عرض مشاركة واحدة
قديم 05-31-2012, 08:27 AM
المشاركة 748
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
رابعا : الشعر ثقافة :

لكي يكون الشاعر شاعرا لا يمكن أن يكتفي منه بأن يتقن علوم اللغة كالنحو والصرف والاشتقاق أو علوم الوزن كالعروض والقافية أو علوم الأدب كتاريخ الحركات الأدبية والشخصيات الأدبية وعلوم البلاغة والنقد أو صنعة كتابة الرواية والقصة . ولكن يجب إلى جانب علوم الآلة هذه أن يكون مثقفا واسع المعرفة مسايرا لنمو العلوم والآداب . 23

إن الأدب والشعر -حسب غلاب -في حاجة إلى ثقافة ، والشاعر الذي لا يستند على رصيد هائل من الثقافة لا يمكن أن يكون شاعرا ولو كانت عنده المؤهلات الذاتية للشعراء كالذكاء وحسن الملاحظة وسرعة البديهة وقوة الاختزان ورهافة الحس . 24

خامسا: الشعر طبع وصنعة :

إن الصناعة هي أساس جودة الأدب ..وأن الكتابة فن كسائر الفنون لا تحتاج إلى الموهبة فحسب، ولا إلى معرفة اللغة وعلوم العربية فحسب ولكنها تحتاج أكثر من ذلك إلى إتقان صناعة الكلمة. 25

والواقع أنه لا يوجد تناقض بين الطبع والصنعة وبين الموهبة والتعلم.كلاهما ضروري للشاعر وأحدهما لا يغني عن الآخر. 26

الموهبة إذن ضرورية ولكنها في حاجة إلى صناعة لتخرج من نطاق النظر إلى مجال الواقع. 27

سادسا: الشعر حرية : الحرية بالنسبة للشاعر بصفة خاصة أو الأديب بصفة عامة هي الهواء الذي يتنفسه فيسري في فكره وفنه سريان الهواء الطبيعي في جسده . يقول غلاب :<<وما نشأ أدب وما نما في غير هواء الحرية . والأديب عندما يخلو إلى قلمه لا يفكر في الحرية ، لأنه لا يمكن أن يخلو إلى قلمه إذا لم تكن هناك حرية يستطيع معها أن يخلو إلى هذا القلم ، وإذا احتاج إلى التفكير في الحرية عندما يخلو إلى قلمه فذلك هو الخنق الذي يمنع الأديب عن أن يتنفس>> 28.

والدولة في نظر غلاب مسؤولة عن هذه الحرية من ناحيتين : أما الأولى فهي أن الدولة هي التي تمنح هذه الحرية أو على الأصح لا تمنعها . ( فمسؤوليتها كائنة بين الحاء والعين ) .وأما مسؤوليتها من الناحية الثانية فمن واجبها أن تهيئ الجو لنشر الشعر وذيوعه ، فلها أن تيسر سبل النشر وسبل القراءة، تدفع الشعراء والأدباء عامة إلى الإنتاج ، وتدفع القراء إلى الاستهلاكعن طريق وسائل النشر والدعاية للأدب إنتاجا وقراءة ومشاهدة . وعن طريق تيسير الطباعة والنشر من الترخيص أو الإعفاء من الضرائب التي تثقل كاهل الأديب . وعن طريق إنشاء المكتبات في المدن والقرى والأحياء، أو عن طريق إنشاء مكتبات متنقلة في الأسواق حتى يروج الكتاب. 29
يقول الأستاذ غلاب: <<والدولة التي تجد الكتاب فيها أغلى من الخبز هي دولة لا تقدر الحياة الفكرية بل إنها تضع في طريق الحياة الفكرية صعابا لا تستطيع هذه الحياة أن تتخطاها >> 30

سابعا : الشعر أداة :

الشعر في نظر غلاب فن يعتمد على أدوات أساسية في التعبير في مقدمتها : اللغة والصورة والموسيقى . 31

أما اللغة فمعناها الكلمة الجميلة التي تحتاج إلى عملية انتقاء .. وانتقاء الكلمة ليس سهلا .. ومعنى هذا أن الشاعر لكي يختار ألفاظه في حاجة إلى ثروة لغوية واسعة وإلى دقة في الحس اللغوي تمكنه من اختيار اللفظة الشعرية الجميلة المعبرة .32

واختيار اللغة لا يعني الالتجاء إلى القاموس أو إلى الغريب، ولكنه يعني الاختيار على أساس الأداء النفسي للمفهوم الشعري ، يقول : << الشيء الذي يتفق مع لغة الشعر المعبرة عن أحاسيس الشاعر ومفاهيم الشعر هو ما يستطيع الشاعر أن يشحن به الكلمة مستمدا من مشاعره وإحساسه فينقلها من مفردة قاموسية إلى مفردة شعرية>>33.

وأما الصورةفوسيلة الشاعر لأداء الفكرة أو التعبير عن العاطفة . وهذه الوسيلة لا تدرك بالفطرة ولا بالطبع ولا تدرك بتعلم أصول الكلام اللغوية والنحوية والصرفية والعروضية ولكنها تدرك بالممارسة والمجاهدة كما تدرك كل الصناعات الفنية التي تعتمد على الذوق إلى جانب التجربة .

