الموضوع: ماذا سأكتب؟
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-07-2021, 11:13 AM
المشاركة 149
ياسَمِين الْحُمود
(الواعية الصغيرة)
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي
الحضور المميز الألفية الثانية الإداري المميز الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى وسام الإدارة التكريم الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 9

  • غير موجود
افتراضي رد: ماذا سأكتب؟
لماذا الكلام؟
يقولون لي مستغربين: الكلام في هذه الأيام سلاح ذو حدين، فما بالك تمشقين الصوت بعد صمت الدهور؟
ويقولون لي محذرين: القوم اليوم يغلقون آذانهم لأن الإنصات تهمة لا تقل خطورة عن الكلام، فما بالك الآن اخترتي أن تتكلمي؟
ويقولون لي متهكمين:
امتلأت الريح بأصداء المواعظ والقصائد، واكتظت البطاح بالمنابر والمنشدين، فماذا ستضيفين، وعلى أي منبر تقفين؟
ويقولون لي مشفقين : الكلام اليوم كنقش حروف اسمك على رمل الشواطئ، لا تأملين أن تبقى إلى الغد، فلماذا العناء؟
وأقول:
يا سادتي العارفين
إن كان الصمت من ذهب فالكلام من نور، هو الفرق بين الموت والحياة ، العدم والوجود.
لا يجب أن تروعنا الكلمة ولو كانت بألف حد لأن كلمة الصدق حين تجرح ، فيها الدواء.
لست امتشقها سيفًا يهاجم في الظلام، بل أرفع صفحته مرأة صقيلة تعكس وهج النجوم البعيدة.
ربما تضيء عتمات الدرب، غدا تشرق الشمس، ولكن حتى نلمس الفجر بأيدينا
أليس الأجدى أن نشعل جذوة صغيرة، من أن نلعن الظلام؟!.
أتكلم لأنني أؤمن بأن المضمون أهم من الإناء، وأن الباحثين عن صدى الحقيقة في متاهات المعرفة يتوالدون مع انبعاثات الحرف.
وإذا سدوا آذانهم عن هزيم الريح ووعيد الرعود، فهم يفتحون آذانهم لنداءات العقل وأنغام العاطفة.
ولو لم يكن هنالك من يستمع لما بقيت فينا القدرة على الكلام ولا الشوق للغناء.
أتكلم لا رغبة في الإضافة ولا إثباتًا للوجود، بل لأن العين يبكيها ما ترى، والقلب يشطره ما يعاني، والعقل يهدده الجفاف
فلا الدمع في الصمت يتوقف، ولا الجرح في الصمت يلتئم ، ولا الغيث في الصمت ينهمر، يحاصرنا الصمت بالموت البطيء.
دفاعا عن النفس يا سادتي تنفجر الكلمة، علها تغسل الصدأ عن العيون فتعيد أبصارها وتلتحم بشظايانا فترأب تصدعاتنا، وتبني جسورًا للمستقبل، وتفتح مسارب الوعي فتروينا لنتبرعم نبتًا جديدًا.
ياسادتي العارفين…
من يستطيع الوقوف على قدميه ويتكئ على إيمانه لا يحتاج إلى ارتقاء منبر ولا إلى مكبر صوت.
ها أنتم تسمعون همسات الأعماق تعبر كل المسافات وتنتشر في الآفاق، في الريح تضيع الصرخات المتشنجة التي لا يتعدى منبعها الشفاه، تضيع، لأنها إذ لاتأتي من القلب لاتحمل شعورًا ولا معنى.
أتكلم لأنني في الحروف لا أجد نفسي فقط، بل أجدكم أيضًا، وأجد معالم الوطن، والطريق إليه،وعندئذ قد نبنيه معًا.
ليست الحروف هي المهمة وإنما المعاني التي تحملها، للقدرة الكامنة في الأصابع…
تتولد حين نمسك بالقلم، تفح مصاريع الحقيقة، وتغلق الأبواب في وجه الظلال المشبوهة.
ألم تكن " اقرأ" هي كلمة البدء؟
فليكن بدء غدنا في الكلمة.