عرض مشاركة واحدة
قديم 02-01-2014, 01:05 AM
المشاركة 43
أحمد الورّاق
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
فالدين كله عقيدة وحتى الفقه عقيدة ، والدين يجب أن يؤخذ كله، أليس في العقيدة أن تعتقد أنه لا يجوز الذبح لغير الله، كذلك في الفقه تعتقد أن الوضوء شرط لصحة الصلاة،
الآن تعبر الدين كله عقيدة ، و في و نصك الأول يعتبر الدين كله أخلاق ، و في جزئية تعبر الدين كله عبادات .
فلماذا لا تريد أن تعبر الدين عقيدة و عبادة و أخلاق . فأين المشكل يا أخي ، ثم مرارا قولتني أنني لا أعير قيمة للأخلاق الإسلامية ، كم تريد من حديث و من آية عن الأخلاق الإسلامية ، عن الصبر والأمانة و غض البصر و كل الآداب الإسلامية . لا تقولني ما لا أقول . أما مصطلح الأخلاق هكذا فهو تتنازعه التعاريف يا أخي الكريم ، شئت أم أبيت .
نعم.. لا تناقض فيها، كل الدين عقيدة وكل الدين أخلاق (خير) ، أم أن الأخلاق ليست خيراً؟! إنها عقيدة أخلاقية وأخلاق عقدية ، فما المشكلة؟؟
لكن إذا قسمت الدين إلى عقيدة وأخلاق هنا المشكلة، وأنت لا تريد الاعتراف أنها مشكلة، لأنك تقوم بعملية اجتزاء عندما تقول أن في الإسلام أخلاق وعزلتها في قسم، فهذا يعني أن العقيدة لا علاقة لها بها، وإلا لما تم الفصل، فالأخلاق تكون في قسم الأخلاق، وإذا قلت لك أن الأخلاق عقيدة ستقول: لا بأس، لكن أن تكون العقيدة أخلاق فهنا المشكلة، وهذا إيقاف للمنطق وانتقاء منه.

وبنفس الوقت عجزت عن حل المشكلة عندما قلت لك: ما هي العقيدة إن لم تكن أخلاق؟ فلم تأت برد مقنع ولجأت للنقولات التي تتكلم عن تفاصيل العقيدة وهي موضوع آخر غير موضوعنا، وتعود وتسأل ما المشكلة!
ووضحت لك ما يترتب على هذه الفكرة، إذا كانت مشكلتك مع كلمة أخلاق فدعها جانباً مع أن الله قد ذكرها لنبيه، فأنت تأنف عما استعمله القرآن، فاستبدلها بكلمة "خير" فهل تنحل المشكلة هكذا؟ فهل كلمة خير تتجاذبها التعاريف أيضاً؟! هل العقيدة خيرة أم شريرة؟

لا يصلح أن يكون لنا تحسس من مصطلحات ككلمة أخلاق وفلسفة وعقل، فإما أن تبين المشكلة فيها منطقياً وإلا فلا قيمة للتحسس؛ لأن فلان تحسس منها فأنا أتحسس ولأنه نفر منها أنا أنفر! فهذه ليست بصيرة. والمشكلة أنها كلها مطلوبة في الإسلام، فالعقل مطلوب والأخلاق مطلوبة، وأنت تتحسس منها..! وما الفلسفة إلا مجهود عقلي يعتمد على المنطق سواءً كان صائباً أو مخطئاً ، نريد علماً يُفهم ولا نريد حساسيات وتورعات غير مبررة، فالإسلام دين الوضوح والمحجة البيضاء، والمسلم لا يتحسس من أمور حث عليها القرآن، بل يجب أن يتحسس من مثل هذا التحسس ويشك في مصدره وأن يكون وسوسة من الشيطان.

الله الذي قال في كتابه {وإنك لعلى خلق عظيم} هو الذي قال {لقوم يعقلون} وكلا الكلمتين في سياق المدح من رب العالمين، فلماذا نتحسس منها؟؟ وإذا قلت لا عقل في الدين ، فالآية تتكلم عن العقل في الدين {لقوم يعقلون} أي في الدين.. وإذا قلت لا أخلاق في العقيدة الإسلامية، فالله مدح رسوله بالخلق وهي نفس الكلمة التي تتحسس منها، والرسول صلى الله عليه وسلم نفسه قال أنه جاء لأجل إكمال الأخلاق التي تنأى بالعقيدة أن توصف بها.
والكثيرون مع الأسف يتحسسون من هاتين الكلمتين (الأخلاق والعقل) ويريدون إبعادهما عن الدين والعقيدة، إذن ماذا يبقى في شيء تذهب عنه الأخلاق والعقل؟!

ولا تقل أن العقيدة لا خيِّرة ولا شريرة وكأنها في منزلة بين المنزلتين، فلا مهرب هنا، وليس بعد الحق إلا الضلال، فإن قلت أنها خيِّرة إذن عليك أن تقول أن أهداف العقيدة هو الخير وعليك أن تشرح الخيرية في كل جزء من العقيدة ، وأي جزء يعارض الخيرية سيكون فيه نظر.

ليس من الممكن أن تقدم للناس عقيدة دون أن تصفها بخير ولا بشر، ربك مدح نبيه بالخلق العظيم بما في ذلك عقيدته، ولم يقل أن التعاريف تتجاذبها! أم تراه أنه لا يعلم أنه سوف تتجاذبها التعاريف؟! لكنه لم يصفه بأنه على عقيدة عظيمة.
ثم هل كل شيء تتجاذبه التعاريف نرميه جانباً؟! حتى في الإسلام نفسه لا يوجد شيء يتفق عليه كل العلماء مئة بالمئة إلا ما قل، وكل شيء تتجاذبه التفسيرات والتأويلات، فهل نلقيه جانباً؟ إن كل شيء تتجاذبه التعاريف.
ما الذي يدفعنا أن نبتعد عن القرآن وهو حبل النجاة؟ فكل من ابتعد عنه هلك.

