عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
8

المشاهدات
3323
 
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي


محمد جاد الزغبي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,179

+التقييم
0.18

تاريخ التسجيل
Jan 2006

الاقامة

رقم العضوية
780
06-01-2019, 03:03 AM
المشاركة 1
06-01-2019, 03:03 AM
المشاركة 1
افتراضي ما كان موسي عليه السلام خائفا , ولا كان سليمان عليه السلام أنانيا
[justify]
ما كان موسي عليه السلام خائفا , ولا كان سليمان عليه السلام أنانيا


من دوافع الإيمان دافع يفهمه المؤمنون خطأ فى غالب الأحوال , وهو دافع الحياء والرهبة الذى يدفعهم لكتم السؤال واستعظام أمره , وبالتالى يسيطر عليهم بعض الشبهات ظنا منهم أنهم إذا سألوا فيها سيواجهون تهمة الإلحاد أو الكفر وهذا بطبيعة الحال من الجهل الكبير بحقيقة هذا الدين الخاتم ,
فكتاب الله وسنة نبيه عليه السلام جاءت بيضاء نقية , وكلها من الوحى الشريف , وطالما كان السؤال صريحا ليس بالجدل , ولم يكن سؤالا فيما لا طاقة للوصول إليه كصفات الله مثلا , هنا يجوز للمسلم أن يخرج من بصدره فيسأل ويتحرى عما يشاء ويعتمل فى صدره , وبلا أدنى حرج ,
فالله من فوق سبع سماوات أباح لنا مجادلة النفس والناس فى حقيقة وجوده هو عز وجل , وأعطانا فى كتابه أدلة المناقشة والحوار , فإن كان مبدأ وجود الله مطروح فليس هناك ما يمكن أن يدفعنا للحياء من التصريح , فالعيب ليس فى طرح السؤال وإنما العيب أن يأتينا الجواب فنزاداد به جدلا أو إغراقا فى تفاصيل لن يكون لها جواب متاح أبدا كما فعلت الفرق الكلامية فى التاريخ الإسلامى ..

القصد ..
من تأمل القرآن الكريم سيجد أن موسي عليه السلام كان أكثر الأنبياء تعبيرا عن خوفه فى القرآن , وكان خطابه لله عز وجل يحمل هذا المعنى فى كافة مواطن مواجهته مع فرعون وقومه , وهذا قد يثير تساؤلا عن كيفية تصور وجود الخوف فى رسول من أكابر أولى العزم فضلا على أنه كليم الله أيضا , وخطابه كان منفردا متفردا بلا واسطة ملائكية ..
أيضا هناك إشكال يخص سليمان عليه السلام حيث دعا ربه قائلا
( رب هب لى ملكا لا ينبغي لأحد من بعدى ) ,
وفى هذا إشكال عن تصور هذا الطلب من نبي مختار يطلب لنفسه ملكا متفردا , وأيضا ملكا احتكاريا لا يتكرر وهو ما يخالف بالطبع ما هو مفترض للعباد الصالحين فضلا على الأنبياء والرسل

