عرض مشاركة واحدة
قديم 08-10-2010, 05:46 AM
المشاركة 3
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: الفتنة الكبري (بالروايات الصحيحة فقط )
رابعا :
تولى الإمام علىّ فى ظل ظروف الفتنة القائمة وكان أهم ما يشغله أن يطهر المدينة من الشراذم التى شاركت فى القتل ثم يبدأ فى البحث والتحقيق عن قتلته للقصاص , لا سيما أن الفاعلين كانوا مجهولين بأعيانهم وكل ما عرفه الإمام علىّ أنهم شراذم من البصرة والكوفة ولكن الرأس المدبر لم يكن واضحا
وأرسل الإمام علىّ بولاته للأمصار راجيا أن تستتب الأمور أولا قبل الشروع فى تحقيق القصاص
ولكن طلحة والزبير طالباه بسرعة القصاص خوفا من أن يتكرر انفلات الأمور ويفلت الجناة بفعلهم أو يحتموا بقبائلهم كما حدث فعلا بعد ذلك .
فرفض الإمام علىّ التعجل لا سيما وأنه كان يفتقد القوة العسكرية اللازمة لتطهير المدينة , فاستأذن طلحة والزبير رضي الله عنهما للخروج إلى مكة وخرجا فعلا وهما ينويان تشكيل جيش يأخذون به القصاص من الذين فروا بفعلتهم إلى الكوفة والبصرة وهناك التقوا مع أم المؤمنين عائشة التى وافقتهم الرأى على ضرورة الأخذ بثأر الخليفة الشهيد بعد أن تزلزل كيانهم من الفعل الشنيع , وبعد أن زج المنافقون بأسماء الصحابة فى مؤامرة تشويه الخليفة الراشد فزوروا خطابات بأسماء على وطلحة والزبير وعائشة تدعو الناس إلى قتال عثمان ,
وهذا مما زاد من غضب الصحابة رضي الله عنهم
وخرج جيش طلحة والزبير والسيدة عائشة إلى العراق بهدف إدراك حق عثمان من الذين فروا ولم ينتبهوا إلى أن رءوس الفتنة لا زالوا مندسين بالمدينة وفى قلب الجيش الذى شرع الإمام علىّ فى تشكيله
ووردت أنباء جيش طلحة والزبير للإمام علىّ فشد الرحال إلى العراق ليري الأمر وأدركهم هناك بعد أن خاضوا جولة أو جولتين وتفهم الطرفان الموقف واتفقا على اتحاد الجيشين والعمل تحت قيادة واحدة
ومن أعظم الإفك ما رددته الروايات المألوفة من أصحاب الفتن من أن جيش أم المؤمنين خرج بنية الخروج على الإمام علىّ ونقض بيعته , وكيف يكون ذلك وقد خرج الجيش إلى العراق أساسا , بينما الإمام على فى المدينة !
وبالإضافة لتلك الروايات زاد الرواة إشاعة شهيرة وهى أن طلحة والزبير شهدا شهادة زور أمام أم المؤمنين عند ماء الحوأب وهذا من الإفك المبين الذى لا أصل له فى نقل ولا عقل " "
ونعود للقصة الحقيقية حيث التقت أطراف التفاوض لتسوية الأمر وهو ما تم فعلا
وكما يقول بن كثير (بات المؤمنون بخير ليلة وبات المنافقون بشر ليلة ) "11"
فعندما بلغت أنباء التفاهم بين الطرفين آذان عبد الله بن سبأ وزمرته أدركوا على الفور أن هذا التصالح سيمنح الفرصة للإمام علىّ فى كشف الأمر واستخراج القتلة من جيشه بسهولة بعد استقرار الأمور
فما ضيعوا وقتا , وعملت كتيبة منهم على اقتحام جيش طلحة والزبير ليلا وهم نيام وأعملوا فيهم طعنا وقتلا ونادوا بأن جيش علىّ غدر بهم وفى جيش الإمام علىّ فى نفس التوقيت فعلت كتيبة أخرى المثل واشتعلت المعركة على حين غرة