التركيز على العقيدة دون بقية الدين نوع من العلمانية

مشكلتنا مع التصنيف لن تنتهي أبدا ، نحن نحب التفييء و لا نؤمن أبدا بالإستقلالية الفكرية ، اعلم أخي الكريم أن لا حساسية لي مع كل التوجهات فكرية كانت أو دينية ، و في الوقت ذاته أعتز بإسلاميتي .
هذه مشكلة بحد ذاتها، كيف تعتز بإسلاميتك وليس عندك تحسس من كل التوجهات الفكرية أو الدينية؟ وإذا كان هذا التوجه مضاداً للإسلام فهل تقبله؟ هل أفهم من هذا أن العلمانية في الفكر شيء مقبول؟
تستطيع أن تفهم كلامي هذا إذا خرجت عن المعهود، فافترض أنك جديد على الإسلام ثم اقرأ كلامي، فحينها سوف تفهم، لأن المشغول لا يُشغل والممتلئ لا يُعبأ، فقط تخيل أنك جديد وتريد أن تفهم الإسلام، وبعدها انتقد وناقش، فستجد أنك تحتاج لما قرأته حتى تفهم الإسلام.

أنت لم تفهم حتى الآن أي مشكلة في الفصل العقيدة والأخلاق رغم شروحاتي الكثيرة، والسبب أنك تنظر إلى كلامي كأنه محاولة دمج بين شيئين مختلفين: شجرة ومنزل - أو باب وشباك ، مع أنه في حقيقتهما غير منفصلين. ومن مثل هذا الفصل ربما أنك ترى النفس منفصلة عن الروح والجسد، وأن كلاً منها يعمل لوحده، هذه مشكلة التقسيمات ، فهي توضع لأجل التوضيح ثم يأتي الناس ويعتبرونها كالجدر الفاصلة، أنت تتوقع إن كنت تفكر بهذه الطريقة أن علم الاجتماع لا علاقة له بعلم النفس وأن الجغرافيا لا علاقة لها بالتاريخ وأن الجهاز التنفسي مختلف عن الجهاز الهضمي ولا علاقة بينهما، وهذا هو السائد، فالفصل هو السائد.

نعم يوجد اختلاف ظاهري، ولكن علينا ألا نعمق المقطع ونفصل فصلاً تاماً، فالنبات له أجزاء مختلفة عن بعضها لكن لا يصلح أن نفصلها فصلاً كاملاً. إنها مشكلة سائدة ومنتشرة نسميها "مشكلة تحول التقسيم إلى تقطيع من شيء كان كلاً واحداً ". والشيء الواحد إذا قُطِّع مات وماتت وحدته، كل بلد يقسم إلى ولايات ومناطق فهذا لا يعني أنها صارت مستقلة لأنها حملت اسماً.

وكلامك أن الأخلاق نسبية وتتطور.

يا أخي الكريم ، أليس الرق مباحا في وقت ما ، هل لايزال أخلاقيا في نظرك ؟
ألم يتزوج أبناء آدم أخواتهم ؟ واليوم يعتبر من المحرمات .
أليس التعدد مشرعا ثم قننه الإسلام وكان قاعدة عامة و أصبح اليوم استثناء .
ألا تشرع البرلمانات القوانتين كل يوم في تطور مهول هل تستند لغايات غير أخلاقية كلها ؟
لماذا ترهبك كلمة التطور والنسبية ، هل لأنك تحب تعميم المصطلحات ، فتعتبر كل شيء يتطور ، ألم أقل لك أن العقيدة لا تتغير أبدا . فلأنك تريد تعميم الأخلاق تحب تعميم نظرية التطور أم أنك تحب إلغاء التطور كمصطلح ، فهل يحرجك التطور .
هل نفهم من هذه الأمثلة التي استعرضتها أن أخلاق الإسلام كانت متخلفة في مجال الرق وغيره وقت نزول القرآن؟! بل هذا ما تؤدي إليه نظرتك، بينما موقف الإسلام من الرق أرقى من موقف الرأسمالية الغربية لو دققت فيه؛ لأنه حرمه بين المسلمين وتعامل معه أفضل تعامل مع غير المسلمين بطريقة توصل إلى إزالته من المجتمع لو طبقت دون أن يتضرر أحد، وليس كما حصل في تحرير العبيد في الغرب بطريقة إلزامية متعسفة حتى على العبد نفسه، لأن بعضهم لم يكونوا يريدون التحرر فحرروهم رغماً عنهم وتغيرت حياتهم فجأة بطريقة أضرت بهم، والعبيد الذين كانوا بالغرب ليسوا عبيداً أصلاً بل مسروقون من أفريقيا وليسوا نتيجة حرب، وهذا أمر يحرمه الإسلام أصلاً أن يسرق أحدهم من أرضه ويستعبد.

وذلك لأهداف سياسية تحمس لها اليهود في الغرب ليقضوا على قدرة اللوردات والبارونات الذين يمتلكون العبيد، وليكبروا الطبقة الوسطى ويحولوها إلى استهلاكية على حساب الطبقة الأرستقراطية؛ لأن الأرستقراطية كانت ترفض سيطرة اليهود وتعتمد على التراث المسيحي. ومثلما حارب اليهود الدين المسيحي باسم العلمانية والليبرالية والإلحاد. ولأن اليهود أصلاً ليسوا ملاك عبيد بل ملاك بنوك وبحاجة لإقراض هؤلاء الأحرار الجدد قليلي الخبرة في الاستثمار وإغراقهم بالديون، وتحمست له الولايات الشمالية الصناعية لأجل السيطرة على الولايات الجنوبية التي تعتمد على العبيد في الزراعة.

لو كان الإسلام يقبل العبيد لما حث على تحريرهم وإعتقاهم لدرجة أنه جعله من تجاوز العقبة فك رقبة، لاحظ كلمة (فك رقبة)، وجعله أيضاً من مصارف الزكاة ومن الكفارات، لو كان يرى أن الرق عمل أخلاقي لما حث الإسلام على إزالته.

