عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
1

المشاهدات
768
 
عبدالعزيز صلاح الظاهري
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


عبدالعزيز صلاح الظاهري is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
378

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Jun 2015

الاقامة

رقم العضوية
13953
02-15-2022, 10:24 PM
المشاركة 1
02-15-2022, 10:24 PM
المشاركة 1
افتراضي سبحة وعود أسنان!
بعد ان تناولت طعام العشاء في أحد قصور الأفراح اخترتُ مكاناً منزوياً بعيداً عن العيون، وجلست فيه وحيداً سارحاً بفكري
فجأة أطلّ عليّ صديقي الشاعر الشعبي - تسبقه كرشه - وبمجرد جلوسه قام كعادته بإخراج سبحه من جيبه الأيمن وأدخل يده الأخرى في جيبه الأيسر وأخرج عود أسنان وقال وهو يلوح بسبحته ويمرر العود على أسنانه : ما لي أراك حزيناً ومنطوياً في هذا الركن المظلم وكأنك حية رقطاء ؟!
فقلت: لا شيء .. فقط أحببت أن أجلس مع نفسي و أختلي بها ..
بلع ريقه وقال: ها ! أجبني: ماذا حدث لقصتك بعد تصحيحها من ابن عمي أستاذ اللغة العربية؟ هل فزت أخيراً ؟؟
فقلت بغضب: " انتظر لحظة ، انتظر ! " وغرست أصابعي في جيبي وأخرجت الأوراق منه ورميتها له ..
فتح الأوراق وقال باندهاش: إنها قصتك ؟!
قاطعته: لم تعد قصتي لوحدي ، بل هنالك شريك .. هو ابن عمك أستاذ اللغة العربية ..
أخذ يتصفح الأوراق ويقرأ بصوت متقطع مسموع وهو ينظر إليّ بطرف عينه ..
نصٌ مليءٌ بالأخطاء النحوية، وجهل بعلامات الترقيم ..
’’المصدر المسؤول من أن وما بعدها معطوف على مصدر منتزع من الكلام السابق ’’ ...
’’مبني لعدم وجود سبب للبناء ، ولا يُقال : إنه معرب لعدم دخول عامل عليه حتى يُعرب ’’...
هز رأسه بعنف ورمى الأوراق بحقد باتجاهي وقام من مكانه وثار في وجهي كالبركان:
أنتم عميان ومن ينتقدكم أعمى مثلكم ...
أتعلم لماذا؟ لأنكم جميعاً تبحثون عن الأضواء في سوق خلا من المتسوقين ..
على كل حال .. أعد حساباتك ، فالدنيا قائمة على العرض والطلب وأنت تهدر وقتك دون طائل ...
وتابع حديثه :الآن استمع إليّ جيداً : إنني أعرض عليك فرصة حقيقية ، الراوي الخاص بالشيخ مريض ومكانه شاغر ، سأمر عليك غداً لمرافقتي إلى قصر الشيخ ، فلديه مناسبة ، سأساعدك في الحصول على هذه الوظيفة ، فهي لا تحتاج لنحو ولا صرف ولا علامات ترقيم ، فقط أطلق العنان للسانك ...
فقلت باحتقار : "راوي "؟!
فرد علي ساخراً: ماذا ،يا أنطون تشيخوف ؟ نعم ، راوي ! واستمع إليّ أيها الأحمق : الكتابة ليست مجرد هواية ، بل حرفة بدون سوق ، هي ثرثرة ، وغادر بدون ان يستمع لردي ...
عدتُّ إلى منزلي تلك الليلة ، وأخذت أتلوى في فراشي ، فكلام صديقي لم يكشف لي عن شيء أجهله ، بل واقع أعايشه ...
فذاكرتي مليئة بصور تلك الروايات القادمة من شتى الثقافات ، وهن متزينات ، أصابهن الإعياء والسأم من ركودهن الطويل على رفوف المكتبات ...
وتلك الكتب التي سهرتُ من أجلها ليالي وأيام ، وبسببها خسرت الكثير من الجهد والمال والخلان ، والنتيجة ! قصصٌ تشَرَفتْ بالجلوس على أرفف المكتبات مدة من الزمن ثم أعيدت إليّ لتصبح حبيسة الكراتين داخل بيتي أراها باليل والنهار ...
لذا عندما أتى إليّ وأخذني معه لم أقاوم ، بل أخذت أستمع إليه بإنصات وهو ينصحني قائلاً :
انزع من قصصك الحداثة ولونها بالتراث واعلم ، إن الشيخ وضيوفه لا يهمهم من أي أرض أتيت ولا بماذا نطقت! فأنا وأنت بالنسبة لهم لسنا سوى مهرِجَان بائعان للكلام !
وما أن دخلنا مجلس الشيخ العامر ، حتى قام صديقي يشدو بقصيدة تغنى فيها بأبيات المدح وبكرم الشيخ وحسن ضيافته وبمجرد انتهائه قام بتعريفي علي الشيخ والذي طلب مني أن أروي قصة له ولضيوفه ففعلت ...
وبمجرد انتهائي دُعينا لمؤدبة العشاء، وجلست أنا وصديقي لوحدنا متقابلان على صحن توسطه خروف محمر بالفرن ، رائحته عطر فواح ومنظره يسيل اللعاب ، وطعمه لا يقاوم ، تحيط بهذا الصحن سلال الفواكه التي لم أذق لها مثيل. !
ومن ثم ذهبنا إلى ركن الحلا، فوجدت نفسي امام طاولة عرضها مترين وطولها عشرة أمتار تزخر بأنواع الحلا ألوان واشكال، لم اعرف منها الا القليل ومن هذا القليل
" أم علي "...
وعند خروجنا ناول سكرتير الشيخ كلاً منا ظرفاً متين محشي بالدولارات، فقلت حينها في نفسي : عشاء وحلا ونقود خضراء في ليلة واحدة ؟! فتذكرت هذه الآية) : لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ) ...
توالت الليالي وزان الحال واشتريت فيلا وسيارة بأغلى الأثمان ، وأصبحت أحمل مثل صديقي سبحة في جيبي الأيمن ألوحُ بها ...
وعود أسنان في جيبي الأيسر، أخرجه بعد كل مؤدبة غداء أو عشاء، أعضه بأسناني وأضمه بشفتي وألاعبه بلساني!