عرض مشاركة واحدة
قديم 06-19-2016, 02:54 AM
المشاركة 39
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أستاذة الفزياء والكمياء ، وصول الصحوة إلى تالوين ، مقدمات المدّ الحركي الإسلامي ، أستاذة مقبولة جدّا كما زوجها ، تذكرني بمعلّمتي في تغزوت ، أحس أنّي قريب منها بشكل جيّد ، نقطي هي السبب ، وإنسانيتها هي ما يجعلها تسلب روحي ، المبادئ الأولى للفزياء بسيطة و الكمياء أيضا ، إن أنهت دروسها قد تتحفنا بحديث أو بآية قرآنية ، تستلهم منهما الخلق الحميد ، النصح الجميل ، بعض النّاس لا يستطيع التجرّد عن ذاته ، يريد للجميع أن يشاركه عالمه ، لا بأس أستاذتي ، أنت في واد و أنا في واد ، سيجارتي لا تفارقني ، انطلاقا من هذه السّنة سأكون مدخّنا محترفا ، كل ما يمتّ للاتزام بصلة ، لا تحدثني عنه ، يكفي التزمت كثيرا فيما مضى ، طفولتي كلّها التزامات ، آن للأسوار أن تتهدم ، أتلذذ بذاتي كما هي ، خارج الإطارات ، أحب التسكع ، أحب الذّهاب إلى نادي الفيديو ، هناك وجدنا عالما مختلفا ، العديد من المدخّنين ، و أشخاص تجعدت أرواحهم ، فقدت وجوههم النضارة و هم في عز الشباب ، قبل بداية الفيلم ، تتحفنا الشاشة برقصات نجاة عتابو ، أو بمباريات الفريق الوطني في المكسيك و غيرها من الأكسوسوارات في انتظار اكتمال النصاب لتشغيل الفيلم ، هناك تعلقنا ببروسلي وجاكيشان ، هناك عرفنا سطالون رامبو و شوارزينيكر ، هناك عشقنا كلينتيستوود ، هناك تعرفنا على شارل برونسون ، من الصين إلى أمريكا ، من هناك نعود إلى الهند فنرقص على إيقاعات بوليود ، مع أميتاب باتشان ، هناك رأينا الجسد و الحركة ، رأينا ، معاني مختلفة للشهامة ، رأينا عالما مدهشا حقّا ، بين الشاشة و واقعنا مسافات ضوئية ، هناك تعيش أرواحنا لحظة استراحة ، لحظة انعتاق ، لحظة انشراح . عندما نعود إلى عالمنا نشخّص الحركات ، نشخّص الرقصات ، نتحدّث بصوت البطل ، نذوب في رحاب العوالم الجديدة .
خرفت السنة و حلّ رمضان ، أول شهر سأصومه ، رفعت شعار الاستبسال والتّحدي ، بعد الزوال ، كنا بمعية أستاذ الاجتماعيات ، ذهب بنا إلى المختبر ، سنرى وثائق مهمّة على الشاشة ، يضع الوثيقة تلو الأخرى في غرفة مظلمة ، أحس روحي ستودّع ، حاولت التماسك ، سمعت رنّة خفيفة ، لكأن كأس زجاج ارتطم بالأرض و أحدث صوتا لا ينقطع ، سمعت صرخة زميلة ، وجدت رأسي تحت صنبور منفلت و زملائي يحملونني ، انتفضت في وجوههم ، وقفت على رجلاي ، نظرت نحو الجميع ، تذكرت أين أنا ، إذن أنت هكذا أيها الصوم ، لم أكن أعلم أنك ستغدر بي ، ستفضحني أمام زملائي ، كنت أكابر و أتبختر منذ الصّباح ، لكن ماذا فعلت بي ، لا بأس ، فأنا لا أزال حيّا ، أرغمني أستاذي على شرب الماء ، أحسست به يجري في أحشائي ، كاد القيء يغالبني ، أستاذي تأثر كثيرا ، قال لي : " كل يوم سأعدّ لك طعام الغداء في منزلي ، فلا تتحرّج في مرافقتي " تبسّمت و قلت له : " سأصوم يا أستاذ و لو قتلني رمضان."
عبد الله الذي كان يحتلّ المرتبة الثانية في تاركا ، عندما خرجت من عند أستاذ آخر وقد تعرق جبيني وجدته عند الحنفية ، يشكو وهو يرتوي ماء ، مالك يا عبد الله ، كدت أموت يا نورالدين ، أتقيّأ و أتقيّأ ، قلت له معزيّا: " أنا عدت من الموت ، أرسلوني لإحضارك ، تبسّم و هو يسحت الماء.
في الصيف جئت أكادير ، عمي تقني ، له مسكن مستقلّ عن عمّي عبد الله ، أصبح عمّي رجلا ، اصطحبني إلى السّينما ، أدهشني المنظر ، لم أفهم شيئا في الشريط ، كان الشّريط مبتورا ، القصّ من مميزات بعض القاعات ، لا يؤمنون بعمل المخرج ، يستعملون شرع أيديهم ، هكذا كل حياتنا ، كل الحقائق نمعن في تطويعها ، نبتر جوهرها ، نشذبها تقليما ، نريد لها أن تكون كذلك ، لا تصل إلى هنا و لا إلى هناك ، ندر أنفسنا معلقين ، هكذا أنا أيضا ، أعرف أنّني يجب أن أنجح ، لكنّني لا أجتهد بما يكفي ، أعرف أن الحياة التزام ، لكن ما الذي أفعله أشذب دعائم الالتزام ، كل شيء فينا هو هكذا ، رغم ذلك فالشريط داعب نفسي بحدة ، هتك المستور فينا ، قصد جوهر ذواتنا ، رأيتهم و رأيتهن ، في رحاب اللذة .
كان لا بدّ أن أدخّن عسى روحي تعود ، لكن عمّي بجانبي ، تذرعت بالمرحاظ ، هناك سكبت في جوفي أطنانا من الدخّان ، عمّي يعرف ماذا سيفعل ليتخلص من خدر الشّريط ، لكن يجب أن يتخلّص منّي أولا ، ما العمل ، الحافلة في الانتظار ، تذرّع أن هناك ما يشغله ، تركته و ذهبت.