أما موضوع زواج الإخوان بالنسبة لأبناء آدم، فنحن لا ندري كيف تم الأمر، فهو أمر غيبي، فقد يكون خلق الله لهم أزواجاً مثلما خلق لوالدهم زوجة، ومثلما يخلق أزواجاً من الحور في الجنة، فالله أعلم.
وعلى فرض أن هذا كان، فترك ما لا تقوم الضرورة إلا به هو عمل غير أخلاقي، وافترض لو فني كل الناس وما بقي إلا أخ وأخته، فسيكون زواجهم أخلاقياً حينها، لأن عدمه سيسبب فناء، وتعمد الفناء للجنس البشري غير أخلاقي.

ثم ما دخل التعدد في الأخلاق؟! هذا أسلوب في بناء الأسرة، فقد تكون كبيرة أو صغيرة، ومن الذي جعله استثناءً؟ إنه الثقافة الغربية المبنية على المسيحية التي ترفض التعدد. فلا يكن مقياسك ما يرفضه الغرب وكأن البشر هم الغرب، هم يرفضون التعدد ويبيحيون التخلل (من الخليلات مثنى وثلاث ورباع وتساع وعشار!) وبدون تحمل أي مسؤولية كما في الزواج الأخلاقي، فهل هذا ارتقاء أو انحطاط في الحيوانية؟! أيهما أرقى أخلاقياً: من يعدد ويلتزم أم من يعدد ولا يلتزم؟!
الشعوب القديمة كانت تحترم الزواج وتكره البغاء وتتشدد فيه أيضاً، أما عند الغرب فقد انعكس الوضع الآن ولم يتطور بل تراجع.

إذن انتقال صور الأخلاق بين الازدهار والتراجع هو حركتها وليس التطور، فتجد مجتمعاً يلتزم بعفاف المرأة ومجتمعاً آخر يتخلى عن عفاف المرأة، فكيف نقول عن هذا أنه تطور ولا نقول أنه تراجع؟! فالتطور أن يأتي بخلق جديد لم يكن موجوداً أصلاً ويوضع بجانب الكرم والشرف والعدل ...إلخ من الأخلاق القديمة، فاذكر لي نوعاً واحداً لا ينتمي إلى شيء منها، لا يمكن، وإن ذكرت شيئاً فسيكون تابعاً لأحد منها، إذن الأخلاق لا تتطور بل تنشط وتتراجع بشكل كلي أو جزئي.

الاستعباد مثلاً أليس معناه التحكم في مصير البشر؟ هل زال هذا من الغرب أم ازداد؟ أليس هدف الرأسمالية الأخير هو تحويل الجميع إلى عبيد يعملون بملئ بطونهم بعد إغراقهم بالديون وارتفاع الأسعار الذي لا يتوقف، هذا ما بدأ يتضح في أمريكا مثلاً، حرروا حفنة من العبيد واستعمروا مئات الملايين بدلاً عنهم، أي أن الفكرة لم تزل! فكرة سيطرة الإنسان على إنسان، أو التحكم في عقله ومصيره. وإذا كانت فكرة الاستعمار قد زالت فإن روح الاستعمار لم تزل وأخذت شكلاً آخر، إذن الأخلاق الحسنة والأخلاق السيئة لا تزيد ولا تنقص في أصلها بل تتغير بصورها، لأن الفطرة الإنسانية ثابتة لا تزيد ولا تنقص.
وهل قل تصنيع السلاح أم زاد؟ أليس السلاح لقتل الإنسان؟ هل نقول أن القدماء أكثر أخلاقاً في الحرب لأنهم لم يكونوا يقتلون المدنيين؟ أم لأنهم لا يستطيعون؟ كل الأسلحة الآن تصمم لقتل المدنيين بينما أسلحة القدماء تستخدم لقتل المحاربين فقط.

الأخلاق مقاصد وليست صوراً مادية، فقد يساعدك أحد وتحسب أن هذا كرم منه بينما هو خائف منك أو يخطط للاستفادة منك، وهنا تعجز عن التصنيف هل هو كرم أو طمع، وبينهما فرق وتناقض.

وهل لما صار الشذوذ مقبولاً في الغرب صار مقبولاً إنسانياً؟! ومن قال لك أن الغرب أو غير الغرب أحرار؟ أي مجتمع هو مفعول به وليس فاعلاً، يفعل به ذوو الإعلام والسلطة، وهذا ما يسمى بصياغة الرأي العام، وطبعاً لا يصنعه إلا الأقوياء المنحصرون في عدة أفراد، فعدة أفراد هم الغرب وهم أخلاق الغرب، لكن عقلاء الغرب ما زالوا ينفرون من الرذيلة ويستهجنون الشذوذ لدرجة ظهور مظاهرات كبيرة في فرنسا ضد الشذوذ، رغم أن السلطات مع الشواذ. إذا قبل الناس مكرهين فلا تقل أنهم قبلوا، وإذا أيدوا مدفوعين فلا تقل أنهم أيدوا.

كل ما ذكرتَه هو عن صور الأخلاق وليس عن الأخلاق نفسها، فالكرم مثلاً له صور عند كل الشعوب بل حتى بين قبيلة وأخرى، فهل هذا يجعلنا نشك بالكرم ونقول أنه يتطور أو أنه نسبي ولا يحتج به؟ الأخلاق لا تتطور بل تأخذ صوراً وأشكالاً حسب المعطيات والبيئات.

إذن التعدد الجنسي يزداد والاستعباد يزداد والكذب يزداد والرذيلة تزداد، فأين تطور الأخلاق؟! فالتطور يكون للأفضل بينما هذا انحطاط أخلاق أو تطور إلى الأسفل، وكلها كانت موجودة من قبل.
الدعارة الآن صارت وظيفة رسمية في الدول المتقدمة! ولم تكن كذلك من قبل. إذن فكرة أن الأخلاق تتطور ليست فكرة دقيقة، ولو صدقنا بها لثبت أنها تتراجع وتتأخر ولم تتطور. هل المروءة في الغرب الآن مثل المروءة أيام الفرسان في العصور الوسطى؟ هل الكرامة الشخصية نفسها عندما كانوا يتبارزون من أجل كلمة إهانة؟!

