عرض مشاركة واحدة
قديم 06-23-2011, 03:18 PM
المشاركة 13
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،

قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود
محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

اقتباس "

-3-

ها هي المسافة تنقسم نصفين, إني أتحرق شوقاً لرؤية وجهها المتفاجئ برؤيتي, المرتعب و الخائف, وشحوبه الذي يزداد شحوبا.. اهدئي يا طبيعة المسافة ولا تستعجلي, دعيني أستمتع أكثر وأكثر بلحظاتي هذه.. سأقف لأخذ وجبة صغيرة, لا أشعر بالجوع و لكنها المتعة, إني أعشق الانتقام و خصوصا إذا كان شديدا, وأتى بعد ألم.. كيف تجرأت أن تفعل ذلك!, إنه شيء لم أعهده منها, الجرأة في فعل شيء يغضبني, قد يكون حبي ودلالي المبالغ لها هوالسبب!.

يبدأ القاص الفقرة الجديدة بالرقم (3) وهي لغة كودية كونيه، ويستهل حديثه فيها بما يشير إلى فعل الحركة أيضا من خلال ذكره للمسافة التي تنقسم إلى قسمين وفي ذلك تشخيص للمسافة، وكأنها أصبحت شيء قابل للقسمة إلى نصفين، وهو لا شك تعبير جميل وبليغ يصف القاص فيه وصول البطل إلى منتصف الطريق الذي يبلغ طوله كما أعلمنا في بداية القصة 279 كيلومتر ليتوقف هناك ( عكس الحركة).

وهناك وعند تلك النقطة نجد القاص وعلى لسان بطل القصة يستنفر في المتلقي حواسه، فيكاد يشعر بلهيب الحريق الذي هو في الواقع شوق البطل لرؤية وجه تلك المرأة وقد تفاجأ برؤيته هو، وفي ذلك أيضا استنفار لحاسة البصر عند المتلقي وعند بطلي القصة حينما تتقابل عيونهما (إني أتحرق شوقاً لرؤية وجهها المتفاجئ برؤيتي)، ثم نجد القاص قد استخدم كم كبير من الكلمات الدالة لرسم وجه تلك المرأة في خيال المتلقي بحرفية كبيرة، وذلك من خلال تسخير الوصف التفصيلي وكأنه يستخدم ريشة فنان ..فوجهها مرتعب، وخائف، وشاحب، لكنه يزداد شحوبا..وفي ذلك تصعيد مقصود للحدث بهدف شد المتلقي وتشويقه وتوريطه أكثر فأكثر فيما يدور، وفي نفس الوقت تصوير وتهيئة المشهد بما يتناسب مع عملية القتل المرعبة بالمنشار الكهربائي.

ثم نجد القاص يُسَخّر التناقض والتضاد من جديد، وذلك بطلبه من طبيعة المسافة، والتي يخاطبها وكأنها شخص يدرك لما يقول، بأن تهدأ ولا تستعجل رغم حالة الاستعجال التي أبرزها القاص عند البطل في بداية القصة فيما يتعلق بالمسافة، حتى انه يكاد يتمنى لو أن بإمكانه التحكم في قوانين الفيزياء لتقريب المسافة، فها هو يطلب من المسافة أن تهدأ ولا تستعجل ولكننا مع تطور الحدث ندرك سبب طلب البطل ذلك من طبيعة المسافة؟ فهو يريد أن يستمتع بالوقت (دعيني أستمتع أكثر وأكثر بلحظاتي هذه) وفي ذلك مزيد من الرتوش التفصيلية التي تساهم في استكمال بناء شخصية البطل، وفي هذه التفاصيل ما يؤكد على إننا بصدد بطل سادي الطبع والمزاج فهو يريد من المسافة أن تطول لأنه يشعر بلذة الموقف لا بل يريد أن يستمتع أكثر وأكثر باللحظات التي هي في الواقع لحظات قتل ورعب، ثم نجده يتوقف في ظل تلك الظروف لتناول وجبه صغيرة! رغم انه لا يشعر بالجوع، وفي ذلك تسخير للتضاد، لكننا نعرف أن سر توقفه لتناول الوجبة هو المتعة أيضا، وهو مؤشر تفصيلي آخر على سادية البطل، والذي يبدو بأنه عبد لغرائزه ( الغريزة العدوانية وغريزة الجوع ) فنجده وعلى الرغم من هول الموقف وكأنه يحتفل بالقتل ويستمتع في كل لحظة من اللحظات لا بل هو يقيم احتفال ليطيل المسافة رغم إدراكه بأنها تخضع لقوانين الفيزياء، ويطيل الزمن ليشعر بمزيد من اللذة والانتصار.

