عرض مشاركة واحدة
قديم 07-30-2011, 04:30 PM
المشاركة 3
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
جدعتم بعبد الله آنف قومه ... بني مازن أن سب راعي المحزم
وقال الآخر:
أية نار قدح القادح ... وأي جدٍ بلغ المازح
وتقول العرب: العَصَا من العُصَيَّة، ولا تلد الحيَّةَ إلا حَيَّةٌ.
وعبتَ كتابي في خلْق القرآن، كما عبت كتابي في الردِّ على المشبّهة؛ وعِبْتَ كتابي في القول في أصول الفتيا والأحكام، كما عبتَ كتابي في الاحتجاج لنظم القرآن وغريب تأليفه وبديعِ تركيبه، وعبتَ معارضَتي للزيدِيَّة وتفضيلي الاعتزالَ على كلِّ نِحْلة، كما عبتَ كتابي في الوعد والوعيد، وكتابي على النصارى واليهود ثمَّ عبتَ جملةَ كتبي في المعرفة والتمست تهجينَها بكلِّ حيلة، وصغَّرت من شأنها، وحطَطت من قدرها، واعترضت على ناسخيها والمنتفعين بها، فعبتَ كتاب الجوابات، وكتاب المسائل، وكتابَ أصحابِ الإلهام، وكتابَ الحجَّة في تَثبيت النبوّة، وكتاب الأخبار، ثمّ عبتَ إنكاري بصيرةَ غنام المرتدِّ، وبصيرةَ كلِّ جاحد وملحد، وتفريقي بين اعتراض الغُمْر، وبين استبصار المحقّ، وعبتَ كتابَ الردِّ على الجَهْمِيّة في الإدراك، وفي قولهم في الجَهْالات، وكتاب الفرقِ ما بينَ النبيّ والمتنبي، والفرق ما بينَ الحِيَل والمخاريق، وبينَ الحقائقِ الظاهرة والأعلام الباهِرة، ثمّ قصدتَ إلى كتابي هذا بالتصغير لقدره والتهجين لنظمه، والاعتراض على لفظه، والتحقير لمعانيه، فزَرَيت على نحْتِهِ وسَبكه، كما زَرَيت على معناهُ ولفظِه، ثمّ طعنتَ في الغرض الذي إليه نزعْنا، والغاية التي إليها قَصَدنا، على أنّه كتابٌ معناه أنبَهُ من اسمِهِ، وحقيقتهُ آنَقُ من لفظه، وهو كتابٌ يحتاجُ إليه المتوسِّط العامي، كما يحتاجُ إليه العالم الخاصي، ويحتاج إليه الرَّيِّض كما يحتاج إليه الحاذق: أما الرّيض فللتعلُّم والدرْبة، وللترتيب والرياضة، وللتمرينِ وتمْكين العادة، إذْ كان جليلُه يتقدم دقيقه، وإذا كانت مقدِّماته مرتبةً وطبقاتُ معانيه منزّلة، وأما الحاذقُ فلكفايةِ المُؤنة، لأن كلَّ من التقط كتاباً جامعاً، وباباً من أمَّهات العلم مجموعاً، كان له غُنْمه، وعلى مؤلّفه غُرمُه، وكان له نفعُه، وعلى صاحِبهِ كَدُّه، معَ تعرُّضِهِ لمطاعِن البُغَاةِ، ولاعتراض المنافِسِين، ومع عرْضِهِ عقلَه المكدودَ على العقولِ الفارغة، ومعانيه على الجهابِذة، وتحكيمه فيه المتأوِّلين والحسَدَة، ومتى ظَفِر بمثله صاحبُ علم، أو هجمَ عليه طالبُ فقه، وهو وادعٌ رافِه، ونَشِيط جَامٌّ، ومؤلِّفه مُتعَبٌ مكدود، فقد كُفي مَؤُونَة جمعه وخزنِه، وطلبِه وتتبُّعِه، وأغناه ذلك عن طول التفكير، واستفادِ العمر وفلِّ الحدِّ، وأدرَك أقصى حاجتِه وهو مجتمعُ القُوَّة، وعلى أنّ له عند ذلك أن يجعَلَ هُجومه عليه من التوفيق، وظفَره به باباً من التسديد.
وهذا كتابٌ تستوي فيه رغبةُ الأُمم، وتتشابَه فيه العُرْبُ والعَجَم، لأنه وإن كانَ عَرَبيًّا أعرابياً، وإسلاميًّا جماعيًّا، فقد أخَذَ من طُرَفِ الفلسفة، وجمع بين معرفةِ السماعِ وعلْم التجرِبة، وأشرَكَ بين علمِ الكتاب والسنة، وبينَ وِجْدان الحاسَّة، وإحساس الغريزة، ويشتهيه الفتيان كما تشتهيه الشيُوخ، ويشتهيه الفاتِكُ كما يشتهيه الناسك، ويشتهيه اللاعبُ ذو اللَّهو كما يشتهيه المجدّ ذو الحَزْم، ويشتهيه الغُفْلُ كما يشتهيه الأريب، ويشتهيه الغبيُّ كما يشتهيه الفَطِن.