والجواب ببساطة أن موسي عليه السلام لم يكن خائفا , ولا سليمان عليه السلام ــ وحاشاه ـــ أنانيا ,
ونيدأ بموسي عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام , ومن يتتبع قصة موسي فى القرآن سيجد أن كافة مواطن تعبيره عن خوفه فى القرآن كانت محصورة فقط فى حواره مع ربه عز وجل , ولا يوجد تعبير واحد له مع أحد من الخلق يحمل ذرة من الخوف إلا شكواه لشعيب عليه السلام عندما روى له ما وقع من قصته , وحتى هذا الموقف كان قبل الرسالة والنبوة
وبعدها لا نجد لموسي عليه السلام تعبيرا عن الخوف أمام أحد على الرغم من كثرة المواقف التى انخلعت فيها قلوب أتباعه , وكان موسي فيها أسدا هصورا ..
فرغم تعبيره عن خوفه من فرعون إلا أنه عندما حدثت المواجهة كانت شجاعة موسي وهيبته دافعا لفرعون نفسه كى يتراجع أمام موسي ويظهر ضعفه ,
وفرعون رغم جبروته الذى دفعه لقتل السحرة كان من باب أولى أن يدفعه لقتل موسي وهارون لكنه ما خطر لله ببال لا هو ولا أتباعه والسبب شجاعة موسي وقدرته التى دفعته للوقف فى وجهه والرد عليه وأيضا ـــ كما ثبت فى الروايات ــ كانت الشجاعة ظاهرة فى نهيه وزجره للسحرة عندما أقسموا بعزة فرعون أنهم الغالبون , كما أن شجاعة موسي كانت ماحقة عندما أدركه جيش فرعون على حافة البحر وكاد قومه يصرعون خوفا , ثبت أمامهم وقال
( كلا إن معى ربي سيهدين .. )
وبالتالى فخوف موسي عليه السلام لم يكن خوفا على الحقيقة , فالخوف المعيب إنما هو خوف التراجع عند المواقف ذاتها وأمام البشر أما تعبيرك عن خوفك ومكنون صدرك أمام ربك فهذه بذاتها هى قمة الشجاعة , بالضبط كما تصبح عبوديتك ومناجاتك بالتذلل لله وحده هى قمة قمم الحرية والعزة والإستقلال عن دنيا البشر , فالخوف من الله والشكوى إليه بخوف حوادث الدنيا هى من أصول الشجاعة بينما لجوئك للبشر خوفا من تدابير الدنيا هو قمة الضعف والجبن ..

أما سليمان عليه السلام في قوله
( رب هب لى ملكا لا ينبغي لأحد من بعدى ) ,
وهو الدعاء الذى يثير ظاهره إشكالات عديدة إذا ظننا أن سليمان طلب الملك وفوق الملك طلب ألا يؤتى مثله أحد بعده ,
فلو أخذنا بظاهر الامر لما كان هذا من فعل الأنبياء , كما أن طلب الإبتلاء ليس من دعوة الأنبياء أيضا فقد ثبت عن النبي عليه السلام أنه ما كان يدعو بدعاء متكرر صباح مساء بقدر ما يدعو بالعافية ـــ وهى تفادى الإختبار ــــ كما ثبت عنه عليه السلام أنه قال
( ما سأل عبد الله شيئا أعز من العافية ) ,

كذلك نهانا النبي عليه السلام حتى من تمنى فضيلة كبري كالجهاد فى سبيل الله , بل أمرنا أن ننتظرها قدرا فإن جاء الإستدعاء ذهبنا فقال
( لا تمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية , )
وبالتالى فالأقوال التى فسرت موقف سليمان عليه السلام بأنه كان حبا فى الإبتلاء لاختبار صبره لا يناسب إطلاقا قواعد الرسالة والنبوة المتفق عليها بين الرسل فى إطار المعادلة الربانية
( من طلب شيئا أوكل إلى نفسه ومن طُـــلب لشيئ أعانه الله )
ولهذا فدعاء سليمان عليه السلام لكن دعاء لنفسه , بل كان دعاء للأمة كلها للأسباب التالية ..
أولا : معروف قطعا أن كل رسول ونبي كان يبعث بمعجزات تتناسب مع الفرع الذى نبغت فيه علوم قومه , وفى عهد سليمان وما قبله كان بنو إسرائيل قد قطعوا شوطا طويلا فى أمور السحر وتفننوا فيها , واستعانوا بالجن وسخروهم , وأفسدوا فى الأرض كعادتهم , هنا كان دعاء سليمان منطقيا حيث اشترط الملك المتفرد أولا , ثم جعل معه امتداد التفرد لما بعده فلا يستطيع أحد أن يسخر الجن والشياطين قسرا لخدمة أغراضه ,
وهو ما يفسر معنى الملك الذى طلبه سليمان أنهم تحكم فى الشياطين والجن بالحكم الجبري , فصادر كل قدرة لأى بشري فى عهده على تسخير الجن الذى كان متاحا فيما قبل ملك سليمان , وبقيت فقط القدرة على الإستعانة بالجن مختارا