ثم ما هي الأخلاق البديلة التي حلت محلها؟ فهل تقول أنه النظام واحترام الطابور والوقت ومواعيد القطار...الخ، فهذه مصالح وليست أخلاقاً، لأن هناك عقوبات قاسية لمن يخالفها، وإذا كانت أنظمة المرور صارمة والتزم الناس بنظام المرور بعدها وبدأوا يربطون حزام الأمان فهل نقول أن الناس تطوروا أخلاقياً ؟! الأخلاق هي التي تفعل في جو حر، فالأخلاق لا تأتي بالفرض والقانون.

العربي الكريم يشعل نار القرى في الليالي الباردة في أعلى الجبل حتى يستدل عليها المسافرون ليأكلوا أغلى ما عنده، فأين القانون الذي فرض عليه هذا الفعل؟! وأين العقوبة التي تقع عليه لو ترك هذا الفعل؟! فمن مثل هذا النوع يسمى خلقاً، أما الخضوع لأنظمة مفروضة بقوة القانون والدول والشركات فهذه مصالح صرفة يفعلها ذو الأخلاق ومن ليس له أخلاق.

قدم لنا خلقاً جديداً ظهر الآن في الغرب لم يوجد من قبل؟ وفي منطق الأشياء لا يوجد ، لأن الأخلاق منبعها شعور الإنسان، وشعور الإنسان فطري، فتتطور الأشياء من حوله لكن الإنسان لا يتطور، وشعوره الفطري يلاحق تطور هذه الأشياء، فكل شيء جديد إما أن يكون خيراً أو شراً. فلا يصبح الإنسان يحب الظلم ويطمئن له بدلاً من كرهه قديماً! أو يصبح الإنسان الكريم بغيضاً في المجتمع! أو تكون العدالة صفة ذميمة يستحى أن يصف بها أحد! وتفتخر أمام زملائك أن والدك كان الأفضل في الكذب! هل تتوقع أن هذا يقع؟! إذا صدقت بهذا فستقع، وحينها نقر بأن الأخلاق تتغير وبالتالي الإنسان يتطور وقد تخرج له أجنحة في يوم ما كما حصل للسحالي وتحولت إلى طيور بموجب النظرية المجنونة!

ثم ما فائدة هذه التقسيمات في الدين ووضع بعضه أعلى القائمة ووضع الآخر أسفل القائمة؟؟!
وهكذا تكون العقيدة (أو الأيديولوجية) مثل القبيلة التي تفرح بمن ينضم إليها وتعطيه اسمها مع أنها تعرف من أي القبائل هو ولكن من باب التكثير.

يا أخي الكريم ، لست أجزئ بل قلت أن أصل الدين هو العقيدة و الدين عقيدة وعبادات وأخلاق . و أنت تريد اختزاله في الأخلاق . متى كان الإيمان بالله إيديولوجيا ؟
وأنت تريد اختزال الدين في العقيدة وهذا هو الحاصل عند الكثيرين -مع الأسف- وهو أكثر شيء أضر الإسلام أن يكون الإسلام عقيدة مجردة من الأخلاق، ولا تريد تصنيف العقيدة هل هي أخلاقية أو غير أخلاقية؟ كيف تفهم كلمة جامدة مثل العقيدة ولا يمكن الحكم عليها؟ أنت تغالط نفسك.. فما دمت تقول أن العقيدة حق وصدق، أفليس الصدق أخلاقاً؟ وأليس الحق أخلاقاً؟ بدليل أن قوله من الأخلاق؟
وتريد أن تنقص من الأخلاق وتقول أنها تتغير وتتطور وتجعل مكانها في الهامش، أما في الحقيقة فإن العقيدة هي من تتطور، فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة يتكلمون في مصطلح "العقيدة" المبتدع ولا في الكيفية ولا في غيرها من المسائل المحدثة لاحقاً، بل أكثر مباحث العقيدة لم يكن يعرفها أوائل المسلمين ، وبالتالي فكل جديد سيأتي بأحكام عقدية جديدة!

بينما الكرم والشهامة والصدق والعفاف والنزاهة والإخلاص والصبر والتعاون والأمانة أخلاق تعرفها البشرية منذ وجدت وإلى اليوم لم يتغير جمالها ولم ينقص بهاءها وهي التي سماها الله بالمعروف لأن الجميع يعرف جمالها المسلم وغير المسلم والقديم والحديث، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن يأنف من الأخلاق كما تأنف (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وليس ليصحح العقيدة فقط، لأن العقيدة نفسها أخلاق مع الخالق والمخلوقين. ولو سألت لماذا لم يقل الرسول (وأصحح العقيدة) فذلك لأن العقيدة أخلاق مع الخالق، والعرب عندهم أخلاق وكفروا بالله فجاء الرسول ليتممها.

والله قال عن رسوله {وإنك لعلى خلق عظيم} وهذا هو المدح المباشر الوحيد للرسول في القرآن. ومدحه مرة أخرى {ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} وقال {ولقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} وكل الأنبياء مدحهم الله بأخلاقهم فقال عن إبراهيم {إن إبراهيم لحليم أواه منيب} وقال عن داوود {ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنه أواب} وغير هذا كثير، وذم الكفار بسوء أخلاقهم، لأن الكفر نفسه سوء أخلاق ذكر مع بقية سوء أخلاقهم.

هل نسمع كلام الغرب المادي عن الأخلاق ولا نسمع كلام الإسلام عنها وهو الذي جاء ليتمم مكارمها ويقيم الدين على أساسها لأنها هي المعروف وغيرها المنكر..

الاكتفاء بميزان العقيدة فقط في تقييم الناس يفتقر للعدل

هنا تراجعت عن اعتبارالدين كله عقيدة ، فأنا لا أزال عند موقفي أن الأصل في الدين العقيدة ، و الدين عقيدة و عبادات وأخلاق .
أنا هنا أساير طريقة التفكير السائدة التي تفصل بين الأخلاق والعقيدة، هذا الفصل الخطير.
نعم الدين كله عقيدة إذا سايرتني كما وضحت لك، فحتى الفقه عقيدة كما تعتقد أن الصلاة لا تكون إلا بوضوء وتعتقد أن إكرام الضيف واجب، ونستطيع أن نسمي الدين كله أخلاق، فالعبادة هي أداء حق لمستحقه فهذا أخلاق وبر الوالدين تفرضه الأخلاق كما يفرضه الدين والصلاة شكر ورد جميل، وهكذا.

