عرض مشاركة واحدة
قديم 10-05-2011, 09:11 AM
المشاركة 134
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع سر الروعة في :

49 ـ المحكمة لفرانزكافكا.
رواية المحاكمة - فرانز كافكا
تخيل أن تستيقظ صبيحة أحد الأيام لتجد نفسك رهن الاعتقال بدون أي تهمة، مطالبا بالمثول أمام قاض تحقيق يبلغك بفقدان حقوقك، وتمثل أمام محكمة حتمية من الاستحالة الوصول إليها، وقانون غير مرئي وحكم لا يمكن التنبؤ به
من الآن، سوف أشرب الكثير من فناجين القهوة اليوم، فموعدي على الساعة الواحدة ليلا من تلك المواعيد التي لا يمكن أن أسامح نفسي على نسيانه أو تجاهله، ولا أريد أن يغلبني سلطان النوم وأفقد الموعد.
على هذه الساعة المتأخرة من الليل بتوقيت الأردن، ستعرض قناة ”دبي ون”، لم أعد متأكدا بالضبط، فيلم “The Trial” أو “المحاكمة”،وهو من تلك الأفلام التي تستحق أن توضع في مكتبة مغلقة ضمن مجموعة أخرى أحرص على اقتنائها وعدم التفريط بها ومعاودة مشاهدتها، ولكن ما العمل ولا يوجد في الأردن نسخا للفيلم.
المهم، فيلم “المحاكمة”، أنتج عام 1994، وهو من إخراج ديفيد هاغ جونز، صاحب عدد من الأفلام الغرائبية، وقد أخرج مؤخرا فيلم “همسات الأشباح”.
أما التمثيل فهو للعبقري انتوني هوبكنز صاحب الأدوار الكبيرة والمركبة، في صمت الحملان، امستاد، بقايا النهار، قابل جو بلاك، خطيئة إنسانية، وعشرات الأفلام الأخرى.
فيما يتوزع ادوار الفيلم الأخرى، كيلي ماكلاشلن،جوليت ستفنسن،جاسون روبادرس واخرون.
لكن كل هذا ليس مهما، فالمهم أن الفيلم مأخوذ عن رواية “المحاكمة” للتشيكي فرانز كافكا، من منا لم يسمع به؟؟.
وكافكا من قال فيه محمود درويش:
قال لي لا تترك الإسكندرية بحثا عن غيرها
فوجدت كافكا تحت جلدي
ملائما لعباءة الكابوس والبوليس فينا”.
على كل ما في كثافة الرمز في قصيدة درويش، إلا أن محاولة الإحاطة بكافكا وأدبه، على قلته، مهمة مستحيلة، لا بل إن روايته “المحاكمة” تعتبر واحدة من أكثر الكتب التي أثارت جدلا في العالم واستعصت على التأويل، لدرجة أن روائيا عبقريا مثل توماس مان، قال إن “عقلي ليس معقدا بما فيه الكفاية لفهم المحاكمة”. وكذلك قال فيها الشاعر كورت توخولوسكي :”إن المحاكمة كتاب لا يقدر إنسان بمفرده طوال حياته أن يفسره تفسيرا كاملا”.
وكافكا، ليس من السهل قراءته فهو إلى جانب كونه مبدعا، فبالنسبة لي على الأقل، إما أن يدمرك وينهي سلامك الداخلي، كما قال فيه فيلسوف مدرسة فرانكفورت الألماني المعروف ثيودور أدورنو “إن كل من تمر عليه عربات كافكا سيفقد حتما وإلى الأبد سلامه مع العالم”. وإما أن يهبك الحياة مرة أخرى، فهو بما هو عليه روائي الحزن والكوابيس والألم والغرائب، فهو من قال أيضا ”ان الإنسان القادر على رؤية الجمال، إنسان يستحيل أن يشيخ”.
لن اكتب الكثير عن الفيلم، ولا عن قصته، فربما سأضيع على من يرغبون مشاهدته، متعة الفكر وهو يعمل على التقاط معاني كافكا وإشاراته وإلماحاته المحملة بالدلالات وأحداثه الغريبة العصية على التفسير.