ثانيا : ومعروف بالطبع أن التسخير شيئ , والإستعانة شيئ آخر تماما , فالإستعانة بالجن فقط هى المتاحة فيما بعد سليمان , أما التسخير فدخل منذ دعائه فى إبطال القدرة
ولهذا السبب تحديدا جاء حكم الإسلام على الساحر هو القتل بحد الكفر , مع أن الساحر كما يفترض مرتكب كبيرة من أكبر الكبائر ,
فما هى علة القتل بحد الردة , ؟
العلة هنا أن الساحر لا يمكن أن يصبح ساحرا أصلا إلا إذا عاونه الجن على فسقه , وهذه المعاونة لن تأتى من الجن بالإجبار بل ستأتى بالتوافق والشياطين لا تعين الساحر إطلاقا إلا إذا كفر ابتداء , ومن يتابع اعترافات السحرة التائبين سيلاحظ اتفاقهم على أن الشياطين لا تعاونهم قبل أن تضمن كفره كفرا عمليا بشيئ ظاهر يطلبوه منه , وهنا حديثي يتعلق بالطبع بالسحرة الذين يفعلون ذلك بالفعل ـــ وهم ندرة ـــ أما الدجالين فهؤلاء بالملايين ولا علاقة لهم بالسحر الذى يكفر فاعله وفقا لأحكام الشريعة

ثالثا : يتضح من ذلك أن سليمان فى دعائه لم يكن يطلب لنفسه , بل كان يطلب لأداء مهمته ,
أما الطلب الأول فهو الملك الجامع الذى يعتبر الطريقة الوحيدة لإثبات نبوته فى مجتمع تعربد فيه الشياطين والسحرة فإذا جاءهم سليمان بمعجزة إبطال قدراتهم تلك ومصادرتها كان هذا هو الدليل الباهر لنبوته ,
والطلب الثانى تمثل فى أن سليمان آثر بقية الأمم الباقية بدعائه هذا حيث دعا ربه أن يجعل تحكمه الجامع فى الجن والمتفرد رهنا بشخصه هو وحده , فلا يتاح تسخير الجن قسرا من بعده لأحد ولا شك أن سليمان عليه السلام بهذا أدى خدمة جليلة لمن أتى بعده حيث منع أكبر الشرور التى كانت متاحة قبله وهى وجود الطرق التى تؤدى لتحكم الإنس بالجن بكل ما يتبعه هذا من فساد ,
ويدلل على ذلك أيضا دليل واضح وصريح تمثل فى حديث النبي عليه السلام عندما ظهر له شيطان أثناء الصلاة فهم بإمساكه وربطه فى سارية المسجد تأديبا له , وقال للصحابة
( لولا دعوة أخى سليمان لربطته بسارية المسجد ليصبح يتلاعب به أطفال المدينة )
فالذى منع النبي عليه السلام هنا كان دعوة سليمان ـــ التى لا تشمل الرسل بعده قطعا ــــ حيث دعاء بوقف قدرة السيطرة التسخيرية للبشر على الجن , فتركها النبي عليه السلام تأدبا مع أخيه سليمان عليه السلام ..
بهذا يتبين لنا أن دعاء سليمان كان دعاء لصالح أمته ولصالح البشر لا سؤالا منه للملك والتفرد فيه لنفسه , وهو ما لا يجوز على نبي قط , ويؤكد هذا أيضا أن سليمان بقوله ( لا ينبغي لأحد من بعدى ) يعتبر دليلا إضافيا على أنه طلب فيه إنكار ذات إذ لو كان الطلب لنفسه لطلب سليمان أن يرث أبناؤه هذا الملك متفردين , لا سيما وأنه ورث الملك عن أبيه داوود عليه السلام , لكنه لم يفعل ولو كان يطلب لنفسه لطلبه لمن بعده من موارثه حتما ..
[/justify]