وهذه كل الروايات المثبتة فى شأن وقعة الجمل من كتب التاريخ المحققة

* يقول الباقلاني ( التمهيد فى الرد على الملحدة ـ 223)

وقال جلة من أهل العلم إن الوقعة بالبصرة بينهم كانت على غير عزيمة على الحرب بل فجأة، وعلى سبيل دفع كل واحد من الفريقين عن أنفسهم لظنه أن الفريق الآخر قد غدر به، لأن الأمر كان قد انتظم بينهم وتم الصلح والتفرق على الرضا، فخاف قتلة عثمان من التمكن منهم والإحاطة بهم ، فاجتمعوا وتشاوروا واختلفوا، ثم اتفقت أراؤهم على أن يفترقوا ويبدؤوا بالحرب سحرة في العسكرين ،
ويختلطوا ويصيح الفريق الذي في عسكر علي: غدر طلحة والزبير، ويصيح الفريق الآخر الذي في عسكر طلحة والزبير: غدر علي، فتم لهم ذلك على ما دبروه، ونشبت الحرب، فكان كل فريق منهم مدافعاً لمكروه عن نفسه، ومانعاً من الإشاطة بدمه، وهذا صواب من الفريقين وطاعة لله تعالى إذا وقع، والامتناع منهم على هذا السبيل، فهذا هو الصحيح المشهور، وإليه نميل وبه نقول

* يقول ابن العربي فى ( العواصم من القواصم ص159 )

وقدم علي البصرة وتدانوا ليتراؤوا، فلم يتركهم أصحاب الأهواء، وبادروا بإراقة الدماء، واشتجر بينهم الحرب، وكثرت الغوغاء على البغواء، كل ذلك حتى لايقع برهان، ولا تقف الحال على بيان، ويخفى قتلة عثمان، وإن واحداً في الجيش يفسد تدبيره فكيف بألف

* يقول ابن حزم (الفصل في الملل والأهواء والنحل 4/238-239 )
وأما أم المؤمنين والزبير وطلحة - رضي الله عنهم - ومن كان معهم فما أبطلوا قط إمامة علي ولا طعنوا فيها... فقد صح صحة ضرورية لا إشكال فيها أنهم لم يمضوا إلى البصرة لحرب علي ولا خلافاً عليه ولا نقضاً لبيعته ... وبرهان ذلك أنهم اجتمعوا ولم يقتتلوا ولا تحاربوا، فلما كان الليل عرف قتلة عثمان أن الإراغة والتدبير عليهم، فبيتوا عسكر طلحة والزبير، وبذلوا السيف فيهم فدفع القوم عن أنفسهم فرُدِعُوا حتى خالطوا عسكر علي، فدفع أهله عن أنفسهم، وكل طائفة تظن ولا تشك أن الأخرى بدأتها بالقتال، فاختلط الأمر اختلاطاً لم يقدر أحد على أكثر من الدفاع عن نفسه، والفسقة من قتلة عثمان، لعنهم الله لا يفترون من شب الحرب وإضرامها

*: ويقول ابن كثير (البداية والنهاية 7/5.)
واصفاً الليلة التي اصطلح فيها الفريقان من الصحابة: وبات الناس بخير ليلة، وبات قتلة عثمان بشر ليلة، وباتوا يتشاورون، وأجمعوا على أن يثيروا الحرب من الغلس

