عرض مشاركة واحدة
قديم 05-20-2012, 10:56 PM
المشاركة 633
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الروائي المغربي ووزير الثقافة بنسالم حميش يتحدث عن الرواية :

* إن لم أتفاعل إلى حد قوي وصادم مع شخصية أو فترة تاريخية لا أمسك القلم .
* ما أريده دائما وما أتوسله هو محاولة كتابة تاريخ المبعدين وتدوين تاريخ المهزومين .
* كنت أثناء كتابة " مجنون الحكم " أشعر بأن الذي يقودني عبر هذه الأفعال الغريبة هو الحاكم بأمر الله نفسه !
* كما أفادتني قراءة التاريخ في العثور على شخصياتي الروائية أفادني النقد في النبش عن جذور تلك الشخصيات .
* ظل هدفي من الإبداع هو أن أحول التاريخ إلى مسالك إبداعية تحمل أسئلة لا تنتهي .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

حوار : سمير الفيل.

الدكتور بنسالم حميش روائي مغربي معروف كان يعمل لفترة طويلة أستاذا جامعيا في شعبة الفلسفة بكلية الآداب ، وله تخصص في مجال التاريخ صدرت له عدة روايات نذكر منها: " مجنون الحكم " 1990 ، " محن الفتى زين شامة " 1993، " سماسرة السراب " 1995، " العلامة " 1997، " بروطا بوراس يا ناس" 1998، وروايات أخرى .
يكتب سالم بنحميش ـ أيضا ـ في مجال الدراسات التي لها علاقة بالعلوم الإنسانية ، وكذلك في التاريخ وقد اختير مؤخرا وزيرا للثقافة بالمغرب.
حصل الكاتب هذا العام 2009 على جائزة نجيب محفوظ التي يمنحها اتحاد كتاب مصر سنويا لكاتب عربي عن مجمل أعماله كما سبق أن فاز بجائزة الجامعة الأمريكية بالقاهرة سنة 2002 عن رواية "العلامة". كما حصل سنة 1990 على جائزة مجلة "الناقد" التي كانت تصدر من لندن، عن روايته "مجنون الحكم" التي ترجمت إلى عدة لغات أجنبية، وكذا على جائزة " الأطلس " للترجمة سنة 2000 .
ألتقيناه وكان لنا هذا اللقاء معه.
* المولد وبطاقة تعريف شخصية ؟
** كان مولدي في ازداد بمدينة مكناس بتاريخ 13 يوليوسنة 1948. تابعت دراستي العليا بالرباط ثم التحق بالمدرسة التطبيقية العليا ، وبالسوربون بباريس. حصلت على الإجازة في الفلسفة وعلى الإجازة في علم الاجتماع سنة 1970، ثم على دكتوراه السلك الثالث سنة 1974، وعلى دكتوراه الدولة سنة 1983. اشتغلت أستاذا مساعدا بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط ثم عملت فترة طويلة أستاذا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية (شعبة الفلسفة ) بالمدينة نفسها، وقد انضممت لاتحاد كتاب المغرب سنة 1968.
* هل نعيش بالفعل عصر الرواية ؟ كروائي كيف تشكل مادتك الخام ومن أي البدايات تنطلق خاصة وأنك تلجأ للتاريخ في أحيان كثيرة لمساءلة الواقع ؟
** بحسب ما يشغلني ، فكل كتب ما يسمى بنوع من التجاوز " الرواية التاريخية" استعمل التاريخ كذريعة ، وربما كمدخل لقول أشياء والتعبير عن حالات ربما هي أكثر قربا من حاضرنا أكثر منها استعادة للماضي.
فهناك طريقة تقليدية لكتابة الرواية التاريخية كما وجدت عند جورجي زيدان ، واندريه مروة ، وعلي أحمد باكثير . هذه الطريقة تعتبر المواضيع قائمة وجاهزة في قوارير ، ثم يأخذ الكاتب شخصية ما ، وينسج نصا حول حياتها وعلاقاتها . ليست على كل حال هذه طريقتي في الكتابة ، فإن لم أتفاعل إلى حد قوي وصادم مع شخصية او فترة تاريخية لا امسك القلم ، ولا اهتم بتسويد صفحات لا تقدم جديدا . فالكتابة الروائية تقدم لنا مادة معرفية وحفرا في طبقات التاريخ.
