عرض مشاركة واحدة
قديم 06-24-2011, 10:07 PM
المشاركة 14
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،

قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود
محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

اقتباس "

-4-

لم يكن شكي بها ليتحول ليقين لولا إني رأيتها بنفسي, لقد خرجت بذلك الفستان الأحمر الذي أعشقه, وعطرها الثمين الذي أهديته لها بمناسبة ولادتها لطفلتنا الثالثة يلاحقها كشبح.. خرَجَتْ في منتصف الليل بعد أن اطمأنت أنني أصبحت في مدينة أخرى, تتلفت يمينا وشمالا بخوف و حذر, وقعقعة كعبها العالي على الرصيف تدوي في أرجاء الحي الفارغ.. أوقفتْ أول سيارة أجرة في طريقها, واستقلتها بعجلة و بدونتفكير.

تابعتها حتى وقفت عند تلك المستشفى, و خرجت بعد نصف ساعة, أنا متأكد أنها قامت بذلك رغم إنكارها, والدليل على ذلك أنها هربت مني بعد مكاشفتها بذلك, ويحها كيف تعرفت عليه, بدون شك إنه طبيب ولادتها, شكرا لله أنني قمت بقتله, بيدي هاتين اللتين ترقصان طربا الآن, ولم أرسل أحدا ليقوم بذلك عني, آآآآآه ما ألذها من متعة, إنه بالتأكيد الانتصار.

كما هي عادته يبدأ القاص مبارك الحمود هذه الفقرة بالرقم الكودي (4)، ونجده في هذه الفقرة يحشد كم هائل من المحسنات اللغوية واللفظية والكودية ، والجمالية، لإيقاع ابلغ الأثر على ذهن المتلقي. فهو يُسَخّر من بداية الفقرة التضاد، وذلك من خلال استخدام كلمتي ( شكي + يقين ) ثم يستنفر الحواس باستخدام كلمة (رأيتها)، ثم الألوان باستخدام كلمة (الفستان الأحمر)، والتشخيص، من خلال جعل العطر وكأنه شبح يلاحق تلك المرأة، وهو لا شك تشبيه جميل للغاية، ويساهم في رسم صورة ذهنية صارخة في ذهن المتلقي، مشبعة بالألوان الحارة والتفاصيل الدقيقة المهمة في بناء المشهد وجو النص والشخصية، فلا يفوت القاص أن يصف العطر الذي يلاحق تلك المرأة كالشبح بأنه (ثمين) ورغم أنها كلمة واحدة لكنها توحي بالكثير، وكأن المتكلم بطل القصة يمارس عملية تضليل للمتلقي بهدف أقناعه بما يبرر فعل القتل لتلك المرأة، وما استخدامها للفستان الأحمر والعطر الثمين إلا أدله على خيانتها.

ثم يعود القاص لاستخدام التضاد بالحديث عن الولادة (ولادتها لطفلتها الثالثة) في جو مشبع برائحة القتل، ثم نجد القاص يستخدم كلمات لها دلالة كودية من ناحية ( طفلتها الثالثة ) وكلمات تضيف تصعيدا جديدا على جو النص وتطور الحدث، فتجعل الشد والتشويق صاعدا وبعيدا عن أي تراخي، فتلك المرأة خرجت (في منتصف الليل)، وفي ذلك تشويق وإثارة وتحفيز لحواس المتلقي، وغرائزه، واللعب على مخاوفه، لكن القاص لا يتوقف عن تقديم مزيد من الإثارة والتشويق، حيث يصف حركة المرأة وهي خارجة من المنزل بلغة تصويرية تفصيلية جميلة بالغة التأثير، وباستخدام كلمات ذات دلالة وصفيه مهولة وبالغة الأثر، تنجح في تجسيد مشهد وكأنه جزء من سيناريو لفلم سينمائي من أفلام الرعب، والمشهد يتمثل في ( امرأة تسير+ تخرج من منزل على وجه السرعة+ في منتصف الليل+ تتحرك بحذر+ وخوف+ تتلفت يمينا وشمالا + وكعبها العالي يصدر صوت قعقعة + وذلك الصوت يدوي على الرصيف + في إرجاء حي فارغ + توقف أول سيارة أجرة + تستقلها بعجلة وبدون تفكير)، وحتى هذه الكلمات ذات الدلالة نجدها تشتمل على التضاد في كلمات ( يمينا وشمالا ) و (اطمأنت + خوف وحذر) و (قعقعة + حي فارغ)، وهذا التضاد كما نعرف له بالغ الأثر على ذهن المتلقي.
كما أن الفقرة تحتوي على الكثير من الكلمات الدالة على الحركة (خرجت+ تتلفت+ قعقعة كعبها العالي+ بعجلة+ أوقفت)، وهو ما يساهم في جعل النص مشبع بالحيوية والحياة. ونجد أن القاص يستثير الحواس هنا أيضا، وهذه المرة حاسة السمع باستخدام كلمات (قعقعة + تدوي) ولا شك أن هذه الأصوات لها وقع هائل على أذن المتلقي كونها تقع في حي فارغ مما يضاعف من قوة القعقعة.

