الموضوع: ملامح مهاجر .
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
6

المشاهدات
4002
 
سلمى الغانمي
~~ الشــذى ~~

سلمى الغانمي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
181

+التقييم
0.03

تاريخ التسجيل
Apr 2009

الاقامة

رقم العضوية
6698
06-23-2011, 11:33 AM
المشاركة 1
06-23-2011, 11:33 AM
المشاركة 1
افتراضي ملامح مهاجر .
البحر هائج وتلك في سكون حزين لو وزع هَدّى الموج المُتلاطم , وشيد من البحر جسور عبور إليه , لربما لا تنتهي لكنها تخلق الأمل في أسوارها وتختلق من بين أيديها ضوءاً خافتاً تعلقه أينما أرادت , لربما لا تجده إن وصلت ، لكنها عاشت أياماً على الأقل ، رأت فيها بصيص حياة ضئيلة الفرح , لربما تقف في وسط الجسر، لا ذهاب ولا إياب ، لكنها تظل تتشبث بالبحر ووحدته , الغدار في آن .. الهائج في آن آخر .. الساكن في أوان أخُُر , فالسماء هُنا أجمل , لا أرض بها بشر , ولا ملامح شبيهة مُهاجر ولا حكايات جَدها ، ولا ذكريات الطفولة ، ولا رمال الخريف ووحلها وسُحب الصيف , هي هٌنا ، ونجمة الليل مُغادرة الفجر الذي غادرها به ، وتركها كوحدتها الآنية وقيودها , الأجمل من ماضي مُغلف في حد ذاتها , الأسكن من الغد ..,
ساكنةً عشقت الحُب , وشاطئ البحر هذا حياتها , جهلت الفصول لديه , منحته الكثير منها , هي مساؤه متى أحتاج الليل , هي فجره متى أحتاج تغريد العصافير , هي عشيقته متى أراد سماع همس العاشقين ، أدخلت يديها في مائه وأخرجتها ، تنساب من بين أصابعها قطراته كمطر ، فّاه يردد أحبك بصوت مسموع ، حتى يتلاشى الصوت عن طفل في حضن أمه ، يسمع حكاية الليل وينام قبل النهاية ..
هي طفلته , في كل نهار ترفل في ثوبها الطويل , وفي كل قفزة بين خطواتها تُقبل رماله , ترسم ورود حُب وتنتظره , تلهو حتى يتلبسها التعب وتضحك , الآن موعد الخلود , الآن مجيء حبيبي في المنام سأحمل الرسائل وأطويها سفُناً ، على نول قلبي ، وأنفذ في أشرعتها الحنين لتعبر الموج ..
كبرت كما توسع البحر , فتاة في مدينة ساحلية , علقت على مشارف أحلامها حبيب الطفولة ، ودونته أمنية ضمن الأماني , شهد البحر والموج إلا الغروب كان مُسافراً عن عينيها عندما دفُنت في داخلها بّذرة الحُب ..
أشتد ساعدها لتنامي ما بداخلها , تفرعت أغصانه حتى حاطت بحياتها كاملة , رأتها خيوط قوس قزح , فخاطت لكل لون ثوباً أحمر ويوماً يتمنى اللقاء ..
أفاقت من حلمها لتصنع له مراكب الشوق , أخذت منها وقتاً طويلاً حتى رأت الشمس تميل للزوال , الله . . منظر بديع أصيل لكنه حزين , لم تعطِ الكثير من وقتها لهذا الحُزن , وعادت للمراكب بهيمان العاشقين ، تدق وتد الانتظار كلما شرعت في الأخرى ..
يدخل الليل على هدوئها وترفع رأسها إليه , تصافح تلك النجوم وتحتضن تلك النجمة الثاقبة بين أجفانها حتى تنام وما بين أضلاعها خوف صغير .. قلق كبير , يبدده الصباح عندما تفتح عينيها وتُقبّل الصُبح , يا صباح رائحة البعيد وضجة الشوق وثورة الحنين ..