* ما هدفك إذن من معالجة المادة التاريخية عبر تقنية السرد ؟
** ما أريده دائما وما أتوسله وأعتبره جديدا في هذا الجنس الأدبي هو محاولة كتابة تاريخ المبعدين وتدوين تاريخ المهزومين ، هؤلاء الذين لم يلتفت إليهم المؤرخون ، أو إذا التفتوا إليهم ، وضعوهم في هوامش وخانات صغيرة . كما أسعى كذلك إلى إعطاء الكلمة لهؤلاء " الحرافيش" ليحتلوا وسط الدائرة ، لنلقي الضوء عليهم بنفس الدرجة التي يقع عليها ضوء الخليفة أو الوزير أوالقاضي ، أو قائد الجيش .
هذه هي طريقتي لإعادة الشرائح المجتمعية الأدنى درجة كي يحتلوا وسط المسرح ، وهو ما تميزت به رواياتي.
بهذا المنهج أعمل فيما يخص تجربتي كلها ، لكن ثمة روايات أخرى ليس لها علاقة بالتاريخ ، اللهم إلا التاريخ الحاضر. رواياتي توظف المخزون التاريخي ولامناص لها من الارتباط القوي الخصب بالتاريخ وبالتراث . بهذه الصيرورة من القيم المضافة تتكون نصوصي التي تحمل عنوان إنسانيتنا وآيات ابداعنا.
* أنت بذلك تهتم بالتاريخ أكثر من اهتمامك بالحاضر؟
** أبدا ، فرواية مثل " محن الفتى زين الدين شامة " من إحدى سماتها الأساسية تلك المصيبة الكبرى التي يصاب بها متخرج من إحدى الجامعات وحامل لشهادتها ، فيجد السوق مقفلا أمامه ، وبالتالي فإن المجتمع يحرمه من حقوقه الأولى كالزواج وبناء الأسرة ، والتمتع بنعم الحياة.
في " سماسرة السراب" عالجت قضية الهجرة السرية إلى بلدان الشمال الأوربي لأن هناك حيثيات في الرواية تجعل من تلك الهجرة مجرد هجرة مأساوية ساخرة ؛ لأن من كان يسهر عليها هم أولئك الذين كانوا يتاجرون في المهاجرين عبر القوارب التي سميت عن حق " قوارب الموت " .
إذن النزعة التاريخية لم تمنعني من معالجة قضايا عصرية ، فأنا انطلق في الكتابة الروائية من تراكماتها ، بالمعنى القيمي والكيفي للتراكم ، كما أنني أهتم بواقعها الحاضر ، إن كان هذا الواقع يغني التركة ، ويطورها بعيدا عن الضوضاء ومزايدات التجريد ومتاهات التعتيم ، مما يجيب عن سؤالك الأول حول عصر الرواية . إنه كذلك بالفعل.
* وماذا عن رواية " العلامة " أهي رواية تاريخية أقرب للتوثيقية ؟
** تتعلق العلامة " بشخصية عبدالرحمن بن خلدون ، ويمكن القول ـ إلى حد ما ـ أنها تندرج في جنس ما يسمى بالرواية التاريخية . لكن ما أردت فعله في هذه الرواية أن أقف عند لحظات بارزة ولحظات مأساوية من منحنى حياته . وتناولت زمن وجوده بالقاهرة عندما كان يتولى القضاء ، وجعلته معالجتي للحياة انطلاقا من واقعة غرق أسرته بالقرب من الأسكندرية فأصبح وحيدا ، فقال قولته المشهورة " الآن وقد استأثر البحر بأسرتي فقد غلب الزهد" .
* ما الدور الذي تلعبه اللغة في أعمالك ؟
** لابد أن يحدث نوع من التلاقي بين الموضوع الذي له نكهته ورائحته ، وبين اللغة. الأساس عندي ألا تكون اللغة منفرة أو لغة معتقة . لابد أن تكون اللغة ناصعة ، مقتصدة في معظمها ، لا تلجأ إلى التقعر أو الإسراف في استعمال غريب مفردات النحو، وهذه عناصر حاكمة في كل أعمالي .
