عرض مشاركة واحدة
قديم 01-17-2011, 11:31 PM
المشاركة 20
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي



* فيثاغورس وما بعده
كان فيثاغورث، إلى جانب كونه عالما وفيلسوفا، زاهدا ورئيس جماعة دينية "كلت". أعضاؤها كانوا ملتزمين بالتقشف، وبالبعد عن أكل اللحم، وتقديس الأرقام، وتحريم أكل الفاصوليا. نعم الفاصوليا، لأن حبة الفاصوليا، يوجد بداخلها جزء صغير يشبه شكل الجنين الآدمي. فكيف يأكل الإنسان أخيه الإنسان.
يأتي بعد ذلك الفيلسوف الإغريقي "هيروقليطس" (535 – 475 ق م). كان يعيش في أسيا الصغري (تركيا حاليا)، في مدينة إفسوس. قام بتعليم نفسه بنفسه. تعتبر فلسفته كئيبة متشائمة.
أفكار هيروقليطس جديدة تماما، غريبة بعض الشئ. فهو يقول بأن أصل كل شئ، ليس الماء أو الهواء أو الشئ الغير محدود، كما يقول الفلاسفة الذين سبقوه، إنما أصل الأشياء هو النار.
هناك شئ في طبيعة النار. هي دائمة التغيير والحركة. لذلك الأشياء التي تتكون من النار، لابد أن تكون دائمة التغيير والحركة أيضا.
إنك لا تستطيع أن تغمس قدمك في نفس النهر مرتين. لأن النهر في الحالة الأولى يختلف تماما عن النهر فى الحالة الثانية. النهر دائم الحركة. هناك مياة تبخرت ومياة تسربت وأسماك تحركت، وهكذا.
كان هيروقليطس يؤمن أيضا بوحدة الأضداد. خلق وتدمير، ميلاد ووفاة، حب ونضال، ليل ونهار، خير وشر. كل شئ وضده يكونان وحدة واحدة. لا يستطيع أيا منها أن يوجد بمفرده. نحن نقول اليوم أن الإلكترون له مضاد يسمى البوزوترون، والمادة لها مضادات المادة.
طفولتك البريئة ذهبت ولن تعود. الناس الذين كانوا يحبوك، ماتوا ولم يعد لهم وجود. أصدقاؤك ذهبوا وإنشغلوا بهموم معاشهم. إخوتك وأخواتك تزوجوا وتفرقوا فى البلاد. لم يبق شئ على حاله كما تركته. قمة فى التشاؤم.
لكن هناك شئ إيجابى فى أفكار هيروقليطس. نعم يوجد شئ إيجابي. فهو يقول أنه هناك هدف منطقي، وليست العشوائية، وراء هذا التغيير الدائم للأشياء. هناك "لوجوس"، وليس "ميثوس" أو الأسطورة، يفسر ماذا يحدث. هذه الأفكار كان لها تأثير كبير على أفلاطون لاحقا، وهي أساس مفهوم القوانين الطبيعية حاليا.
الحرب هى أم كل الأشياء. الكون يقوم على الصراع الذى ينتهي بالوحدة والتناغم. هذا ليس غريبا علي فيلسوف عاصر حروب فارس واليونان. قبل وفاته بثمان سنوات، قام داريوس ملك الفرس بالإغارة على بلاد الإغريق، التى إنتهت بمعركة الماراثون وهزيمة الفرس عام 490 ق م.
نحن نعلم أن معظم الإختراعات الهامة مثل تفتيت الذرة وعمل القنبلة الذرية، أتت بسبب الحروب والإستعداد لها. معظم الدول العظمى والإمبراطوريات، ظهرت بعد حروب طاحنة.
إلعصر الذهبى للحضارة المصرية القديمة أيام حتشبسوت وتحتمس الثالث، جاء بعد حروب الإستقلال ضد الهكسوس، بقيادة كامس وأحمس. الحضارة العربية، جاءت بعد حروب الفتوحات الإسلامية.
يأتى بعد هيروقليطس، الفيلسوف "بارمينيدس" (515 – 440 ق م). ولد فى مدينة إيليا اليونانية على الساحل الإيطالي الجنوبى. وكان بارمينيدس شاعرا وكاهنا للإله أبوللو.
بارمينيدس تقدم بالفلسفة اليونانية خطوة إلى الأمام. كان متأثرا بشكل كبير بفيثاغورث. هيروقليطس يقول أنك لا تستطيع أن تغمس قدمك فى نفس النهر مرتين، وبارمينيدس يقول أنك لا تستطيع أن تغمس قدمك فى النهر، حتى ولو مرة واحدة. لأن هذا مجرد وهم.
يبدأ بارمينيدس بالبديهيات. أى بالحقائق التى لا تحتاج إلى برهان. ولا يمكن إنكارها إلا إذا كانت تتعارض مع نفسها. هنا يجب أن نفرق بين الحقيقة التى هى واحدة وثابتة ولا تقبل التناقض، وبين الرأى الذي قد نكونه فى لحظة ما حول قضية معينة.
الحقيقة نأخذ بها بدون تردد. أساس البحث عن الحقيقة، هو الإقرار بوجود الكائن المطلق. وهو الشئ الموجود الذى نستطيع أن نتخيله. وكل شئ نتخيله، يمكن أن يوجد حقا. أما العدم، فلا يمكن أن نتخيله. لأننا لو تخيلناه، أصبح شيئا كائنا. بذلك لايصبح عدما.
لهذا فالعدم غير موجود. ولا يبقى لنا سوى الوجود أو الكينونة فقط. أي ذلك الشئ الذي يوجد فى أصل كل العالم، والذي تنحدر منه وتعود إليه كل الأشياء. هو القوة الميتافيزيقية ..