*: ويقول ابن أبي العز الحنفي ـ شرح العقيدة الطحاوية( ص723)
فجرت فتنة الجمل على غير اختيار من علي ولا من طلحة والزبير، وإنما أثارها المفسدون بغير اختيار السابقين
أما القول في أنها خرجت من بيتها،وقد أمرها الله بالاستقرار فيه في قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولـى }
فالرد عليه:
أن عائشة -رضي الله عنها- إنما خرجت للصلح بين المسلمين، ولجمع كلمتهم، ولما كانت ترجو من أن يرفع الله بها الخلاف بين المسلمين لمكانتها عندهم، ولم يكن هذا رأيها وحدها ،بل كان رأي بعض من كان حولها من الصحابة الذين أشاروا عليها بذلــك
يقول ابن العربي :
( وأما خروجها إلى حرب الجمل فما خرجت لحرب، ولكن تعلق الناس بها وشكوا إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة وتهارج الناس، ورجوا بركتها في الإصلاح وطمعوا في الاستحياء منها إذا وقفت للخلق، وظنت هي ذلك، فخرجت مقتدية بالله في قوله:
( لاخير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس)
وبقوله تعالى
( وإن طائفتان من المؤمنين أقتتلوا فأصلحوا بينهما )
هذا والآية نفسها ترد على من اتهم أحد الطرفين بالخروج عن الإسلام أو الفسق حيث أن نص الآية يقول
( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ] {الحجرات:9[
أى أن القتال بين طوائف المسلمين لا ينفي عنهما الإيمان فضلا عن الإسلام وهذا أمر منطقي فى حالة اقتتال طائفتين تحسب كل منهما باجتهاد المخلص أنها على الحق

وقد صرحت عائشة نفسها بأن هذا هو سبب خروجها، كما ثبت ذلك عنها في أكثر من مناسبة وفي غير ما رواية.

فروى الطبري أن عثمان بن حنيف - رضي الله عنه -

( وهو والي البصرة من قبل علي بن أبي طالب أرسل إلى عائشة -رضي الله عنها- عند قدومها البصرة من يسألها عن سبب قدومها، فقالت: ( والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم، ولا يغطّي لبنيه الخبر، إن الغوغاء من أهل الأمصار، ونزاع القبائل، غزوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحدثوا فيه الأحداث، وآووا فيه المحدثين، واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر، فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه، وانتهبوا المال الحرام، وأحلوا البلد الحرام، والشهر الحرام، ومزقوا الأعراض والجلود، وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم، ضارين مضرين غير نافعين ولا متقين، ولا يقدرون على امتناع ولا يأمنون، فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا، وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا، وقرأت:
{لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس}
فنهض في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصغير والكبير والذكر والأنثى، فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ونحضكم عليه، ومنكر ننهاكم عنه ونحثكم على تغيــــيره ) ـ انتهت الرواية ــ

وهكذا ومن خلال اتفاق أهل التحقيق نفهم أن القتال شجر على غير إرادة الطرفين فيه
وعبثا حاول علىّ وطلحة والزبير تدارك الأمور فلم يفلحوا حتى انتهت المعركة بسقوط عشرات القتلى بين الفريقين وسيطر الإمام علىّ على الأمور بصعوبة وقام بتأمين أم المؤمنين عائشة وردها سالمة إلى المدينة المنورة ثم التفت إلى جيشه واتخذ الكوفة عاصمة له فى أكبر خطأ ارتكبه الإمام وندم عليه فيما بعد

لم يكن جيشه يحوى من الصحابة الكثير بل كانت الغالبية العظمى منه من أهل الكوفة وفيهم من شارك بنفسه فى قتل عثمان رضي الله عنه وهؤلاء مثلوا صداعا فى رأس الإمام علىّ لكونهم أهل نفاق فضلا على أن رءوس الفتنة بينهم تقوم بواجبها على أكمل وجه فعاش الإمام علىّ بينهم أسوأ سنوات عمره
وقد تشوهت وقائع معركة الجمل وحملت اتهامات عديدة لأم المؤمنين وطلحة والزبير ولها من روايات الشيعة الباطلة
وثبتت أقوال الإمام على بحق الكوفة وأهلها وسبه لهم لعصيانهم له وخذلانهم لأمره وهم يزعمون أنهم شيعته وأحبابه