وأنت تجعل الرسول فوق أن تحبه لأخلاقه، كيف فهمت هذا المستوى؟ وهل هو موجود؟! والسؤال نفسه كيف أحببت الله وعبدته؟ هل بدافع عقيدة أم بدافع أخلاقي أم بهما معا؟ أنت تقول أنك تحب الرسول أكبر من كل الحب، الحب يبنى على ماذا؟ أليس على الخير والفضيلة؟! أم أنها كلمة نقولها وانتهى الأمر؟! تذكر الأشخاص الذين أحببتهم على ماذا أحببتهم؟ طبعاً لصبرهم و أخلاقهم وتضحياتهم ومواقفهم الطيبة، وإلا على ماذا يكون الحب؟ هل يكون على الشكل؟ لا يمكن، حتى في حالة العشق لا يمكن، فكم من جميلة مكروهة، وكم من متواضعة الجمال معظمة في الفؤاد!

هل تعتبر سيدي حب الرسول اختياريا في الإسلام ،
الإسلام كله اختياري وليس فقط حب الرسول! هل أسلمت أنت مجبراً أم باختيارك؟ دعنا من حب الرسول الآن، فإن قلت إجبارياً فهذه كارثة وعليك أن تسلِم من جديد مختاراً فالله يقول {لا إكراه في الدين}.

يا أخي الكريم حب الرسول عقيدة لا يكتمل الإيمان إلا به
العقيدة فكرة والحب مشاعر، فكيف خلطت الأمور ببعضها؟ إلا إذا كانت الفكرة أخلاقية وتفهمها المشاعر فتنتج حباً، وهكذا لا تستطيع حب الرسول حتى تفهم أخلاقه بمشاعرك، فأنت لست كمبيوتر يقال لك أحب كذا واكره كذا ثم تفعل! إلا إذا كانت كلمة "أحب" كلمة تقال فقط دون أن تحس، ولا أظنك هكذا.

حتى الحب يحتاج إلى بصيرة، وبصيرة الحب من جهة الأخلاق، لو كان الرسول فضاً وقاسياً بموجب كلامك سوف تحبه لأن العقيدة قالت لك كذا! لكنك لست أصدق من الله تعالى الذي قال {ولو كنت فضاً غليظ القلب لانتفضوا من حولك} أي لكرهوك، القرآن حل هذا الإشكال فربط المحبة بأخلاق الرسول، أي أنه هو من يرد عليك وليس أنا. أما بموجب كلامك فأنت لن تنفض مع من ينفضون!

ومن هنا نفهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان رقيق القلب رؤوفاً رحيماً بأبي وأمي هو، أما أنت فلا يعنيك كونه رقيقاً أو غير رقيق ففقط ما قالت العقيدة ، إذا قالت كتب العقيدة يجب أن يحب فنقول نحن نحبه!
الإيمان لا يؤخذ بدون بصيرة لأنه لن يفيد كثيراً، وكثيراً ما يضر الإيمان بلا بصيرة.

هل اتخذ الله خليلا إلا سيدنا إبراهيم عليه السلام و رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، فكيف تريدني أن لا أحب من أحبه الله ، أليس هذا عقيدة .
ليس فقط هذا ما قاله الله، بل الله شرط إمكانية محبة الرسول بلين قلبه وحرصه على المؤمنين وكراهيته لما يعنتهم ويشق عليهم، فانظر إلى الشرط الذي ليس مني وإنما من الله، فـ "لو" حرف امتناع لامتناع، فامتنع انفضاضهم لامتناع فضاضة قلبه عليه الصلاة والسلام.

ثم إن الله لا يحِب أحداً لأسباب مجهولة، بل ذكر صفات من يحبهم وهي أخلاقية، وذكر صفات من يكرههم وهي لا أخلاقية، فلماذا تريد أن تعمي الأمور وتجعلها عمياء جامدة بينما القرآن مبين؟! فتريد أن تجعله أوامر ونواهي فقط بدون فهم ومعنى؟ فلماذا هذه التعمية بدون شيء منير ومبين؟! هذا مؤدى الإصرار على كلمة عقيدة، للابتعاد عن كلمة فهم، ولو كانت هي الأصلح لاستعملها القرآن والرسول والصحابة.

الله يحب المحسنين والصابرين والمتوكلين ولا يحب من كان مختالاً فخوراً ولا يحب المعتدين ولا يحب من كان خواناً أثيماً، وإبراهيم عليه السلام كان أمة وحده قال تعالى {إن إبراهيم كان أمة} أي لا خليل له وهو إمام لوحده وربما لم يسبقه نبي قريب منه، لهذا اتخذه الله خليلاً والله أعلم، فحتى والده كان عدوه، وبحث عن الله بنفسه قبل أن يبعث وعارض عبادة الأصنام قبل أن يبعث، والله ابتلاه بإسكان ذريته بواد غير ذي زرع وبذبح ولده وقذف بالنار وحده؛ لهذا جعل الله النبوة في بنيه ووهبه الذرية، أيضاً أعطى سليمان ملكاً لم يكن لإبراهيم ولا لغيره، وكلم موسى ولم يكلم إبراهيم ولا محمداً.

أنا لم أقل أنني أكره من تخلق بالأخلاق الفاضلة يا أخي فلا تقولني ما لا أقوله ، ولكن لن أضع شخصا مهما بلغ من الفضيلة في درجة مسلم . و ما أدراك بنبي الله . و هل يصلح هنا معيار الأخلاق؟
كيف يكون مسلماً بلا فضيلة؟ هذا ما تريد أن تصل إليه أن يكون مسلماً بلا فضيلة، فانظر لصفات المؤمنين في القرآن كلها أخلاقية، هذا ما ينتجه التركيز على كلمة العقيدة كحد فارق، أي إنسان تزداد عنده الفضيلة سيتحول إلى مسلم لأنه سيعرف الله وسيبحث عن دين الحق. وأي إنسان مسلم تتراجع عنده الفضيلة سوف يتراجع إسلامه، وحينها لا تنفعه كلمة يقولها دون تطبيق محتواها لأن المنافق يقولها ولا تنفعه.