* هل تسعى لن تحدث متعة فنية للمتلقي أثناء إنتاج رواياتك؟
** أول شيء يسعى إليه الكاتب هو المتعة ، واللذة التي يشعر بها حين يكتب ورغم أنها لذة عسيرة ، وتكون في شكل مخاض انتظارا للوضع . بدون هذه اللذة لن تكون هناك مثابرة وإلحاح على تسويد الصفحات ، وعلى بناء الشخصيات ، وإنشاء العقد . بدون الشعور باللذة لا يمكن أن تطمع في أن تنتقل " عدوى " اللذة إلى الآخرين . . إلى القراء . أول ضمان لكي تنتقل المتعة الفنية للآخرين هو أن يشعر بها كاتب النص أولا ، أشعر بالسرور أكثر عندما أتأكد أن الآخر قد تمتع إلى حد ما بالشكل الذي مررت به ، أو نال حظا من متعة الحكي والسرد.
* هل حدث أن تمردت عليك إحدى شخصياتك الروائية وارتأت غير ما ارتأيت ككاتب؟
** نعم ، هذا ما حدث لي فعلا مع شخصية الحاكم بأمر الله في رواية " مجنون الحكم " لأن الرجل كان ثريا في انفعالاته ، وأعتقد أن كتاب المسرح لو انتبهوا إليه لكان موضوعا لأعمالهم المسرحية ، فالشحنة الدرامية داخل شخصية الرجل تذكرنا ببعض رجال الأمبراطورية الرومانية مثل" نيرون " الذي أحرق روما ، ومثل " كاليجولا" المجنون الذي عين حصانه قنصلا.
فالرجل له أفعال غريبة ، ويشترك مع " نيرون " في إصابته بالمناخوليا ، وكما حرق نيرون روما ، فقد احرق الحاكم بأمر الله مدينة " الفسطاط" . ليس بالضرورة لكي ينزل العقاب بالناس بل ليتمتع برؤية النيران وهي تلتهم البيوت. أليست تلك رؤية مأساوية تفوق الواقع؟!
* ما ذكرياتك الأخرى حول كتابة هذا النص ، والذي قرأناه فور فوزه بجائزة مجلة " الناقد" ؟
** كنت في بعض مناطق الكتابة أشعر بأنه الذي يقودني عبر هذه الأفعال الغريبة . لقد شعرت أن خيالي مهما وصل إلى درجة عالية من القوة يبقى دون ما أنجزه هذا الطاغية الذي حكم مصر المحروسة ربع قرن من الزمان.
في بعض منعطفات الرواية يشعر الروائي بأن عليه أن يبذل جهدا ، وأن يطور أدواته ليكون على نفس مستوى الموقف . هكذا رأيت نفسي وأنا أتعامل مع شخصية الحاكم بالله " أبو علي المنصور " .
* ماذا عن دور النقد في مسيرتك الأدبية . هل استطاع الوصول إلى أغوار نصوصك الروائية؟
** أعتقد أن النقاد قد اهتموا كثيرا بإنتاجي الروائي ، وساهموا في بالفعل في إضاءة نصوصي ، خاصة عبر مجلة هامة هي " الناقد" التي أشرت إليها في سؤال لك، وهي التي قدمتني بالفعل لجمهور واسع من قراء العربية.
وما يقال عن وجود أزمة نقدية هو أمر مختلف تماما ؛ فقد وجدت نقدا فاهما لنصوصي ، وكما أفادتني قراءة التاريخ في العثور على شخصياتي الروائية أفادني النقد في النبش عن جذور تلك الشخصيات بصورة لم أتوقعها وعلى العموم فإن كان هدفي هو أن أحول التاريخ إلى مسالك إبداعية تحمل أسئلة لا تنتهي فإن الوجود الحي والحضور لا يتأتى إلا بنبذ التقليد الأعمى والإتباع.
قياسا على ذلك فإن المشاريع النقدية الأصيلة هي التي تتألق بإشراقات تعبر الأزمنة والأمكنة لتقدم آفاقا للممكن والمحتمل!