ثم يستمر القاص في تطوير الحدث وتضمينه عناصر الإدهاش والتشويق، وكأن سيناريو الفلم المرعب ما يزال مستمرا... فالبطل يتابع تلك المرأة بعد أن ركبت السيارة إلى أن وقفت عند المستشفى، ونجد هنا أن القاص يعود لاستخدام كلمات تدل على الحركة، وكلمات تساهم في زيادة حدة التشويق والإثارة ( مستشفى )، والتضاد ( دخول المستشفى ثم الخروج+ متأكد ومكاشفة و إنكار)، وكودات رقمية اضافية ( نصف ساعة).

ثم يستمر القاص في عملية خداعه للمتلقي في محاولة لجعله يصطف إلى جانب البطل، فهو يقدم مزيد من الأدلة لهذا الغرض ( والدليل على ذلك أنها هربت مني بعد مكاشفتها بذلك)، وفي السؤال الذي يطرحه القاص (ويحها كيف تعرفت عليه؟) ما يساهم في زيادة حدة الإثارة والتشويق، ثم استخدام للتضاد من جديد( متأكد + بدون شك، والولادة والقتل)، ثم نجد أن القاص يفجر ومن دون سابق إنذار أو تلميح قنبلة ذهنية جديدة مزلزلة، تتمثل هذه المرة في التصريح بأن البطل كان لتوه قد انتهى من قتل الطبيب الذي يظن بأنه يقيم علاقة مع زوجته، دون أن يقدم أي معلومات تفصيلية عن شخصية الطبيب، وذلك بهدف عدم تشتيت انتباه المتلقي وجعل الأضواء في كليتها تتمحور حول شخصية البطل فقط، لذلك نجد أن القاص قد عاد ليقدم للمتلقي المزيد من المعلومات عن شخصية البطل تلك، والتي تخدم في تعزيز الصورة الذهنية التي سبق ونجح في رسمها وبلورتها في ذهن المتلقي، فيقدم مزيد من الإشارات التي تؤكد سادية البطل فها هي يداه ترقصان( طربا ) لقتل الطبيب، وهي كلمة مرادفة للذة، وفي ذلك تشخيص لليدين وكأنها تقوم بفعل الرقص بذاتها، ثم يعود القاص ليصف ما يشعر به البطل على اثر قلته للطبيب بيدية (باللذة والمتعة والانتصار)، وهي كلمات تدلل على ساديته المفرطة.

وهنا نجد أن القاص قد نجح فعلا في تطوير الحبكة وجعلها أكثر تعقيدا وإدهاشا، كما احدث تطويرا على الشخصية الرئيسية، فظلت دينامكية نامية متطورة ولو من ناحية الحديث عن ساديه البطل التي برزت بشكل واضح بقتله للطبيب بتلك الطريقة البشعة وتلذذه بذلك القتل.

كما أننا نجد بأن القاص نجح في المحافظة على أسلوب غاية في الشد والإدهاش والتشويق فلا تراخي أبدا في الحبكة أو الوصف أو بناء الشخصية حتى أننا نلمس ذلك الشد في كل جانب من جوانب النص، وبما في ذلك تكرار حرف الألف في كلمة ( آآآآآه ) خمسة مرات بينما اكتفى بتكرار الحرف في الفقرة الثانية (آآآه) ثلاثة مرات فقط.


وفي ذلك ما يشير إلى أن القاص مبارك الحمود يعي تماما أهمية جعل الحدث في القصة القصيرة صاعدا، متطورا، محبوكا بحرفية، وتكثيف، ودون تراخ، أو حشو، أو تفصيل، أو تشتيت. والكتابة عنده تشبه تسلق صخرة كما يقال...وهو على ما يبدو يخطط لذلك قبل البدء في الكتابة، وهو حتما ينجح بشكل كبير في تحقيق مبتغاة في إبداع قصة فذة، مدهشة، ومكثفة، وغاية في التأثير والادهاش...أو ربما انه وحينما يبدأ في الكتابة يتولى عقلة الباطن بقواه البوزيترونية المذهلة السيطرة على العملية الإبداعية لديه، فتخرج نصوصه بهذا العمق والتعقيد الفني المدهش، والذي هو في غاية الجمال والإبداع والتأثير.

يتبع ،،