ها نحن عدنا للذوق البشري والفطرة! لا يوجد أحد في العالم يتقزز من صيد البحر لأنها تموت أول ما تخرج من الماء للهواء! أما لو آتيك بسمكة ميتة في البحر نفسه فلن تأكلها لأنها قد تكون متسممة أو مريضة. ميتة البحر هي التي خرجت حية وتموت وليست التي تكون ميتة في البحر! فالسمكة لا تذبح عند كل الشعوب!

ليس كل ما توافق عليه الناس متلائما مع الدين يا أخي الكريم ، ما يضيرك أن تمتثل لأوامر كتاب الله كما أنزلها و سنة المصطفى كما سنها ، لماذا تحاول أن تبحث عن أخلاقيتها من عدم أخلاقيتها .
قلت الحيوان الميت مقزز ، قلت لك إن كان مقززا فنحن نتناول ميتة البحر . لماذا لا تقول ، تلك حرمها كتاب الله و ميتة البحر أحلتها سنة المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى ألأنك تفضل تفسيرها أخلاقيا فتتعالى على عقيدتك أن تؤمن بما جاء به كتاب الله و ما سنه رسوله
هل من يريد أن يستبصر يسمى متعالياً؟ ومن يريد أن يلزم الناس دون إفهامهم لا يسمى متعالي؟! لماذا تريد أن تفصل بين الإسلام وبين المعروف مع أن الله ربطهما؟ أتفصل عرى شيء ربطه الله؟! هل تصحح لله؟ ألست تقول أن الإسلام دين الفطرة ودين المعروف؟ فلماذا تفصل بين الإسلام والفطرة والمعروف؟! هل تغالط نفسك وتريدنا أن نغالط أنفسنا مثلك؟ إلا إن كنت تقول أن الإسلام ليس دين الفطرة ولا دين المعروف وإنما مجرد عقيدة لا علاقة لها بمشاعر البشر ولا فطرتهم ولا أخلاقهم.

والفطرة والأخلاق موجودة عند كل الشعوب وليس المسلمين فقط، وإذا قلت أن للفطرة علاقة بالعقيدة فلماذا تمنعنا من معرفة هذه العلاقة وتقول أن هذا تكبر على العقيدة بعد أن ربطتها بالفطرة؟!! فماذا يستفيد الإسلام من هذا التناقض؟! بل هذه المعرفة واجبة عليك أنت أيضاً لأنك مأمور بالبصيرة مثلي، وطاعة أمر الله لا خلاف بأنها واجب على الجميع، والله أمرنا بالبصيرة، والبصيرة عكس الجمود، والأفكار الجامدة كقِطَع لا علاقة بينها.

هذا المنطق يجعل من الدين أعرافا لا أكثر . هناك تشريعات سماوية قطعية ، وهناك أخلاق إسلامية ظاهرة ، وهناك منطقة عفو كبيرة فلا اجتهاد مع النصوص بارك الله فيك
الله سماه معروفاً وليس أنا، إن كنت لا تحب كلمة المعروف فماذا أفعل لك؟ لكن الله يحبها ورددها في كتابه، ما المانع أن تفهم الإسلام أنه أخلاق أمر بها الله مع الخالق والمخلوقين والمخلوقات ولها صفات وكيفيات تحدد معالم الإسلام كالصلاة والزكاة والصيام...الخ، ما المشكلة؟
أنا لم أقل أن الإسلام أخلاق فقط دون عبادات، بل قلت أن العبادات في الإسلام أخلاقية، فكيف يكون الدين هكذا أعرافاً فقط كما تقول؟

ثم ماذا تقصد بتشريعات سماوية قطعية؟ تقصد أنها لا تُفهم فقط تؤخذ، وهذا فصل ينتج عدم فهم مقاصد تشريعات الخالق، وهذا فصل ضار ومخالف لكلام الله الذي وصف كتابه بالمبين وليس بالطلسم السماوي، فالله لا يكلفنا بما لا نفهم.

وقولك أن هناك أخلاق إسلامية.. فتقصد أن أخلاق كل البشرية لا قيمة لها، وكأن الإسلام جاء بأخلاق غريبة على البشر، وهذا غير صحيح، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) أي: الأخلاق الموجودة، وقال تعالى {تأمرون بالمعروف} أي الذي يعرفه كل البشر، ثم ما هي الأخلاق الإسلامية؟ هل هي إيتاء ذي القربى وإطعام المساكين والصبر على أذى الناس؟؟ هل لا يعرفها غير المسلمين؟! لو كانت أخلاق الإسلام غريبة على البشر لكانت هناك مشكلة، أنت لا تمدح الإسلام إذا قلت أنه غريب على البشر ولا يعرفه إلا المسلمون، قال تعالى {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} أي أنهم يعرفونه، ما الإسلام إلا المعروف بداخلهم، لهذا قال تعالى {وذكر} ولو كان الإسلام كما تتصوره كشيء جديد وغريب وغير معروف لقال (علِّم) ولسمى القرآن التعليم ولم يسمه الذكرى والتذكرة، والتذكير يكون بالمعروف المنسي أو المهمل، ومع ذلك هو تشريعات سماوية.