تدور قصة الرواية والفيلم حول، الموظف جوزف كـ، الذي يستيقظ صبيحة أحد الأيام فيجد في غرفته رجلين يبلغانه بأنه رهن الاعتقال ويقودانه إلى رجل آخر في غرفة أخرى يبلغه بضرورة المثول أمام قاضي التحقيق، ويفعل “كـ” ذلك حيث يستقبله القاضي بطريقة غير ودية ويبلغه أنه فقد كل إمتيازاته التي تمنح بالعادة للمحقق معهم، ويطلب إليه المثول كل يوم أحد، حيث العطلة الرسمية له، أمام محكمة يكاد يكون الوصول إليها مستحيلا، وقوانينها غير مرئية.
يعتقد “كـ”، في البداية، أن هذه ربما تكون مزحة سمجة من أصدقائه بمناسبة عيد ميلاده الثلاثين الذي يصادف أول أحد، لكن مع الوقت ومع مضي إجراءات المحكمة يجد “كـ” نفسه في واقع هو أشبه بالكابوس أو هو الكابوس عينه. ويجد نفسه وسط أناس غرباء وأحداث غريبة وزنزانة أكثر غرابة وأصوات ألم وأنين..الخ.
أكتفي بهذا، لكن كافكا، اللغز المستعصي على الفك، كان ولا يزال رفيق دربي، فمنذ قرأت له “التحول” قبل نحو ثمانية عشر عاما، وشاهدت الفيلم المأخوذ عنها، جمعت كل ما كتب وكل ما كتب عنه، فله الفضل، من بين قلة آخرين، في تحرير عقلي من “شوافات البغل”، التي كنت أضعها على عينيي فتحجب عني اتساع الرؤيا وتضييق عبارتي.
وقصة “التحول” أو “المسخ” في ترجمات عربية أخرى، عند كافكا، تدور ببساطة، حول شخص يستيقظ صباحا ليجد نفسه وقد تحول لصرصار كبير، وعلى صعوبة فك أدبه، وعلى استحالة تصنيفه، إلا أنني يمكن أن أقول، ببساطة وبدون الكثير من الكلام، أن كافكا كان أكثر من عبر عن الحزن البشري وعن الاغتراب عن واقع يتحول فيه الإنسان إلى مجرد برغي آلة، في واقع عالم بلا قلب. و من أعماله المهمة أيضا : أمريكا ، سور الصين العظيم ، أبحاث أو تحريات كلب ، القصر أو القلعة ، فى مستعمرة أو مستوطنة العقاب . و قد أنتجت مصر فى التسعينات فيلما مستوحى من رواية المحاكمة أو القضية ، بعنوان خلطبيطة و هو من بطولة محمود عبد العزيز و أحمد توفيق .
وكافكا ترك أثرا كبيرا في مئات الكتاب المعروفين بينهم مواطنه الشهير ميلان كونديرا، والأرجنتيني خورخي لويس بورخيس. أما في العرب فقد أثر في الكثيرين، ولعل رواية صنع الله إبراهيم “اللجنة”، تكاد تكون نسخة مقلدة عن “المحاكمة”.
سأعود لذكرياتي مع كافكا في مدونات لاحقة، أما الآن فسأذهب، إلى العمل، إلى اليومي، إلى ساقية الجاموسة، إلى حيث العمل الروتيني الممل في تحرير أخبار عالم فقد قلبه وعقله. أي اغتراب قد يكون أكثر غربة من هذا، بالمناسبة فإن كافكا كتب “المحاكمة” في خضم الحرب العالمية الأولى بين عامي 1914 و 1915 ولم تنشر حتى عام 1925 بعد وفاته بعام شابا بعد أن أفقده مرض السل قوة الشباب، وهو كان أوصى رفيق عمره ماكس برود بحرق جميع أعماله، إلا أن الأخير خذل صديقه ونشرها بما فيها “المحكمة”، وخيرا فعل.
وبالمناسبة الرواية كانت اقتبست عام 1962 لفيلم أول، مثلت فيه الحسناء رومي شنايدر.