وتأتي الموسيقى باعتبارها عنصرا أساسيا في الشعر ، وهي صنعة لا موهبة أو فطرة وما لم يستطع الشاعر أن يتقن هذه الصنعة لا ينتظر منه أن يكون شاعرا . 34

والأستاذ غلاب إذ يعتبر الموسيقى عنصرا أساسيا في الشعر فهو يهدف إلى أمرين :
- أولهما : ألا يقيد الشعراء بقيود لا يحاد عنها أو يجبَ الجمودُ عندها كما يقول فلا تتطور مع تطور الشعر .
- ثانيهما : أن التطور ليس معناه إلغاء كل القيود بدعوى الحرية . فتلك فوضى في نظره .
ويضع غلاب أمام المجددين في موسيقى الشعر العربي شروطاهي :
- ألا يكون عملهم صادرا عن تبرمهم – فقط - من الأوزان والقوافي باعتبارها قيودا تقيد إنتاجهم ، أو باعتبارهم لا يتقنون هذه القيود فيجب إذن التخلص منها .
- أن تتوافر في هؤلاء المجددين ثقافة واسعة بالشعر العربي والشعر الإنساني وبالموسيقى القديمة والحديثة ليعرفوا إلى أي مدى يعتمد الشعر على أصول فنية لا يستطيع التخلص منها .
- لا يمكن أن يصبح تجديدهم في الموسيقى أصولا تحتذى إلا إذا قبلها الذوق العام للشعراء والنقاد، ويكافح أصحابها من أجل بقائها . 35

نستخلص من الأدوات التي يشترطها غلاب للشعر أن الشاعر لا يمكن أن يكون شاعرا بمجرد المواهب الأولية : الموهبة - الذوق - الإحساس والشعور ، وأن الشاعر لا يمكن أن يكون شاعرا بمجرد إتقان علوم اللغة أو البلاغة ، فلا بد من أن يتقن صناعة الشعر ليكون شاعرا حقيقيا.

ثامنا : الشعر تلقي :

الشاعر الذي لا يجد متنفسا لا يمكن أن يعيش ، والمتنفس هو القارئ بالمعنى الكامل للقراءة أي القارئ الواعي المتفهم الناقد المناقش المحاور ، يقول الأستاذ غلاب : << إن الكاتب الذي لا يضمن القراء لا ينتج إلا إذا كان يعيش في عالم المثاليات أو في عالم الذين يكتبون القصيدة لينقشوها على الأحجار مثلا كعمل فني لا يهدف إلا إلى الفن نفسه >> 36 .

والشعر في نظر الأستاذ غلاب ما يزال يشكو من قلة القراء ذلك بأن المواطنين في هذه البلاد إما أميون بالمعنى الأولى للأمية ، وإما أميون فكريا بمعنى أنهم لا يحسون بالحاجة إلى أن يطوروا فكرهم وثقافتهم ، ومن ثم لا يقرؤون ولا يحسون بالحاجة إلى القراءة >> 37 .

وعلى الرغم من هذه الشكوى الصاخبة فإن الأستاذ غلاب يتفاءل خيرا بالشعر فيقول : << وما نظن أن قيمته كفن تعبيري ستنقص إذا قل مستمعوه في الأسواق والمهرجانات والاحتفالات ، ولكن قيمته ستزداد بين قرائه الذين يخلون إليه كما يخلو الشاعر إلى نفسه ويقرؤونه بنفس الروح الذي أملاه على الشاعر . لا خوف على مستقبل الشعر العالمي والعربي رغم صخب الأحداث التي يعيش فيها العالم لأن الشعر كفن قولي رفيع ما زال يدرك رسالته ويستطيع أن يقوم بها >> 38 .

ومن الصدف العجيبة أن يستعير الشاعر أحمد هناوي هذا التفاؤل الحسن ليخرج أكثر من مجموعة شعرية تحمل هذا الشعار : (لا خوف على أمة ما دام فيها الشعر والشعراء) .

تقويم عام :

لا أسمح لنفسي في هذا المقام ، وهذه المناسبة الكريمة بتقويم هذا المفهوم الذي سطرته أنامل الأديب عبد الكريم غلاب ، فهو نفسه لم يلزم الشعراء بهذا المفهوم ، يقول :<<لا أريد بالطبع أن أفرض هذا التصور على شاعر ما ، ولا أن أجعل منه دروسا نقدية أحكم بها على هذا الشعر أو ذاك ، ولهذا فأنا لا أحاكم على أساسها الشعر الحديث في المغرب>> 39.

ولكني أمنح لنفسي إبداء ملحوظة عامة هي أن مفهوم الشعر عندالأستاذ غلاب ينبعث من واقعية لها خصوصياتها الفكرية ولا أقول السياسية .

والملحوظة السابقة قد تختلف في منظورها مع بعض الآراء التي حاولت أن تجعل من فكر الرجل فكرا سياسيا ، يقول الأستاذ فطري مثلا:<< والالتزام السياسي ..هو الذي نجده في معظم إنتاجات غلاب الأدبية مما جعل هاته الإنتاجات تصبغ بالصبغة السياسية في كثير من الأحيان حتى أصبحت آثار السياسة غير خافية في مختلف الفنون الأدبية التي كتب فيها>> 40 .

قد نتفق مع الأستاذ فطري فيما يتعلق بفكر غلاب بعد الحماية ، وبإبداعه بعد الاستقلال ، لكننا نتحفظ في تبني رأيه بخصوص اصطباغ نقد الأستاذ غلاب بصبغة سياسية فيما قبل ذلك . إننا نعتبرها واقعية . فالفترة السابقة لعهد الحماية كانت تفرضسلطة الواقعية حسب تعبير عبد القادر الشاوي . وهي التي جعلت واقعيته اختيارا أساسيا في مواجهة التأثير الثقافي الغربي – الاستعماري ، وذلك ما حدد توجهها إلى الواقع .<<والحال أن الأصل في تكون سلطة الواقعية على صعيد الأدب المغربي الحديث .. يعود إلى هذا الاختيار وإلى هذه المرحلة بالذات >> 41