تعود للمراكب تصنع الحُب وتسكب الشوق وتعذر خطوات الانتظار على جانبيها , هو آتٍ لا محال , هذا عقد صُنعك وهذا قلبي وذلك حُلمنا وتلك مجاديف الأمل لتصارع الخيبة ..
تصمت برهة وتعود للأمس وتتمتم لقد طال يومي , رأيت هذا الغروب وما كُنت أعرفه حتى انتظره , سهرت الليل وما كُنت أجافي سباته , أوه كبرت .. سنة وسنتين وثلاث , تنفض التمتمة وأمها بطفولة مُراهقة , وتتشبث بُحبها الكبير , وتحمل فائض عشقها في سلة وردية ..
كبرت وحبها أكبر , اندمجت في أيام تطلبها فسارت دروبها , دون أن تمحي ذلك الساكن في وريدها , خاضت تفاصيل السنين دونه ، وقربت المسافات البعيدة كلما أجهضت التعب على سريرها ليلاً ,
أتى مساء يحمل زائراً ثقيلاً , ذهبت إليه بقدميها ، ظناً بأنه يحمل ذات الهدايا في صدره , فعادت تقطر من أول السهام , عادت إلى شاطئها تحمل في يديها غضباً حنوناً على المراكب , تحطم أحدائها بعنف دامع أكثر حنانا ، يحمي الحٌب من غدر المنتسبين إليه كذباً ..
يمُر عامان ولا تعيش الغروب , تعيد صُنع ما حطمت من مراكب جزعاً , وترسم أرصفة الانتظار , على مناراتها الحنين إليه ..
يعود إليها ، وتفرد ابتساماتها كبلابل تُغرد , تحتضن الرسائل ، وتكتب له دون أن تَذكر الجُرح القديم , مُنفردة عن العاشقين تهدي الجُرح إبراء , وتنسج على الشواطئ ذكر حبيب ملائكي وما أحد ملائكي غيرها , تبدأ من نقطة الضوء وتمد نوره ..
يتدفق الحُب كأنما من يوم مولود قديم ما كسر ساعاته عقرب واقف , تفتح كُتب الدراسة وتحفظ نشيده على كل الحواشي , تقضي حلمها معه في صفحة بعدد الحروف وتنتظر برقية تُعبر البحر وترسو بشاطئها ..,
تخطو لمقاعد الدراسة وهو كل الكتب التي تحملها , امتياز في هواها , نشيدها الصباحي هو , وطنها وحلمها وحبها , وتنشد دستورها ..
يا وطن الصباح
يا منبع الندى على محياي
ومهدي الرحيق للناهضين
صباحنا أنت
سحابة لا ينتهي مطرها
وتمطر عطرها
صباحنا أنت
وطننا وأملنا وحبيبنا
مجد يا مجدنا
مجد يرافقنا
صباحك نحن
شعب يتوق لعناقك .
اعتلى صوت حبها حتى غادرت أبواب الصباح , صاحبت المساءات في كل محطة ، وتباعدت حروف النشيد تصدعاً , حتى نبض خبره إليها في برقية تنبي بمقدمه .
لبست الأخضر , صبت عطور الشرق , نثرت الجدائل , استفزت حُب الطفولة في ملامحها , غردت لأحبابها في تدافع النداء أفراحاً , وأنتظرت المجيء , وجه الربيع الغائب ..
طرق الباب واحتضر الانتظار , سارعت الخُطى وتفتك الحلم , فتحت و في ألف لهفة تتدافع تقف وتتصادم , يدان تتعانقان وصوت غير الصوت القديم يتكلم في جبين طفل يستنسخ ملامح ذاك المُهاجر ليحكم طرق المسمار الأخير وتدور مجاديف الرحيل .





سلمى الغانمي







نحن من نجعل الأشياء الجميلة تموت , نحن من نأتي للصباح نجرّ خيوط منسلة من الليل لنخنق بها عصافير, ونحن من نقف على نهر ونتحدث عن الملوحة.

twitter : salma alghanmi

التعديل الأخير تم بواسطة أحمد فؤاد صوفي ; 06-23-2011 الساعة 12:58 PM