هل تقصد أن الله كان يحلل الخبائث لبني إسرائيل؟ الله لا يحلل الخبائث, هل تعتقد أنه يجوز عليه أن يحلل الخبائث؟! أم أن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً؟

الله أعلم ومن أنا حتى أتطاول على الله ، فهذا الموضوع لا يهم كثيرا ، ما دام الخمر والخنزير في ديننا من المحرامات . المهم أنه يوجد في القرآن أن الطعام كان حلا لبني اسرائيل كله قبل نزول التوراة
انظر.. فالعقيدة لم تخلصك من هذه السقطة، فصرت تفترض إمكانية أن يحلل الله الخبائث! وأي أحد يحلل الخبائث هو خبيث! إذن قبلت إمكانية نسبة الخبث إلى الله تعالى! وإمكانية الظلم إلى الله تعالى!
هل رأيت كيف أن الجمود ينتج أخطاءً كثيرة وأن البصيرة هي التي تعصم وليست عقائد جامدة فقط دون فهم لمقاصدها، الله قال عن الشيطان أنه يأمر بالسوء والفحشاء، أي أن الله لا يأمر بالسوء والفحشاء، والخمر سوء وسماه رجس من عمل الشيطان فكيف يأمر به أو يحلله؟ قال تعالى: {إن الله نعمِّا يعظكم به} أي يأمر ويعظ بالصالحات والطيبات وهو الذي حرم الخبائث، والخمر أم الخبائث كما وصفها رسول الله، ها هو القرآن أمامك وتقول العقيدة، العقيدة جعلتك تفترض إمكانية السوء على الله، والأمر بالخبائث من السوء، كذلك أنت لا تستطيع أن تقول أن الله خيِّر فيما يبدو..

الخمر منكر والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر فكيف يأمر الله بها عبده عيسى التقي الزكي؟! إنها ديانات محرفة. وكان اليهود يريدون تشويه المسيحية بعدما ادعوا التنصر بزعامة بولس اليهودي الذي يسمونه رسولاً، وتسميته رسول لأنه غيّر في شرائع المسيحية، ورسائله التحريفية موجودة في كتابهم المقدس عندهم، فوضعوا فيها كل منهياتهم من أكل الخنزير وشرب الخمر وعدم الاختتان والتجرد من الشرائع، فعل ذلك بولس حتى لا يدخلوا في عهد إبراهيم، ورب المسلمين هو رب اليهود والمسيحيين، وهل لا تجد تحريفاً إلا هذا عندهم؟!

. أما الخمر فحتى في الإسلام حرم تدريجيا ، فهل يعني أن أوائل من تناولوه و ماتوا قبل التحريم ارتكبوا جرما أخلاقيا . وإن كانت عندك إفادة في الموضوع فتفضل بها و علمنا مما علمك الله .
كل شرائع الإسلام لم تأت دفعة واحدة وليس فقط تحريم الخمر، لأن الناس لا يحتملون تغييراً مفاجئاً بل ليس من الأخلاق ولا يستطيعون استيعابه حتى، أنت تربي طفلك شيئاً فشيئاً، وطبعاً لا تستطيع أن تقول أن ليس عندهم أخلاق، لأنهم أصلحوا نيتهم ويستجيبون لما يتلى عليهم، والتدرج من لطف الله، لأن التغيير المفاجئ يضر ويسبب عنتاً، والإسلام دين الحكمة والتروي، والله أحكم الحاكمين ولا يحب المستعجلين. فأين المشكلة؟
الله قال عن رسوله أنه يزكيهم، والتزكية عملية تصاعدية ولا تأتي دفعة واحدة، والإنسان يدخل في عالم الفضيلة والكمال من أول ما ينوي أن يفعل كل حق يتبين له، فالفضيلة في النية والحساب على النية.

هل هذه كل العقيدة؟ هذا شيء سهل! ومنطق الأشياء يجعل أن الإيمان بالله هو الأساس

يا أخي الكريم لو كان سهلا كما قلت لما أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبلغ رسالة ربه . فإخلاص العبادة لله وحده واجهها المشركون بالسيف . و مات في سبيلها كبار الصحابة رضوان الله عليهم ، وإلى اليوم لا يزال الكثيرون يحاربونها .
المسألة ليست مسألة صعوبة بل هوى ومصالح وليست صعوبة فكرة.

أما التعريف فقد ذكرت مصدره و هو منهاج أهل السنة و الجماعة .
هل هذا اسم كتاب أو ماذا؟

وجهة النظر هذه لا قيمة لها عندي لأنها غير واقعية ولا منطقية، إن دفع الزكاة لغير المسلمين الذين علاقتهم طيبة مع المسلمين ولم يعتدوا عليهم هو دليل على إنسانية الإسلام وأنه رحمة لهم وليس فقط للمسلمين، وهذا من الأمر بالمعروف والكرم الأخلاقي، بدليل أن دفع الزكاة ليس على شرط أن يسلموا ويغيروا عقيدتهم، لكنه على شرط الأخلاق، فلا يقال إذا لم يسلموا لن ندفع لهم الزكاة، فإذا كان كذلك كان رشوة! لكنها غير مشروطة، إذن هي عطاء مقابل أخلاق وسلام وتعاون على الخير تنقطع بانقطاعه، فهم قدموا لنا مواقف طيبة كان بالإمكان أن نقدم مثلها، ولكن نقدم لفقرائهم مـا يسد حاجتهم أو لساداتهم ليساعدوهم، وهذا دليل على عالمية الإسلام. لاحظ أن زكاة المسلمين تدفع لمخالفين في العقيدة التي تقول أنها الأهم من كل شيء، لكنهم غير مخالفين في الأخلاق، بينما المنافق الذي يصرح بعقيدته بأعلى صوته هو في الدرك الأسفل من النار! وكلاهما بأمر الله وكتابه.

هل تقصد هنا أن من أعطيت له الزكاة ترغيبا له على دخول الإسلام رشوة ، ومن كان حديث العهد بدخول الإسلام و يتم رفع معنوياته و مساعدته على تقبل الوضع الجديد حتى تترسخ العقيدة في قلبه و لو لم يكن محتاجا هي أيضا رشوة ، وهل الذي تعطاه الزكاة ذرءا لشره رشوة ؟
اقرأ كلامي مرة أخرى..


فصارت المسألة مسألة عقيدة فقط, كأن أهم علاقة بالله أن نوحده, مع أن هذا جزء وليس الكل، لاحظ قوله تعالى: {اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً}, فكلمة العبادة مقدمة على لا تشركوا به شيئاً، أي أن العبادة مقدمة على التوحيد, ولم يقل لا تشركوا به شيئاً ثم اعبدوه! والعبادة تعني التسليم كما سلم إبراهيم وإسماعيل، والتسليم من العبادة ومنه الإسلام، والإسلام من فرع العبادة وليس من فرع التوحيد.

