عرض مشاركة واحدة
قديم 09-16-2010, 10:55 PM
المشاركة 13
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
الفصل الثالث ( في بيت خالتي )

خرجت وخالتي وقد استبد الظلام .. أجرجر نفسي خلفها
تمشي وأنا ألمحها من الخلف تتأرجح يمنة ويسرة
ولما وصلنا نهاية الشارع وقبل أن ننعطف إلى الآخر
أدرت رأسي إلى الخلف ثم توقفت ..
ورحت في غيبوبة أخذتني إلى حيث هناك
أتأمل بيتنا الذي عشت فيه أمزج المرارة بالفرح ..
تسمرت عيناي حيث النافذة المطلة على الشارع
علني أرى وجه أمي
فمن تلك النافذة كانت تناديني بصوتها سناء
.. أين أنت يا ابنتي
لا تتأخري .. عودي بسرعة
وعندما كنت أعود تأخذني بين يديها الدافئتين تضمني وتقول :
كم أخاف عليك يا بعض روحي
ولولا وجودك في دنياي لا أحس بأن شيئاً جميلاً يمكن أن يكون
خرجت آهة من صدري كادت تخنقني
صحوت على صوت خالتي تناديني .. أسرعي
( وكأنه صوت أمي ) ..
كدت أجن .. أتكون أمي قد عادت ؟!
انتبهت من حلمي ... آه إنه صوت خالتي
لحقت بها أحمل كيسي المهترئ
والذي تطل من بعض ثقوبه حاجياتي
وكأنها أطلت هي الأخرى لتودع أمي
لحقت بها مسرعة أتعلق بأذيالها ..
وأنا أقول في نفسي : ما أشبه صوتها بصوت الحنونة التي فارقتني
وضعت يدها على كتفي تضمني .. وجددنا السير إلى المنزل حتى وصلنا
لم تكن المسافة طويلة .. لكنها مرت علي عمراً بأكمله
انعطافات هذا الشارع القصير أشبه بحياتي المملة والتي بدأت أشعر بها مذ رحلت عني أمي

ها قد وصلنا ..

لا أدري .. ما هذا الشعور الذي سيطر على أجزائي التي لا زالت تشكو بردها ..
قد يكون شعوراً بفقدان كل أمل بالعودة
أدركت عندها أن مرحلة جديدة من مراحل حياتي قد ابتدأت
منذ اللحظة التي وطئت أقدامي بيت خالتي
بيت كئيب .. لمحت ُتلابيب كآبته على سقفه
الذي يميل إلى السواد .. حيث أعلنت أعشاش العنكبوت
أن الفقر سابعهم .. وهم ستة أطفال
لم أجد في نفسي أي رغبة لمقاومة البرد الذي تغلغل في أطرافي
وأنا ألج بيتا أرضه مرداء موات
الصغار ينتشرون فيه كعصافير على شجرة بلا ورق
هذا يقلب كتابه المدرسي دونما انتباه
وذاك يلهو بكرسي خاله سيارة فارهة .. ويصنع بفمه أصوات شخيرها وكأنه يقودها في شارع مزدحم بالمارة
وذاك يتابع التلفاز ويحرك رأسه طرباً لما يُحدثه الكرتون من موسيقى وحركات تأخذ عقل الكبار قبل الصغار
قلبت نظري هنا وهناك علني ألمح أحداً يلتفت إلي
لا أحد .. الكل مشغول بنفسه .. ويصنع لهوه بيديه

أجلستني خالتي معلنة حضوري ..
فانتبه البعض للحظة وعاد كلٌ إلى ما كان يشغله ..
في حين ذهبت خالتي لتحضر العشاء
تسمّرت عيناي على الكتاب الذي يقلبه الصغير بلا اهتمام
فعدت للوراء أتذكر كتاباً ركله زوج أمي بقدمه ومزقه بين يديه
وأنا أستحلفه بالله ألا يفعل
ولم يرقّ قلبه لتوسلاتي ومزقه أشلاء
آآآآآآه .. خرجت زفرة بطمعها المر من حلقي
لم أستطع إخفاءها
عدت أبتسم للكتاب متأملة بأني سأقرؤه يوماً
وحمدت الله أن في هذا البيت شيئاً محبباً إلى نفسي ..
فكم أحب القراءة مع أنني لا أعرفها !!.. قلت في نفسي : سأتعلمها من أبناء خالتي الصغار
نعم .. لقد كانوا كثيرون .. أذكر أنهم خمسة
أكبرهم أحمد .. فعمره يقارب عمري
أما سماح فهي الصبية الوحيدة من بينهم
عادت خالتي بوجبة عشاء فاخرة .. تجمع على الطبق الدائري
صحناً من الزيت ورفيقه الزعتر .. وآخر..
وآخر فيه حبات زيتون نسيت لونها في غمرة عتم البيت بفعل الضوء الخافت
دعتني خالتي لتناول العشاء
التفت إلى السفرة وقد عضني الجوع .. وتمزقت أمعائي تصرخ صراخاً مكتوماً لا أستطيع البوح به
فبطني فارغ من الطعام مذ كان الطبيب برفقة أمي يحضرها للموت

وغابت خالتي قليلاً ثم عادت بصحن من البيض المقلي ..
وما أن اشتم الصغار رائحة البيض حتى تلملموا حول المائدة كذباب حط على صحن عسل
أكلت وجبتي بتسارع لم أتعود عليه والأيادي تتقاطع في الصحون القليلة
لأني حسبت حساباً أن تفرغ المائدة وأنا لا زلت جوعانة
أكلت ما أكلت بصحبة الصغار
وكأني في سباق لصراع من أجل البقاء




....... يتبع

مع تحياتي ... ناريمان الشريف