عرض مشاركة واحدة
قديم 10-15-2011, 12:27 PM
المشاركة 6
ريما ريماوي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
عماد في دار العجزة 6/8

عماد مراهق ضائع، مازال في الثامنة عشر من عمره، يعيش اسوأ ما في المراهقة يدخّن ويشرب وعلى شفا الإدمان. انتقل للعيش في بيت الراحل منذ بضعة أشهر بعدما أنهى دراسته في مدرسة داخلية، رافضا إكمال دراسته الجامعيّة.

ذهب حاملا رسالة التوصية التي تركهاعمه الأكبر، متوجّها إلى دار مسنين فخمة يملكها صديق العم، وينتسب لها كبار السن من الذوات، رحّب صاحب الدار بعماد مترحّما على عمّه الذي له أياد بيضاء في التبرّع للدار، وعيّنه موظّفا بأجر على أن يقيم في جناح المستخدمين.

ثم اصطحبه في جولة سريعة كي يعرّفه على النزلاء ومرافق الدار المختلفة، ما إن انتهى من جولته حتى ركض يفرغ ما في جوفه، لم يحتمل رائحة الدار المشبعة بالمطهّرات. كما وأزعجته رؤية العجزة المسنين بلا حول ولا قوة.

لكنّه أصرّ على أن يستمرّ، رغم معاناته الأمرّين، وكان يحسّ الغثيان عندما يخدمهم وينحّي قذاراتهم، ويحزن لمّا يغيّب الموت أحدهم، فبدأ جسمه ينحل ويفقد الشعور بالسعادة والمرح.

ذات يوم استدعاه صاحب الدار، وعرّفه على العم "كريم" من كبار رجالات الدولة، في أوائل الثمانينات من عمره. طالبا منه مرافقته.

كانت من مهام عماد الأساسية القراءة لهذا الشيخ الكليل البصر، في البدء كان يقرأ كمجرّد آلة، لكنه تدريجيّا بدأ يتفاعل مع النصوص التي يقرأها.

وكان العم "كريم" يتمتع بذائقة حسنة، يقرأ روائع القصص وسصغي لأغاني الطرب الأصيلة والموسيقى الكلاسيكية والسمفونيات الخالدة، مع الوقت بدأت ذائقة عماد تتأثر، من موسيقى الروك الصاخبة الى الموسيقى الهادئة، ومن القصص الإباحية المرعبة إلى العالمية ذات العبرة والمغزى.

أطباعه أيضا تغيّرت ولم يعد ينسجم كالسابق مع أصحابه عندما يخرج برفقتهم في العطلة الأسبوعيّة، ثمّ توقّف نهائيّا عن الشرب والتدخين، وصار المفضّل عنده مشاركة نزلاء الدار والعم كريم حضور أفلام رعاة البقر وترجمتها لهم.

مرّة كان يقرأ على مسمع العم كريم قصة "البؤساء"، ولم يستطع ضبط نفسه عند نهايتها الحزينة لمّا رأى دمعة حرّى تنحدر من مقلة العجوز، فانهار هو الآخر وانفجر باكيا، وتذكّر أنه لم يبك حتى على والديه لما تسلّل ورأى جثمانيهما بعد مقتلهما في حادث سير، وقد صدمه المنظر ولدا صغيرا.

هاهو الآن يجلس على الأرض عند أقدام العم "كريم" وينتحب، بينما اكتفى الأخير بالتربيت على كتفه بحنان، هو أيضا الوحيد الباقي بعد وفاة زوجته ومن ثم ابنه الوحيد.

البكاء فرج، ارتاح عماد بعدها، وتقارب مع العم كريم أكثر، وبدأ يستمتع وهو يصغي لقصصه يروي عن بطولاته في الحروب التي خاضها في حياته، لا يمل من الاستماع إلى قصة حبّه لابنة عمّه، وكيف نزّلها عن حصانها وهي تزف الى عريسها، عندما عاد في الوقت المناسب من إحدى المعارك، ليتزوّجها هو. وأصبح عماد يعيش معه والنزلاء في جو عائلي حميم.