هذه الآية التي استشهدت بها أخي الكريم تخاطب المؤمنين وهي الآية 36 من سورة النساء ، ولكم الرجوع إلى سياقها ، فهي تخاطب المؤمنين و هي مجرد تذكير لهم و توكيد . أما أن يتقدم العمل على العقيدة فلم أسمع بها إلا عندكم ، فآيات الإيمان قبل العمل تستشهد بها أنت كثيرا في مجال ربط العقيدة بالسلوك .
العقيدة يا أخي الكريم هي نوع من " المعرفة " اليقينية التي توجه العبادة والسوك معا ، وكنت كثيرا أتحاشى الدخول إلى السجال الفلسفي ، فالعقيدة هنا أساسية لتوجيه السلوك .
ولاحظ أنك أنت تقدم الأخلاق التي هي سلوكات كأني هنا أتحاور مع السلوكيين . الذين يقرون أن الإنسان مجرد نسخة من الطبيعة التي تحيطه
أرجو مراجعة كلامي مرة أخرى، وآية {اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً} ترددت أكثر من مرة في القرآن، ولا يكون عمل أصلاً بدون فكرة من ناحية منطقية. قصدي أن التركيز على عبادة الله ألزم من التركيز على عدم الإشراك، وهذا هو منهج القرآن وهذا هو المنطق، بينما الحاصل الآن هو التركيز على عدم الإشراك الذي يسمى التوحيد ثم العبادة، لا نريد أن نختلف عن منهج القرآن ولا نعاكسه كما فعلت الأمم الأخرى، فاليهودية تركز على عدم الإشراك كما هو في التوراة أكثر من التركيز على العبادة وتبدأ به أولاً.


والعبادة تعني التسليم كما سلم إبراهيم وإسماعيل، والتسليم من العبادة ومنه الإسلام، والإسلام من فرع العبادة وليس من فرع التوحيد.
العبادة من حق الله وحده ، فلا يجب أن تكون لغير الله يا أخي الكريم ، فإذا كان التعامل بين الناس أخلاقيا ، و تكون المعاملات بينهم بالحسنى ، ومن حق أخيك أن تعامله بالتي هي أحسن ، فالعبادة حق لله وحده .
فالعبادة أخي الكريم هي كلمة تتضمن معنيين امتزج أحدهما بالآخر فصار شيئا واحدا . و هما نهاية الخضوع أي أقصى درجات الخضوع مع نهاية الحب أي أقصى درجات الحب ، فالخضوع الكامل الممتزج بالحب الكامل هو معنى العبادة .
ما مرجع هذا الكلام في القرآن؟ الله قال لإسماعيل وإبراهيم أسلما فقالا أسلمنا لرب العالمين، وأمر إبراهيم أن يذبح إسماعيل ليجرب ويختبر مصداقيتهما، فصدّقا الرؤيا وكانت كلمة أسلمنا ليست كلمة باللسان، فتحققت عبوديتهما.

ومنها :
1 ـ الدعاء : إي الاتجاه إلى الله تعالى بطلب نفع أو دفع ضر ، أو رفع بلاء أو نصر على عدو أو نحو ذلك . فهذا الاتجاه بالسؤال المنبعث من القلب إلى الله تعالى هو مخ العبادة و روحها كما في الحديث .
2 ـ إقامة الشعائر الدينية : مثل الصلاة والصيام والزكاة والحج و النذر والذبح وما شابه ذلك ، فلا يجب أن توجه هذه الشعائر إلا لله .
3 ـ إلإنقياد والإذعان الديني لما شرع الله من أحكام ، أحل بها الحلال و حرم الحرام ، وحد الحدود ونظم شؤون الحياة .
أما أن تجعل الإسلام منعزلا عن التوحيد فاعلم أن أول ركن من أركانه هو التوحيد وعليه تبنى جميع الأركان الأخرى .
بشهادة القرآن فأول ركن هو العبادة، قال تعالى {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً} فهل أنت تعلم الإسلام أكثر من القرآن؟! العبادة أولاً ثم التوحيد، أي توحيد العبادة.

وهذا الكلام الذي تقوله هو عن علاقة الإسلام بحياة المسلم وأن فيه منطقة عفو بل مناطق كما ذكرت أنت، وهنا المشكلة، فالعبد حياته كلها لله وليس فقط هذه النقاط التي حددتها تاركاً له منطقة عفو لا يعرف طولها من عرضها، فلا منطقة عفو عند المسلم، فهو عبد والعبد كل حياته لسيده حتى في مزحه وفي قوته، يجب أن يكون الله هو الصمد في كل شيء يفكر فيه أو يفعله ولا يغفل عن ذكر الله أبداً، قال تعالى {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين} أي كل حياته لله وليس فقط العبادة والنذر والدعاء، وقال {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} فأين مكان منطقة العفو؟ أي منطقة الحرية، وهذه فكرة متعلمنة تفصل بين الإسلام وأجزاء من الحياة يفعل بها ما يشاء، قال تعالى {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً} والسمع والبصر والفؤاد معنا في كل لحظة وليست عبادة الله معنا فقط في الصلاة والحج والصوم، إنها منهج حياة كامل وممات أيضاً.

لاحظ أن زكاة المسلمين تدفع لمخالفين في العقيدة التي تقول أنها الأهم من كل شيء، لكنهم غير مخالفين في الأخلاق،
ألم يطلب سيدنا إبراهيم من ربه أن لا يرزق الكفار؟ فكان جواب الله أنه يرزق هؤلاء وهؤلاء ،أليست الزكاة مال الله ، أو تظن أن من يعطي هو الإنسان . يا أخي سألتك عن المؤلفة قلوبهم و لم أسألك عن الفقراء و الحتاجين ، فديننا يلزمنا بدفع الزكاة لهم و لم يقل فقراء المسلمين فقط .
وشكرا .
هذا الرد غير واضح.

والسلام عليكم ورحمة الله..