الموضوع: كشكول منابر
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-05-2020, 10:46 PM
المشاركة 2669
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: كشكول منابر
مقالة أعجبتني

إن المتأمل في فلسفة الابتلاء في حياة الفرد، يدرك يقينا أن هناك صيرورة أبدية، تسري في أوصال حياته، تقابله بها لأنه مـأمور بتشكّلِها والتناغم مع أحداثها،فتنقشع عنه فصولا يتهادى بينها. تذيقه تارة لمسة من ربيع اللذة، وأخرى لفحة من فيح الشدة،بينهما تسقط الأماني في خريف البلاء، داخل محرابه وهو يستمطر مدد السماء. هذا هو حاله وهو يطوي مسافة الدنيا تاليا قول ربه عزوجل: (لَقَدْ خَلَقْنَا اَ۬لِانسَٰنَ فِے كَبَدٍ
أو حاديا بقول التهامي:
طُبِعت على كدرٍ وأنت تريدُها صفواً من الأقذاء والأكدار
ومكلّف الأيَّامٍ ضدَّ طباعها متطلّبٌ في الماءِ جذوة نار

فمنذ ظهوره الأول على هذا الكون وبأول إطلالة له
تقابله الحياة بعَرَض البكاء إيذانا ببدء معركة مكابدة مهَامِه الشقاء، ومصارعة فيافي البلاء.
وتتم مرحلة التشبع الفطري والتحقق من غاية الاستخلاف، بتهيئة زاد الرحلة ،وربط الأرض بالسماء.

إن السائر إلى الله وهو يمتطي جناح اليقين ،قد تعترضه مكاره تقطع طريقه ،ومغريات تعيق سيره ، لاينجيه منها إلا قوة مناعة إيمانه ،وصدق تسليمه لقضاء الله وقدره.
فكم من سائر يخال نفسه سالكة سبيل الصادقين ،لكن ما إن رميت بأول سهم من سهام البلاء،حتى أصبحت جراحها تثغب هلعا وفزعا، وأنفاسها تتصاعد فرقا وخوفا.

إن ما أصاب هذه النفوس اليوم، هو فقرها من زاد اليقين ،وجفاف روحها من مناجاة البساط الأقدس.
فرسبت عند أول اختبار في سلك سبيل اليقين .

لقد جاء هذا الابتلاء اليوم ليبرز معادن القلوب، ويصلح المرء مع نفسه ،وينصب للمخدوعين مرايا يبصرون فيها كم هو بعيد قعر الانساية في قلوبهم.

جاء هذا الابتلاء ليطهر النفوس التي كانت تسبح في خواء المادة الجافة، ويغمسها في ينبوع روح الاخوة الصافي.
جاء هذا الابتلاء ليدرك المزكومون أنهم مصابون بنزلة برد الغباء ،لا لقاح لها إلا في محاريب المعرفة والالتجاء.
من جمال الابتلاء في حياة الافراد أنه يظهر جوهر الانسان ويبرز فيه معاني إيمانه بميراث النبوة،

من جمال الابتلاء أنه ينفض عن النفس ماعلق بنفاسة معدنها من صدإ الوحشة والبعد عن رحاب خالقها،
من جمال الابتلاء أنه يلين الاكباد ويطهرها من شوائب الغلظة والقسوة
وكأن البلاء خيط رفيع يلامس في الانسانية كل معاني الرحمة والشفقة والايثار وبذل المعروف
يقال:إذا أردت أن تختبر أخلاق شخص فأثر غضبه.
هذا الجانب من الحقيقة النسبية من هذه الحكمة يكاد يكون هو الحقيقة المطلقة في اختبار البلاء الذي تمر منه البشرية ،وتكافح لدرئه بكل السبل.

لقد أثارت هذه الجائحة غضب المجتمعات والافراد فأفرزت لنا حقائق وسلوكيات ماكانت لتظهر لولا شدة وقع الجائحة على طبائع النفوس فنضح كل إناء بما فيه.
لقد أزاحت الجائحة الستار عن حقيقة الوعي والادراك الذي يتغنى به في كل ناد، وعرت عن غباء (ممكيج)مخبوءٍ وراء حواسيب وهواتف ذكية بعقول متعلقة بالقشور من المعرفة وبالسراب من نور الحقيقة
إن الانسان يقتطع زمن هذه الدنيا وهو مطمئن النفس أنه على السبيل الأقوم، فيأتيه سوط الابتلاء ليعيده إلى ضرورة إعادة تشكل صحيح، وإعادة معرفة نفسه بنفسه.

(اِنَّا خَلَقْنَا اَ۬لِانسَٰنَ مِن نُّطْفَةٍ اَمْشَاجٖ نَّبْتَلِيهِ


إذ لابد للنفس من هذا الامتحان، تعود فيه لصفائها ،بإصلاح ماعلق بها من أدران الغفلة والتيه في مناكب الحياة ،ولتعد لسهام القدر أترَاسَ الرضا واليقين ،بأن هذه الفانية هذا هو حالها.

سأل رجل علي ابن طالب رضي الله عنه فقال له: صف لنا الدنيا؟
فقال:ماذا أصف لك من دار أولها بكاء، وأوسطها عناء ،وآخرها فناء.
فلايضير السالك والسائر ماترميه بها، إذا علم أن أول الأمر بكاء.



إبراهيم شكور
المغرب