الموضوع: صفحتي الهادئة
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-29-2013, 10:26 PM
المشاركة 18
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


تبخرت أحلام اليافعة يوم خطبها الشيخ عمر لابنه البكر الذي تخلص من زوجته الأولى بعد طول عشرة من غير بنين ، أبي تربطه علاقة احترام وربما ولاء لآراء الشيخ عمر ذو العزيمة القوية واليد الفرعونية ، مثال للقسوة والشهامة ، هو قائد بيته ، في يديه مفاتيح الخزائن ، أولاده الثلاثة يسيرون وفق خططه وأوامره ، أصغرهم له طفلين ، أختي تبكي حظها ، فهي تتزوج رجلا مطلقا بضعف عمرها ، لا سلطة له ولا قرار ، أمي كانت متحفظة ، أبي يقول :" أنا لست من يرجع عن كلمته ، الكلمة هي الرجولة ، لقد زوجتها له " أمي بحكمتها أيقنت أن لامجال للرفض، فبدأت تهيء أسباب القبول للبنت ، تذكرها بمحاسن الزواج و الولد ، تحذرها من البوار والسمعة المشينة ، كل هذا الكلام لم يكن ليغير من قناعات البنت شيئا ، كانت تبيت الليل باكية العين مكسورة الفؤاد لا تفارقها أمي ليلا ونهارا ، بينما يصطحبني والدي معه ، يشحذ همتي و يقوي صلابتي . " الرجل يا بني هو القوة ، الشموخ ، لا تضعف يوما ، إياك و الدموع فهي الذل بعينه ، كن شاخصا مثل أبيك مرفوع الرأس ، مهما تكن الظروف ، لا تظهر عجزك لأحد حتى أقرب الأقربين ."
الشيخ موسى حكيم القرية ، يرعى أغنامه التي تجاوزت العشرين قرب منزله صباحا ، بعد الظهيرة يقودها عند قدم الجبل المطل على المدرسة ، كل مساء نساعده في استرداد نعجة طائشة أو حمل حمل لم يستطع الركض بعد ونحن عائدين من المدرسة ، كان يقول : " أنتم أبناء المدارس من سينتشل هذه البلاد من هذه الدناءة ، أنتم من سيحرر عقول الناس من الظلم والعار والجهل والقهر ، أنتم من سيدك العصبية ويمحقها ، كنت لا أفهم كثيرا من أقواله ، يا بني الاستعمار همش هذه البلاد وأسكن فيها الجهل و العداوة ، حتى بعد الاستقلال لم تتحسن الأحوال و لم يتغير الكثير ، فقط لا نشتغل في ضيعات العملاء ، و لاندفع لهم محاصيلنا ، لكن كل الأشياء التي كان يصرخ من أجلها الوطنيون في عز شبابي ، يومها كنت في المدينة شعارات تعد بالنعيم المقيم ، تنمية و تشغيل و تصنيع و معادن ، ملاحة وفلاحة ، أحلام كبيرة لم يتحقق منها إلا الشيء اليسير فقرانا ما تزال تائهة في بحار التخلف ، يوم جاءت هذه المدرسة سعدت غاية السعادة ،إنها مشكاة هذه الأرياف ، هي وحدها من يستطيع تغيير هذه الحياة النكدة إلى عيش رغيد .