ولا يتوقف القاص عند ذلك بل هو يصعد في وصف سادية البطل أيضا، كما يصعد من بناء الحدث بجعله أكثر شدا وتشويقا من خلال استخدام صيغة المبالغة (أكثر وأكثر). ونجد القاص يقول على لسان البطل (إني أعشق الانتقام و خصوصا إذا كان شديدا, وأتى بعد ألم)، وهي عبارة مباشرة ومعبرة للغاية عن سادية البطل المفرطة، فهو لا يصرح بأنه يعشق الانتقام فقط ولكنه يضيف على ذلك (إذا كان شديدا واتى بعد الم)، ولا شك أن القاص قد أجاد في رسم شخصية البطل بشكل كبير، وأتقن تحديدا تصوير ورسم الجانب النفسي من الشخصية فها نحن بصدد شخص سادي يتلذذ بالقتل ...يحمل في يده منشار كهربائي ويستعجل المسافة، لكنه يطلب منها أن تهدأ ولا تستعجل لتطول لحظات متعته واحتفاله بالانتصار. وباستخدام كلمتي تجرأت والجرأة في فعل شيء ...( كيف تجرأت أن تفعل ذلك!, إنهشيء لم أعهده منها, الجرأة في فعل شيء يغضبني) نجد تفاصيل إضافية يستخدمها القاص لاستكمال بناء شخصية البطلة بقصد منحها صفة الندية، وبهدف تضخيم حدث القتل الذي سيقوم به البطل.. ذلك لان البطل سيقوم على قتل امرأة قوية وقادرة وجريئة لابد أنها خانته مع سبق الإصرار والترصد وعن وعي وإدراك وتخطيط فاستحقت القتل، وليست امرأة مسكينة ضعيفة لا حول لها ولا قوة.

وفي العبارة الأخيرة من هذه الفقرة يعود القاص ليخبرنا بأننا بصدد بطل مثقف، فهو يورد لنا قانون آخر من قوانين الفيزياء وهو قانون السببية (قد يكون حبي ودلالي المبالغ لها هوالسبب!)، فهو يعرف أن وراء كل نتيجة سبب. ولا شك أن ذلك جاء عن دراية وقصد من قبل القاص ويهدف إلى إبراز صراع من نوع آخر، كون الصراع هذه المرة داخلي في نفس بطل القصة، ويتمثل في الصراع بين الإدراك والعلم والثقافة والوعي من ناحية والغزيرة أو ربما الطبع السادي الذي يسيطر على البطل من ناحية أخرى.

لا شك أن القاص نجح من خلال هذه الفقرة في تصعيد البناء في حبكة القصة وقد جاء هذا الحدث مساند لما قبله ومطورا له، كما انه وباستخدام كلمات ذات دلالة جعل الحدث صاعدا، وجعله أكثر تشويقا وشدا...كما نجح القاص في استكمال رسم شخصية البطل المحورية وهو ما يتقنه مبارك الحمود جدا، لكنه لم يغفل أن يضيف بعض الروتوش على الصورة الذهنية لشخصية البطلة التي تظل ثانوية لتصبح بارزة من حيث صفاتها وبما يخدم تطور الحدث وجعله مهولا مزلزلا كونه يمثل صراع بين ندين في القدرة.

يتبع،،