.. إيهاب كان أحد أبطال تلك الملحمة.. يذكر حصار مبنى الكابيتول بمقاطعة إلوسيوم.. الروبوتات تعتصم بالداخل والشرطة من الخارج.. أوقات عصيبة مضت حتى تم اقتحام الكابيتول والسيطرة على الروبوتات الشقية.. ثم حفل التكريم الذي نال فيه نوط الواجب والشرف، وامتلأت شرائحه الذكية بالنقود الافتراضية..
توقع كغيره من رجال الشرطة، أن تتغير سياسة الاعتماد على الآليين بعد حادثة التمرد تلك .. لكنهم فوجئوا حين عودتهم لوحدة مكافحة التمرد أنهم عينوا روبوت يدعى (س-600) قائداً للوحدة!..
ترك إيهاب الخنازير الألية تأكل قمامة وحدته السكنية وغادر.. بالخارج ظل يذكر نفسه .. هذه ستكون المرة الأخيرة وعليه أن يجدد الترخيص.. يمكن لتلك الروبوتات أن تهشم رأسه لو انتهى ترخيصه..
ابتسم بكأبة للدعابة وهو يتحسس شريحة النقود المزروعة تحت إبطه الإيسر.. إنه يعرف معنى تلك الذبذبات التي تدغدغه كلما تم سحب جزء من رصيده.. إنها بحاجة إلى شحن.. وعليه أن ينتظر حتى موعد الشحن الشهري..
لما خرج إلى الشارع سمع صوت حوامات التطهير تجوب السماء.. إنه الصباح حيث يتم رش سماء إلوسيوم بمواد كيماوية مثل تلك التي كانت تقتل الحشرات والآفات الزراعية بالحقول.. لكنها هنا تعمل على قتل ما بقي فيهم من آدمية..
يقولون أن هذه من ضمن برنامج النخبة للرعاية الصحية لمكافحة السلالي.. بالرغم من ذلك فإن المرض اللعين يحصدهم حصدا.. ربما لو كانوا يرشونهم بالسلالي نفسه لما كانت نسبة الإصابة ستتجاوز الرقم الحالي.. بل ربما تقل..
بعد حمام الكيماوي الذي حول المارة إلى أشباح بيضاء اتجه إيهاب إلى رصيف القطار الكهربي.. جلس بجوار النافذة ليستمتع بوميض الأضواء التي تمضي بسرعة خاطفة على جانبي القطار..
بعد ثوان قليلة سيصل إلى مقر عمله.. لديه لقاء مهم في مركز القيادة
وعليه أن يكون مستعداً..
***

الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام..
حتى الظلام.. هناك أجمل فهو يحتضن الكنانة..