عرض مشاركة واحدة
قديم 10-29-2020, 07:36 AM
المشاركة 2479
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: مَجْمعُ الأمثال
.... أَشْأَمُ مِنَ البَسُوسِ ....

هي بَسُوسُ بنت منقذ التميمية خالَةُ جَسَّاس بن مُرَّة
ابن ذُهْل الشيباني قاتل كليب ، وكان من حديثه أنه
كان للبسوس جارٌ من جَرْم يقال له سعد بن شمس ،
وكانت له ناقة يقال لها سَرَاب ، وكان كليب قَدْ حَمَى
أرضاً من أرض العالية في أنف الربيع ، فلم يكن يرعاه
أحدٌ إلا إبل جساس لمصاهرة بينهما ، وذلك أن جليلة
بنت مرة أختَ جَسَّاس كانت تحب كليباً ، فخرجت
سَرَابُ ناقةُ الجرمي في إبل جَسَّاس ترعى في حمى
كليب ، ونظر إليها كليبٌ فأنكرها فرماها بسَهْم فاختلَّ
ضَرْعها فولَّت حتى بَرَكَتْ بفناء صاحبها وضَرْعُها يَشْخُبُ
دمًا ولبنًا ، فلما نظر إليها صرخ يا للذل ، فخرجت جارية
البَسُوس ونظرت إلى الناقة ، فلما رأت ما بها ضَرَبَتْ
يدَهَا على رأسها ونادت : وَاذُلَّاه ، ثم أنشأت تقول :

لعمركَ لو أَصْبَحْتَ في دار مُنْقِذٍ
لمَا ضِيْمَ سعدٌ وهو جارٌ لأَبْيَاتِي

وَلَكِنَّنِي أَصْبَحْتُ في دارِ غُرْبَةٍ
مَتَى يَعْدُ فِيها الذّئبُ يَعْدُ عَلَى شَاتِي

فَيَا سَعْدُ لَا تُغْرَرْ بِنفسِكَ وَارْتَحِلْ
فإنَّكَ فِي قومٍ عَنِ الجَارِ أَمْوَاتِ

ودُونَكَ أَذْوَادِي فإنّيَ عَنْهُمُ
لَرَاحِلَةٌ لا يُفْقِدُونِي بُنَيَّاتِي


فلما سمع جساس قولها سكنها وقال : أيَّتُها المرأة ليقتلَنَّ
غَداً جَمَلٌ هو أعظم عَقْراً من ناقة جارك، ولم يزل جساس
يتوقَّع غِرَّة كليب حتى خَرَجَ كليبٌ لا يخاف شيئاً ، وكان
إذا خرج تباعَدَ عن الحي ، فبلغ جساساً خروجُه ، فخرج
على فرسه وأخذ رمحه واتبعه عمرو بن الحارث فلم يدركه
حتى طعن كليباً ودَقَّ صُلْبَه ، ثم وقف عليه فقال : يا
جساس أغثني بِشَرْبَة ماء ، فقال جساس : تركْتَ الماء
وراءك ، وانصرف عنه ، ولحقه عمرو فقال : يا عمرو
أَغثني بشَرْبَة ، فنزل إليه فأجْهَزَ عليه ، فضرب به المثل
فقيل :

المُسْتَجِيرُ بِعَمرٍو عند كُربتِه
كالمُسْتَجِيرِ مِنَ الرَّمْضاءِ بِالنّارِ


قال : وأقبل جساس يركُضُ حتى هَجَمَ على قومه ، فنظر
إليه أبوه وركبته بادية فقال لمن حوله: لقد أتاكم جساس
بداهية ، قالوا : ومن أين تَعْرِفُ ذلك ؟ قال : لظهور
ركبته ، فإني لا أعلم أنها بَدَتْ قبل يومها ، ثم قال : ما
وراءك يا جساس ؟ فقال : والله لقد طَعَنْتُ طعنةً
لتجمعن منها عجائز وائل رقصًا ، قال : وما هي ثكلتك
أمك ؟ قال : قتلت كليباً ، قال أبوه : بئس لعمر الله ما
جَنَيْتَ على قومك ! فقال جساس :