فى تلك الفترة بالذات بدأت جذور فكرة التشيع الفارسي العقدى حيث أعلن بن سبأ أن الإمام علىّ كانت له الخلافة حصرا بعد النبي عليه الصلاة والسلام وأنه وصيه كما كان يوشع بن نون وصي موسي عليه السلام
كما كان بن سبأ أول من أظهر السب والطعن بحق أبي بكر وعمر ونشره بين أهل الكوفة
فبلغ هذا الكلام مسامع الإمام علىّ فصعد المنبر وهو يقبض على لحيته ودموعه تسيل على خديه وتبللها وقال خطبته الشهيرة التى بدايتها
( ما بال أقوام تتناول حبيبا رسول الله عليه وسلم وصاحباه ورجلى الإسلام )
كما ثبت عنه من ثمانين وجها أنه قال على المنبر
( من يفضلنى على الشيخين جلدته حد المفترى )

وهم بقتل عبد الله بن سبأ لولا أن أقنعه بعض أصحابه أنه من قال ذلك عن طيش فتركه , فذهب هذا الملعون ينشر أول أقوال عقيدة التشيع وهى عقيدة الإمامة والوصاية بالوراثة على الدين وأن الأئمة محددين نصا وأنهم معصومون إلى غير ذلك من الأفكار التى وجدت فى البيئة الفارسية مرتعا كبيرا
ثم دخل الإمام علىّ فى أمر معاوية رضي الله عنهما , وهى المسألة التى حظيت بأكبر قدر من التشويه على مدى التاريخ الإسلامى حيث حفلت بالأكاذيب التى حققها المحدثون وبينوها
وأصل الخلاف بينهم لم يكن على الخلافة من قريب أو بعيد ولم يجرؤ معاوية طيلة حياة الإمام علىّ أن يطلب لنفسه الخلافة بل وضع شرط القصاص أمام قبوله بيعة الإمام علىّ
ورفض الإمام على هذا الشرط وأصر على أن يبايعه أولا ثم يطلب القصاص باعتباره ولى دم عثمان , وكانت وجهة نظر واجتهاد الإمام على هى الصواب وكان معاوية أيضا مجتهدا فيما ذهب إليه وإن لم يكن الحق معه كما كان مع علىّ
والقتال بينهما احتوته الآية الكريمة
{ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ {الحجرات:9}
فليس معنى وقوع القتال بين جبهتين أن أحدهما فاسق أو كافر بل جعل اله الوصف للفرقتين هو وصف المؤمنين والبغي المذكور فى الآية لا يعنى التكفير من قريب أو بعيد
يدل على ذلك أيضا ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام عن الإمام الحسن الذى صالح معاوية فيما بعد فبشر النبي عليه السلام بذلك وقال :
( إن ابنى هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)
وقال النبي عليه الصلاة والسلام عن الفئتين أيضا
( تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق )

والفرقة المارقة المقصودة هى الخوارج الذين خرجوا على الإمام علىّ فى حرب صفين فقاتلهم علىّ فى معركة النهراون وهزمهم والنبي عليه الصلاة قال أن الذى يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق
معنى هذا أن كلا الطائفتين على ومعاوية كان يجتهدان لبلوغ الحق لا الحكم والدنيا وأن اجتهادهما مأجور والأقرب للصواب هو جانب الإمام علىّ
فأول التزوير والتلفيق
كان فى اتهام معاوية أنه سعي للحكم وهو ما يثبت من أى وجه وفى أى رواية أنه سمى نفسه أميرا فى مواجهة على بن أبي طالب بل ثبت العكس وهو إقراره بفضله ولكنه طلب دماء عثمان أولا
وثانى أوجه التزوير
تمثل فى أن رواة الشيعة أوضحوا أن الطرفين كانا يلعنان بعضهما وهو كذب وزور مفضوح حيث رفض الإمام علىّ سب الخوارج أنفسهم رغم ظهور فسقهم فكيف بأهل الشام , وكان يراهم متأولين وينهى أصحابه وجيشه عن سبهم وكان يقول ( قولوا اللهم أصلح ذات بيننا وبينه )
وثالثة الأسافي فى التزوير
هى انتشار قصة التحكيم المكذوبة الشهيرة التى تداولتها الألسن وهى من رواية لوط بن يحيي الكذاب المشهور وتحمل طعنا فى معاوية وأبي موسي الأشعري وعمرو بن العاص وما جرى منها فى الواقع شيئا
فقد نادى معاوية فريق علىّ بالاحتكام لكتاب الله فقبل علىّ على الفور ولم يجادل كما صورته كتب الشيعة وأرسل لهم أبا موسي ومعه عبد الله بن عباس وتقابل عن جبهة الشام معهم عمرو بن العاص ولم يستغرق النقاش طويلا حتى اتفق الطرفان عمرو وأبو موسي على أن يكون أمر قتلة عثمان ـ لا أمر الخلافة ـ فى يد جبهة مستقلة من الصحابة الذين لم يشاركوا فى القتال
وهذه هى الرواية الصحيحة التى رواها الدارقطنى ونقلها عنه القاضي أبو بكر بن العربي فى (العواصم من القواصم ) وبين مدى الافتراء فى الرواية الباطلة للتحكيم والتى قالوا فيها أن عمرو خدع أبا موسي وأنه كان مغفلا وأنهما كان يناقشان أمر الخلافة إلى غير ذلك من الأكاذيب المشتهرة "13"
وقبل عمرو بن العاص بقرار أبي موسي , ولكن الطرفان على ومعاوية لم يقبلا بالحكم وتجدد الخلاف بينهما
ولكن الخلاف لم تنشأ عنه معركة أخرى حيث استشهد الإمام علىّ بيد عبد الرحمن بن ملجم الخارجى وتولى بعده الإمام الحسن الذى كان حاضرا مع أبيه تلك المشاهد ولقي من أهل الكوفة الإيذاء بما فيه الكفاية فرفض القتال وأرسل لمعاوية للصلح , ولما علم الشيعة من حوله بذلك طعنوه فى فخذه وأهانوه وسموه مذل المؤمنين فصمم على البيعة لمعاوية وهو ما تم بالفعل بعد ذلك لتجتمع الأمة فى عام
الجماعة على البيعة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم جميعا

وقد راجت عدة أكاذيب حول موقعة صفين وبحق الصحابيين الجليلين عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان منها

* أن عمرو بن العاص تحالف مع معاوية ف طلب الخلافة مقابل ولاية مصر , وهذا من الكذب الغير سائغ لأن أصل مطالبة معاوية بالخلافة ما ثبت من أى وجه فكيف يتفق معاوية مع عمرو على شيئ لم يتحقق أصلا ولا كان معاوية طالبا إياه فى حياة الإمام على أبدا
وعن أبي مسلم الخولانى أنه دخل على معاوية فقال له
( أنت تنازع عليا أأنت مثله )
فقال معاوية
( لا والله إنى لأعلم أن عليا أحق وأفضل بالأمر ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما وأنا بن عمه وأنا أطلب بدمه فاتوا عليا فقولوا له أن يدفع لى قتلة عثمان وأسلم إليه الأمور )
وتكمل الرواية ( فأتوا عليا فكلموه فأبي عليهم ـ أى رفض عرض معاوية ـ ولم يدفع القتلة ) "14"
هذا مع ملحوظة أن معاوية لم يبدأ بقتال أبدا ولم يخرج على الإمام علىّ بسيفه ولكن رهن البيعة بتنفيذ مطلب القصاص وهو حق مشروع كفله الله تعالى لولى الدم فى قوله تعالى
[وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي القَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا] {الإسراء:33}
أى أن لولى الدم سلطان فى مطالبته بحق القتيل , وهذا ثابت بحق معاوية ولم يجادل به أحد
أما إن قيل أن معاوية ليس هو ولى دم عثمان على اعتبار أن أبان بن عثمان على قيد الحياة وهو أحق بدم أبيه فيرد عليه بأن التشريع الإسلامى فى القصاص جعل ولاية الدم رهنا بالقدرة لا بقرب القرابة , وبالتعبير الدارج أن ولى الدم هو كبير العائلة التى ينتمى إليها القتيل وهذا باتفاق الفقهاء كما نقل بن قدامه وغيره

