الموضوع: إنكفاء ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-26-2012, 08:57 PM
المشاركة 3
جَميل العتيبي
كاتب وشاعر سعودي
  • غير موجود
افتراضي

لا تنبشي وتداً لا يمتدُّ إلى الطبقة الوسطى مِن أرضِ
الطواغيت , لا تنبشي وتداً ترتعشُ على جدرانِ
فمهِ صرخةٌ أحاديةُ المَدى , ليسَ تماماً أنكِ الحديقةُ
التي طلّقها المساء ولكنكِ قد تكونينَ المساءَ الذي
أطلقَ حديقتَهُ في وجهِ الريح فصرخَت عليهُ دبُراً
هيهاتَ لك ,هيهَات لك .

جميلةٌ جداً أنتِ هكذا بمعطفِ الصوفِ الزائف ككلُ
التيّاراتِ المتمدّنةُ على قريتكِ الحالمَه , عيناكِ صغيرتانِ
جداً كي يتسعانِ لدائرةِ الكحل الذاتيةَ وانفراجُ زاويةً تسعينيةً
في وجنتيكِ , فأنتِ ضعيفةٌ جداً أمامَ شوارعِ البلَدِ و الباعةِ
المتزملقين , ربما يجبُ أن تستدعي شخصيتكِ شيئاً من ذكاءِ
النردِ المُستغبي , أو قليلاً مِن رائحةِ العطرِ المملوءِ بالماءِ خدعةً
حتى استشاطَ غضباً .

أنتِ لستِ ذاتَ لكنةٍ أرستقراطيةً ولستِ ابنةَ العجوزِ الخامسَ عشر
في تعدادِ موتى مقبرةَ التيجان , يجبُ أن تتعثري في الطريقِ كثيراً كي يشعرُ
العسسةُ أنكِ من القريةِ المُجاوره , يجبُ أن يظهرَ جزءاً من جزءاً من
ساقكِ قدرياً كي يُفتَنُ بكِ عاملُ النظافة وابن الدوقة على حدٍ سواء .

لستِ إطلاقاً من هذا البلدِ إن لم تحملي رائحةَ السلطةَ وتضعيها تماماً
فوق الجانبِ الأيمنِ من قلبكِ حيثُ يستوطنونَ عفوياً ! , لستِ إطلاقاً من هذا
البلد ِإن لم تشعري يوماً أنكِ أرملةُ مزارعٌ شغفَ قلبَها مُراهقها الراعي ,
لستِ إطلاقاً من هذا البلدِ حينَ تشعرينَ ولو لبرهةٍ لحظيةٍ أنكِ إنتمائيةٌ جداً .

فالحقيقةٌ لا تموتُ في الرمادِ الأبيضِ وإنما تعيشُ على ما اكتنفت من الأوكسجين
فهيَ ككل ِالأشياء هُنا لا يستهوي غريزتها سوى الإكتناف , تشرئبُ برائحةِ القرابينَ
تُدَسُ دسّاً في فمِ الحاشيةَ كي تخرس , صهيلُ الخيول هُنا اختفى خلفَ ضربِ حوافرَها
فاستيقظَت قبائلَ النملِ على يومِ المَوعدِ تهرولُ عبثاً في كل الإتجاهاتِ الأربعِ وكأن كل
واحدةٍ تبحثُ عن إتجاهِ موتها المُفضّل , تموتُ بلا همسٍ وإن كانَ مُنقطعاً , هي كانت تعلمُ
يقيناً أنه لن تنعيها الأشياءُ التي قايضتها يوماً , كانَ عيداً مجيداً لحبّاتِ الأرزِ اليافعات .

ولكي لا أنسى ويتهمّني التاريخُ بالمثاليةِ المزيفه , فقد كانَ آخرُ الموتى في هذا البلدِ
حبّاتِ الأرُز , على الأقل بعدما كتبتُ هذه الخاطره .