عرض مشاركة واحدة
قديم 08-06-2010, 11:55 PM
المشاركة 2
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: حكايات من ضيعتنا
مساءات ضيعتنا

يأتي المساء وئيدا.تلمح خطوه من إسراع النسوة إلى لم الغسيل من فوق الأسطح خشية أن يداهمه الليل و من ثم يغطيه ندى الفجر
تلمحه من تنظيف قناديل الزيت فالكهرباء لما تستكمل بعد مقومات وجودها هنا و قذ ينقطع التيار مع أول هبة ريح أو زخة مطر
تلمحه من سلام أبي علي على لداته حين يواعدهم على اللقاء في مضافة القرية ليسهروا سويا كما في كل يوم
و ينشر اليل عباءته السوداء رويدا رويدا حتى تختفي البساتين و الطريق و لا تلمح إلا أنوار شاحبة تنبعث من نوافذ البيوت الطينية ...
في مجلس الرجال حكايات و سمر و مناقشة لهموم القرية و سرد لنكات لا تكون بريئة في كل الأحيان ،و حكي عن مراجل(بطولات) قاموا بها في السوق و البستان وفي بيوتهم و من ثم يلعبون الداما و طاولة الزهر و الشطرنج و ضحكاتهم ترن في أرجاء المضافة فأبو علي يغش في اللعب و أبو سليمان مستاء لأن دور الشطرنج انتهى بكش ملكه.
أما مجلس النساء فبعد الشاي الطقس الأول في كل المناسبات تأتي حلويات صنعنها بأيديهن كقطائف القشدة و الجوز و العوامة (في مصر اسمها لقمة القاضي)
ثم تتوالى الحكايات عن الطبخ و الأولاد و الأزواج و كل واحدة منهم تستعرض براعتها في تربية الطفل و رعاية المنزل و الحقل و مراوغة الزوج
ثم يسود صمت قصير تقطعه إحدى المتخابثات بالحديث عن ذاك العالم
عالم غامض ...كله جنيات و ساحرات و حيوانات متوحشة أتت من جبال تحيط بالقرية
تحكي أم محمد عن الجنية التي رأتها تجلس على طرف فراش زوجها
و تحكي أم عادل عن الجنية التي تظهر لها خلف البيت و التي تأخذ في كل مرة شكلا لأحد معارفها ،مرة عمتها ،و مرة سلفتها ،و مرة أخرى جدها الذي توفي منذ عشرين عاما
تحكي أم علي عن الدب الذي خربش على حديد نافذتها في ليلة ثلجية باردة و كانت لوحدها لأن زوجها كان في مناوبة عند زوجته الأخرى
تحكي أم سليمان عن الضبع الذي لحق زوجها أثناء رعيه لغنمه و بعد أن أطلق طلقتيتن من بارودته هرب الضبع و اختبأ في مغارة منتظرا فريسة لا تحمل بارودة
و تحكي أم جمال عن الصاعقة التي أصابت شجرة كانت تمر بقربها و كادت أن تسحقها وتصيرها خبر ا
كل هذا الحديث يدور و يبذر في قلوب الأطفال الحاضرين هلعا يجعل من الذهاب إلى بيت الخلاء مغامرة غير مأمونة العواقب
ترتعد فرائصهم من أي صوت آت من الخارج فربما كان دبا،ضبعا أو جنية
عندما تفرغ جعبة هؤلاء النسوة من القصص و الحكايات و تفرغ جعبة المصباح من زيته ينفضن أثوابهن معلنات أنهن لم يستغبن أحد و يتواعدن على اللقاء غدا في البستان أو على التنور أو أمام الدور أو في عرس عائشة ابنة الجيران
و لكنهن ما إن يفتحن الباب حتى يتذكرن كل الحكايا المرعبة فيركضن هرولة في اتجاه بيوتهن إلا أم محمود فإنها تطلب من أم سليمان التشفع لها عند زوجها لأنها تأخرت في السهرة
أما الرجال فتمتد سهرتهم إلى العاشرة ليلا ثم ينصرفون كل إلى بيته ليتم سهرة واجبة عليه مع زوجة تنتظره
مساءات قريتي يشغى فيها الحكي و الطعام و الحب و الخوف من المجهول أو الخوف فيما يقع وراء النظر و السمع