أما بشأن عمرو بن العاص رضي الله عنه فهو أحد المهاجرين وأسلم طوعا وينسحب عليه من الفضائل ما ينسحب على سائر المهاجرين , وقد مدحه النبي عليه الصلاة والسلام فى قوله ( نعم المال الصالح للعبد الصالح )
وقال فيه وفي أخيه سعيد بن العاص ( ابنا العاص مؤمنان )
فهذا شهادة المعصوم عليه الصلاة والسلام بالإيمان والصحبة والفضل لعمرو بن العاص فاتح الشام ومصر , وتلك الشهادة لا تنقضها روايات الكذابين التى ادعت أنه باع دينه بدنياه
ومن المختلقات والكذب أيضا أن على بن أبي طالب طلب من معاوية المبارزة فأيهما قتل صاحبه صارت الخلافة إليه ,
وهذا طعن فى على رضي الله عنه أنه ينازع بالقتال على الخلافة , فواضعوا هذه الروايات من الزنادقة لم ينتبهوا أنهم يسيئون إلى على بأكثر مما يسيئون لمعاوية حيث جعلوه فى معرض المنافسة الدنيوية على الخلافة ,
وتكمل الرواية المختلقة أن عمرو بن العاص هو الذى برز للإمام على وقاتله الإمام وهزمه فلما أحس عمرو بالهزيمة كشف عن عورته أمام على ليتركه ,
وهذا كله كذب صراح
وتلك الروايات تناسب أخلاق الأعاجم الذين وضعوا أمثال تلك الأساطير دون أن يدركوا طبيعة المجتمع العربي والذى كان فى الجاهلية فضلا على الإسلام يموت دون كرامته ولا يفقدها
فلما جاء الإسلام تمم تلك الأخلاق والمكارم , ولو جاز لنا أن نتصور حدوث مثل هذا الفعل من محارب عتيد مثل عمرو بن العاص لكنا بذلك نطعن فى شهادة النبي عليه الصلاة والسلام فيه , بالإضافة إلى أن هذا الفعل ما كان ليفعله عبد رقيق وليس رجل بمروءة عمرو بن العاص وكرامته واعتزازه
هذا فضلا على أن الإمام على لم يطلب مثل هذه المبارزة من الأساس وهى من مختلقات أبي مخنف

* من المختلقات أيضا أن معاوية بن أبي سفيان أمر بسب علىّ بن أبي طالب على المنابر وزادوا فى الرواية أن بنى أمية ظلوا مدة خلافتهم يسبون عليا رضي الله عنه سبعين عاما حتى جاء عمر بن عبد العزيز فأبدل ذلك الأمر
وهذا من ناحية السند ساقط لا أصل له وأورده الشيعي المعروف أبو الفرج الأصفهانى فى كتابه الأغانى , وهو كتاب مسامرات لا كتاب تاريخ يعتد به فضلا على خلوه من الأسانيد المتصلة أو الصحيحة بالإضافة لشيعية صاحبه
أما من ناحية المتن ,
فمشكلة تلك الروايات أنها تتفق جميعا فى ضحالة فكر من ألفها , فالذى ينظر إلى صحاح السنة يجد فضائل على بن أبي طالب رضي الله عنه ملئ السمع والبصر وهى مكتوبة ومروية فى العهد الأموى فكيف يسبونه على المنابر ويشجعون العلماء على إبراز تلك المرويات
هذا فضلا على أن الطاعنين بتلك الروايات يتجاهلون أن الإمام الحسن بايع معاوية بالخلافة راضيا وعهد إليه معاوية بولاية العهد فكيف جاز للحسن أن يسلم أمر المسلمين لرجل غير صالح فضلا على أنه يسب أباه ؟!
وثبت حتى من كتب الشيعة أنفسهم أن الحسن والحسين رضي الله عنهما كانا يفدان على معاوية كل عام فيستقبلهما بالإعزاز والإكرام , فكيف يستقيم هذا مع أمره بسب أبيهما , "15"
ثم أين بنو هاشم وأين الصحابة من هذا الفعل وهم الجيل الذين امتدحهم الله تعالى لأنهم يأمرون بالمعروف وينكرون المنكر !
إنما الثابت الصحيح أن السب كان من جهة الخوارج ومن جهة النواصب الذين تخلفت عنهم الفتنة
أما ما يستشهد به الشيعة اليوم من رواية صحيح مسلم أن معاوية أمر سعد بن أبي وقاص بسب علىّ
فهذا كذب والرواية فى صحيح مسلم لا تحمل أمرا من معاوية بالسب بل تحمل استفسارا حيث يقول معاوية لسعد
( ما منعك أن تسب أبا تراب )
فأجابه سعد بترديد فضائل على بن أبي طالب وانتهى الحوار إلى هذا الحد فالأمر كان استفهاما من معاوية عن إنكار سعد لسب السبابين فجاء جوابه بالسبب , تماما كما نسأل نحن فى عصرنا الحالى أى داخل جديد فى الإسلام ( ما الذى دفعك للإسلام ؟ )
فالغرض معرفة السبب وإلا كان هذا السؤال بناء على مقاييس الرافضة يحمل أمرا للمهتدى بالردة عن الإسلام !

* ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه صحابي ثابت الصحبة ويثبت بحقه من الفضائل ما يثبت لسائر لصحابة فضلا على أنه كان من كتبة الوحى بين يدى النبي عليه الصلاة والسلام وصح عنه أنه قال عن معاوية ( اللهم اجعله هاديا واهد به ) "16"
وقد حكم بلاد المسلمين عشرين عاما تمر كالبلسم فى تاريخ الإسلام ازدادت فيه الفتوحات واستقر أمر الدولة ,
وقد قيل لعبد الله بن المبارك ( من أفضل معاوية أم عمر بن العزيز )
فقال بن المبارك ( تراب فى منخرى معاوية مع رسول الله عليه الصلاة والسلام خير من عمر بن عبد العزيز )
وهذا لما فى فضل الصحبة من مكرمة جعلها الله سبحانه وتعالى حقا لهذا الجيل الفريد
أما أخطاؤه , فكان منها أن أخذ البيعة ليزيد من بعده وكان يظنه صالحا وكفؤا للأمر , ولكنه ما أجبر مخلوقا على البيعة لولده , بل عرض البيعة له فقبلها من قبلها ورفضها من رفضها وكان الرافضون أقل فانعقدت ليزيد ,
ويزيد كان فى حياة أبيه يختلف عن فترة حكمه كما ثبت من شهادة محمد بن على بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية , حيث كان يظهر التقوى والصلاح وله سداد رأى , بيد أنه بعد توليه الخلافة ظهر منه نزوعه للدنيا , وهو من ولاة الأمر الفاسدين فى الخلافة
بعكس أبيه الذى ثبت فضله من أكثر من وجه ,

فهذه هى قصة الفتنة من وقائع مصادرها المحققة , بعيدا عن روايات التزييف المعهودة ,
وموقف أهل السنة والجماعة من خلاف على ومعاوية رضي الله عنهما هو الموقف الواضح أن ما جرى بينهما قتال بين طائفتين من المؤمنين , كان الحق فيه لعلى بن أبي طالب ومعاوية كان مخطئا فى اجتهاده ,
وأصل عقيدة السنة أيضا هو السكوت عما شجر بين الصحابة , ووضع ما بدر منهم فى الفتنة من أخطاء موضعها الصحيح , فنحن لا ندعى فيهم العصمة لكن بالمقابل نرفض تلويث هذا الجيل بروايات مختلقة تخالف الواقع وتخالف صريح القرآن
وولايته ضمن الفترة التى امتحدها النبي عليه الصلاة والسلام فى حكم المسلمين حيث كان معاوية أول ملوك الإسلام
فالحديث الصحيح يقول :
( تكون الخلافة بعدى ثلاثون عاما ثم تكون ملكا ثم تكون حكما وجبرية )

فالممدوح هنا كان الخلافة الراشدة والملك والذم ألحق فقط بالحكم التالى على ذلك

تم بحمد الله