تأهَّبْ عنكَ أهْبَةَ ذي امتناعٍ
فإنَّ الأمْرَ جَلَّ عَنِ التَّلَاحِي

فإنّي قد جَنَيْتُ عَليكَ حَرْباً
تُغِصُّ الشّيخَ بِالماءِ القُرَاحِ


فأجابه أبوه :

فإنْ تَكُ قَدْ جَنَيْتَ عليَّ حَرْباً
فَلَا وَانٍ ولَا رَثُّ السِّلَاحِ

سألبسُ ثَوْبَهَا وأذبُّ عَنِّي
بِها يَوْمَ المَذَلَّةِ والفضاحِ


قال : ثم قَوَّضوا الأبنية ، وجمعوا النَّعَمَ والخيول ، وأزمعوا
للرحيل ، وكان همام بن مرة أخو جساس نديماً لمهلهل بن
ربيعة أخي كليب ، فبعثوا جاريةً لهم إلى همام لتعلمه الخبر،
وأمروها أن تسره من مهلهل ، فأتتهما الجارية وهما على
شَرَابِهما ، فسارَّتْ هماماً بالذي كان من الأمر ؛ فلما رأى
ذلك مهلهل سأل هماماً عما قالت الجارية ، وكان بينهما عهد
أن لا يكتم أحدهما صاحبه شيئاً ، فقال له : أخبرتني أن
أخي قتل أخاك ، قال مهلهل : أخوك أَضْيَقُ اسْتاً من ذلك،
وسكت همام ، وأقبلا على شَرَابهما فجعل مهلهل يشرب شُرْبَ
الآمِنِ ، وهمام يشرب شرب الخائف ، فلم تلبث الخمرُ مهلهلاً
أن صَرَعَتْهُ ، فانْسَلَّ همام فرأى قومه وقد تحملوا فتحمل
معهم ، وظهر أمرُ كليبٍ ، فقال مهلهل لنسوته : ما دهاكن ؟
قلن : العظيم من الأمر ، قَتَلَ جَسَّاسٌ كليباً ، ونَشِبَ الشر
بين تغلب وبكر أربعين سنة كلها يكون لتغلب على بكر ،
وكان الحارث بن عُبَاد البكري قد اعْتَزَلَ القومَ ، فلما استحَرَّ
القتلُ في بكر اجتمعوا إليه وقالوا : قد فَنِيَ قومُك ، فأرسَلَ
إلى مهلهل بجيراً ابْنَه وقال : قلْ له أبو بُجَيْر يقرئك السلام ،
ويقول لك : قد علمتَ أنّي اعتزلتُ قومي ؛ لأنهم ظَلَمُوك
وخَلَّيتك وإياهم وقد أدركت وِتْرَكَ ، فأنشدك الله في قومك،
فأتى بجيرٌ مهلهلاً وهو في قومه ، فأبلغه الرسالَةَ فقال : من
أنت يا غلام؟ قال : بجير بن الحارث بن عُبَاد ، فقتله ، ثم
قال : بُؤْ بِشِسْعِ كليب ، فلما بلغ الحارثَ فعلُهُ قال : نعم
القتيلُ بجير إن أصْلَحَ بين هذين الغارين قتلُه ، وسكنت
الحرب به ، وكان الحارثُ من أحلمِ الناسِ في زمانه فقيل له :
إن مهلهلاً قال له حين قتله : بُؤْ بِشِسْعِ كليب ، فلما سمع هذا
خرجَ مع بني بكر مقاتلاً مهلهلاً وبني تغلب ، ثائراً ببجير ،
وأنشأ يقول :

قَرِّبَا مَرْبِطَ النَّعَامةِ منِّي
إنَّ بَيْعَ الكَرِيمِ بِالشِّسْعِ غَالِ

قَرِّبَا مَرْبِطَ النَّعَامةِ منِّي
لَقِحَتْ حَرْبُ وَائِلٍ عنْ حِيَالِ

لم أَكُنْ مِنْ جُنَاتِها عَلِمَ اللـ
ـهُ وَإنِّي بِشَرِّهَا اليَومَ صَالِ

ويروى " بِحَرِّهَا " والنعامة : فرسُ الحارث ، وكان يقال
للحارث : فارس النَّعَامة ، ثم جمع قومه والتقى وبنو تغلب
على جبل يقال له قضة فهزمَهُم وقتلهم ولم يقوموا لبكر بعدها .