عرض مشاركة واحدة
قديم 11-14-2011, 11:03 AM
المشاركة 35
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
6- الوقائع الغريبة في اختفاء أبي سعيد النحس المتشائل إميل حبيبي.
الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل (أو باختصار المتشائل) رواية ساخرة من تأليف الروائيالفلسطينيإميل حبيبي صدرت عام 1974 [1].
الرواية

تدور أحداث الرواية حول سعيد أبي النحس المتشائل وهو فلسطيني من عرب الداخل في فترة الحكم العسكري الذي فرضته دولة إسرائيل على مواطنيها العرب.
يتميز أسلوب الرواية باختلافه عن الأساليب الروائية التقليدية، فإميل حبيبي يمزج بين استلهام التراث العربي من السيرةوالمقامةوالأمثالوالحكايات وبين أساليب روائية حداثوية وما بعد حداثوية متأثرا أيضا بكافكا وسخريته السوداء وكانديدلفولتير وغيرهم.
أوجد حبيبي كلمة جديدة ليصور حالة عرب الداخل وهي التشاؤل التي هي تحمل معنيي التفاؤل والتشاؤم مندمجين. فإن حصل مكروه للمتشائل فإنه يحمد الله على عدم حصول مكروه أكبر أو كما شُرِحت في الرواية:
"خذني أنا مثلاً، فإنني لا أميز التشاؤم عن التفاؤل. فأسأل نفسي: من أنا؟ أمتشائم أنا أم متفائل؟ أقوم في الصباح من نومي فأحمد الله على أنه لم يقبضني في المنام. فإذا أصابني مكروه في يومي أحمده على أن الأكره منه لم يقع، فأيهما أنا: أمتشائم أنا أم متفائل".
أجزاء الرواية

الرواية مكونة من ثلاث أجزاء: 1 الكتاب الأول يعاد 2 الكتاب الثاني باقية 3 الكتاب الثالث يعاد الثانية

==
سعيد يجد نفسه فوق خازوق بلا رأس

كتب إليّ سعيد أبو النحس المتشائل، قال: جاءت النهاية حين استيقظت في ليلة بلا نهاية. فلم أجدني في فراشي. فزارتني البردية. فمددت لها يدي أبحث عن سترة فإذا بها تقبض ريح.
رأيتني جالسًا على أرض صفاح. باردة مستديرة. لا يزيد قطرها على ذراع. وكانت الريح صرصرًا والأرض قرقرًا. وقد تدلت ساقاي فوق هوة بلا قرار كما تدلّى الليف في الخريف. فرغبت في أن أريح ظهري. فإذا بالهوة من ورائي كما هي الهوة من أمامي وتحيط بي الهوة من كل جانب. فإذا تحركت هويت. فأيقنت أني جالس على رأس خازوق بلا رأس.
فصرخت: النجدة! فجاءني بها رجع الصدى واضحة حرفًا حرفًا، فعلمت أنني جالس على علو شاهق. فرحت أسلي وحشتي بمجاذبة الصدى أطراف الحديث. فكان الحديث طريفًا حتى افترت الهوة عن ابتسامة فجر أغبر كأنها العبوس.
فماذا أنا فاعل?
فناديت عليّ قائلاً: هدئ من روعك، يا ابن النحس، واجعل أمرك شورى مع عقلك. فما الذي وضعك هذا الموضع، وهل من المعقول أن تنام في فراشك مساء فتستيقظ فإذا أنت على خازوق? تأبى هذا الأمر نواميس الطبيعة وأحكام المنطق. فأنا، إذن، في حلم لا غير على الرغم من أنه حلم طويل.
فما بالي أظل قاعدًا على هذا الخازوق، تحزمني البردية ثم تنشرني لا ستر ولا ظهر ولا أنيس، ولا أنزل?
هذا خازوق في كابوس لا محالة. كابوس عن خازوق. فإذا نزلت عن الأخير نفضت الآخر عن صدري فأعود إلى فراشي وأتغطى وأتدفأ. فكيف أتردد? أخوفًا من أن أهوي من هذا العلو الشاهق إلى قاع الهوة، كبطة أردتها رصاصة صياد بط، فأتوجع فأموت?
ولكن موضعي هذا هو موضع الوهم على خازوق الوهم. فهو فيما يراه النائم من أحلام تخالف نواميس الطبيعة وأحكام المنطق. فهيا، هيا احتضن هذا الخازوق بساعديك وبساقيك وبكل ما فيك من عزم وحزم وإرادة شديدة عند الشدة، ثم اهبط عليه وئيدًا كالسنجاب.
فأزمعت أمري. فحركت ليفتيّ المتدليتين أتحسس صفحته فإذا بها ملساء كجلد الثعبان باردة مثل بروده. فأيقنت أنني لن أقوى على التشبث بهذا الثعبان. وإذا نزلت عليه فأنا واقع لا محالة في القاع، فأدق عنقي فأتوجع فأموت. فأمسكت.
واتتني حكاية الساحر الهندي الذي ينصب الحبل فيظل يرتفع في السماء حتى يغيب رأسه في الغيم فيصعد عليه حتى يغيب ثم يعود ويهبط عليه فلا يتأذي بل يسترزق. ولكنني قلت: ما أنا بساحر هندي بل مجرد عربي بقي، سحرًا، في إسرائيل.
فأردت أن أصرخ: أنا في كابوس! ثم أن أقفز، فلا يمكن أن أموت!
ولقد صرخت. إلا أنني لم أقفز. فإذا كان موضعي هذا هو موضع الوهم فوق خازوق الوهم، وفيما يراه النائم في منامه من حلم أو من كابوس، فلن يدوم الأمر طويلاً قفزت أم قعدت. وسوف أستيقظ، لا محالة، فأجدني في فراشي متغطيًا متدفئًا. فما حاجتي، إذن، إلى مسابقة الساعات، وربما الدقائق والثواني، حتى لحظة اليقظة الآتية لا محالة?

ما حاجتي إلى القفز إذا كان القعود سيقودني إلى النتيجة نفسها?
وهزتني قشعريرة من البردية كادت أن تلقيني من فوق الخازوق لولا قشعريرة خاطر لم أستطع أن أكفه عني:
فكيف إذا كان هذا هو حقيقة وليس فيما يراه النائم من حلم أو من كابوس? أما القول بأنه مخالف نواميس الطبيعة وأحكام المنطق فلا يكفيني برهانًا على أنه غير حقيقي. ألم تبحث عائلتي، عائلة المتشائل عن السعادة طي القرون في عجائب خارجة عن نواميس الطبيعة وعن أحكام المنطق? وإذا ظل أجدادي يدكون أعناقهم وهم يبحثون تحت أرجلهم عن الكنوز المطمورة، فها أنا قد وجدت ضالتي، وأنا أنظر فوق رأسي، في إخوتي الفضائيين الذين أعادوا إلى نفسي الطمأنينة فكيف ينتظر مني، من دون آبائي وأجدادي، وأنا فوق هذا الخازوق بالضبط، أن أسلم أمري إلى نواميس الطبيعة وأحكام المنطق?
ولقد بقيت على هذه الحال أترنح بين قشعريرة وقشعريرة، بردية تقيمني ومحتد عريق يقعدني، حتى التقيت (يعاد) مرة ثانية فشعرت بالدفء لأول مرة منذ ألف عام!