عرض مشاركة واحدة
قديم 08-06-2010, 11:57 PM
المشاركة 3
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: حكايات من ضيعتنا
بساتين ضيعتنا ...صيفا


هي ليست أجملهن و لكنها برأيي الأجمل ،هي ليست أكبرهن و لكني أرى العالم من خلالها ،هي ليست الوحيدة لكنني أراها متفردة .
على سفح تلة منخفضة تقوم قريتي في الجزء الجنوبي من دمشق
تصعد بنا السيارة هذه التلة و تمر بنا خلال طريق اصطفت على جانبيه أشجار السرو استقبالا للقادم ووداعا للمغادر.
حدودها تبدأ بنهاية قرية و تنتهي ببداية قرية أخرى و فيما بين البداية و النهاية تتوزع الحقول و البيوت
بساتين قريتي حافلة عامرة في كل الفصول ،حتى في فصل الاختباء و التواري ،العواصف و الأمطار هناك تحت التربة حياة سرية نشطة استعداد لتلاقح البذور بمطر السماء المتغلغل في عمق الأرض و لو قيض لك أن تضع أذنك على التربة لربما سمعت أصواتا و طقطقة و اهتزازات .
أما عندما تمشي الغدران ،تزرق السماء ،تخضر الأرض و ترتدي الأشجا ر أقراطها البيضاء و الزهرية يكون هذا إيذان بمقدم من لا يحتاج إذنا ،يزرع دفئا و جمالا أينما حل ..إنه الربيع
تأتي مع الربيع حاشيته الكبيرة زهر المشمش وزهر الدراق و زهر التفاح ،تمتلك هذه الحاشية أجمل العطور و أغلاها ..عبق الإزهار
يفرح الجميع بهذا القادم حتى الجوزة العتيقة بجانب الباب تتأود فرحا .
عندما يشتد أوار الشمس تبدأ الأزهار بالاستحاله إلى ثمار شهية
هذا التداخل بين الربيع و الصيف لا يترك لك مجالا لتفكر أيها تحب أكثر
يبدأ أوان القطاف ،قطاف المشمش
مع أول خيط أبيض للضوء ننطلق إلى البستان –ليس خلسة هذه المرة- لأن هناك احتفالية بالقطاف
البساتين تشغى بالعمال و العاملات يقطفون الثمرة اللذيذة الحلوة و يرصونها في صناديق خشبية
الزوادة رفيق البساتين الأبدي ،جبن و مشمش و خبز عند الساقية الثرثارة و بعدها يعد عمي أبو خالد شايا تحت الشجر.
ما أجمل هذه اللحظات الخضراء الوارفة
في فصل القطاف نمضي جل وقتنا بين الحقول ،ننتقل من حقل لآخر نتفقد أيها أكثر جمالا و كرم أصحابها يغرينا بتفقد حقول أخرى .....
في حقل عمي أبو علي نجلس بجوار البئر و نقتسم ما منحنا إياه أصحاب الحقول من الثمار النضيجة
نذهب لحقل عمي أبو عارف فهناك يفصل بين جزئي الحقل ممشى ترابي تتقابل الأشجار مؤدية لبعضها أو للمارين فوق الممشى تحية ملكية
هنا يحلو للمتنزهين من أهل المدينة أن يحطوا رحالهم ...يطبخون طعامهم أو يعدون شوائهم ..يلعبون يغنون ثم عندما تبدأ الشمس رحلة الإياب اليومي يلمون عدتهم و يرحلون
في بستان عمي أبو محمد يقابلنا عمي و يشوي لنا ذرة و نشرب من الساقية عنده ..ماءا نميرا
هذا كله في بساتين القرية أما إذا تركت الطريق يقودك فسوف تصل إلى آخر قريتنا وحدود القرية الأخرى ..هناك مفاجأة...!
أجمل شيء لم تره في كل القرية .بستان خالتي أم ابراهيم ...صلة الوصل بين قريتين أو عالمين
مرة هربنا من حفلة عرس فقد صارت طقوس العرس مكرورة معروفة لدينا
كنا أربعة فتيات لدات ،مشينا على الطريق إلى أن بدأت أصوات زغاريد الفرح و الغناء تنوس قليلا قليلا حتى اختفت تماما
تركنا لأرجلنا العنان في مشي هادىء متمعن
كلما أوغلنا في المشي اكتشفنا سحرا أكبر ....
كنا كالمسحورات بهذا الجلال.....بهذا الهدوء الأخضر
وصلنا إلى بيت وسط حقل تبدو عليه مخايل النعمة ....
قابلتنا خالتي أم ابراهيم و كأنها ملاك خارج لتوه من النعيم ،كانت تعشب في حديقة منزلها وتتفقد مزروعاتها
دعتنا إلى فطور فقبلنا الدعوة –هنا من العيب رفض دعوة-
جلسنا على كراس قشية لا مساند لها و أحضرت لنا طبقا قشيا رصت عليه أطباق طيبة من خيرات الأرض
استدرنا لنواجه الطعام فباغتنا منظر أكثر إشراقا من كل ما رأيناه .حقل جيرانها –من القرية المجاورة-
كانت مساحة خضراء لا متناهية
لا أدري كيف استطعنا أن لانحدق كثيرا
انعقدت الدهشة على الألسن فهتفنا جميعا : ما شاء الله.....!
صحبتنا خالتي أم ابراهيم إلى حقل جيرانها ،لم نحتج إلى جواز سفر للانتقال بين القريتين....!
.كانوا يقطفون ثمار الفراولة ،كم كانت حمراء،شهية و لذيذة

عندما رنقت شمس المغيب أدركنا كم تأخرنا فتعهد عمي أبو ابراهيم بإيصالنا على عربته إلى البيت
بينما نحن في العربة رأيت أرواح كل من عشق هذا الجمال....
لكأني بكل من مر في هذا السحر الأخضر انتحل صفة فراشات الليل المضيئة التي تقدم في أول ليل الصيف تصدر أزيزها قد يزعج البعض ،ربما ....
موسيقى الليل لا تزعج أحدا ،إنها موسيقى الصمت الجميل
يصبح الكلام هنا نافلة أما الفرض فهو الصمت....


للحديث بقية