عرض مشاركة واحدة
قديم 10-10-2011, 01:30 AM
المشاركة 145
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وليم فولكنير


بقلم : مها محفوضمحمد


الروائي الأشهرفي ما وراء الاطلنطي ويليام فولكنر يعاد اليوم تسليط الضوء عليه من خلال نشر لقاء لهمع مجلة الاداب عام 1956 يتحدث الكاتب الكبير في لقائه هذا عن أمور عدة



منها الظروفالتي بدأ الكتابة فيها والمناخ الذي دفعه للكتابة وعن تجربته مع هوليوود ثم أنواعالعمل التي كان يكسب المال من خلالها‏


فولكنر الذي ولدعام 1897 وتوفي عام 1962 وبين هذين التاريخين تكمن مسيرته الأدبية ,تبوأ المرتبةالاولى بين الروائيين المعاصرين كما تفرد بالمكانة الاولى على صعيد الاعتراف بهكأشهر روائي ناطق باللغة الانكليزية في القرن العشرين أمام ميلفيل و جويس الذييشترك معه بعدة خصائص لا بل اعتبر المنافس الأكبر ل همنغواي‏


تكمن عظمةفولكنر في أنه تناول الادب الرعوي «أدب الأرياف» كما قدمه في أشهر رواياته «الدساكر» وقد شكلت مسيرة حياته صدى لمسيرة همنغواي لأن كل منهما خاض غمار بحارالشهرة واليأس فقد عرف الشهرة منذ طفولته لأنه ينتمي الى أسرة من الروائيين فجدهكان ضابطا روائياً وقد بدأ حياته طيارا في العام 1918 على غرار جده الاكبر الذيعايش الحرب الاهلية في الولايات المتحدة، لكنه في سن العشرين ومع نهاية الحرب عادالى الحياة المدنية ليجد نفسه عاطلا عن العمل وقد هجرته خطيبته‏


لم يجد أمامهسوى الكتابة فنشر أول قصيدة له «بعد الظهر» قبل أن يصدر مجموعته «الجنود الثلاثة» وقد نشر في تلك المرحلة عشرات المقالات النقدية ضمّنها قصائد مرحلة الشباب وخلالسبع سنوات ومع تلك الشهرة المبكرة سعى فولكنر لان يصبح شاعرا تنقل خلالها بينمانفيس عاصمة الجنوب الأميركي (الروك) وبين نيو اورليانز في كاليفورنيا و باريس حيثقضى عدة أشهر عام 1925، تعرف هناك على الجيل الضائع من الادباء الأميركيين الذينكانوا يبحثون عن الوحي والمجد والشهرة في باريس حيث كان همنغواي يراسل من هناك عدةصحف أميركية ليعود بعدها فولكنر إلى بلاده ويتزوج استيل ولدهام المطلقة ثم يجد نفسهغارقا بالديون لتبدأ مشاعر المنفى الداخلي تنهش فكره وتعتصر موهبته بعد ذلك رحل الىهوليوود حيث كتب «مناجم الملح» ثم «نقود القردة» عام 1927 تبعتها «ذبابات» ثم «أعلام في الوحل» التي حملت له المجد الكبير لكن الرواية التي توجته على عرشالرواية الأميركية كانت «الصدى والغضب» عام 1929‏


بعد ذلك دخلمرحلة اليأس وكتب روايته «بينما أنازع» غير أن هوليوود سارعت الى الاهتمام به فتحولعدد من رواياته الى أفلام سينمائية وفي الوقت ذاته باشر في العمل الصحفي فكتب فيالمجلة الاميركية الشهيرة «ساتردي افينينغ بوست» التي كانت تدفع له أجورا عالية (1000 دولار) ومابين عامي 1930-1932 كتب أربعين قصة وستة عشر مقالا ,ثم جاءت روايته «أضواء اب» التي جمعت بين أسلون جيمس وكونراد وبلزاك‏


استوحي من أحداثشباط التي هزت أورليانز روايته «بيلون» تلتها رائعته «أبسالون» عام 1936 ,في العامالذي ظهرت فيه رواية «ذهب مع الريح»‏


كتب فولكنر فيقصصه القصيرة عن التمييز العنصري خاصة أيام الحرب الاهلية وتعتبر روايته « النخيلالمتوحش» اجمل رواية حب في الادب الأميركي وفيها يرد على «وداعا للسلاح» ل همنعواي‏


كانت مرحلةالحرب العالمية أسوأ مرحلة في حياته وبعدها كتب «الدخيل» عام 1948 ليتوج في العامذاته كأهم علم في الأدب الأمريكي وينال جائزة نوبل في ذلك العام‏


آخر رواية لهكانت «اللصوص» والتي اعتبرت نظيرة «العاصفة» ل شكسبير‏


==


سونة المصباحي

كان للراحل الكبير جبرا إبراهيم جبرا الفضل فى تعريف القراء العرب بويليم فوكنر، أحد أعظم الروائيين الذين عرفهم القرن العشرون، وذلك عندما نقل إلى لغة الضاد رائعته "الصخب والعنف" أواسط الستينات. وحال صدورها، أحدثت هذه الرواية انقلابا جذريا فى مفاهيم الكتابة لدى كتاب القصة والرواية، بل إنها دفعت بالبعض منهم من أمثال غسان كنفانى وغادة السمان وجبرا إبراهيم جبرا نفسه إلى محاولة استعمال أدواتها وابتكاراتها الفنية والسردية، خصوصا فى ما يسمى بتيار اللاوعي.

وفى لقاء معها فى لندن صيف عام 1996، نقلت لى الكاتبة اللبنانية حنان الشيخ أن غسان كنفانى كان دائب الحديث عن ويليم فوكنر، وكان يردد دائما أمامها، هى القادمة من جنوب لبنان، بأن جنوب فوكنر الأمريكى شبيه إلى حد كبير بـ"جنوبنا نحن". مع ذلك، لا بد من القول بأن نقل "الصخب والعنف" إلى لغة الضاد جاء متأخرا.
ففى ذلك الوقت، أى أواسط الستينات، كانت شهرة فوكنر قد طبّقت الآفاق، وكانت أعماله التى ترجمت إلى جل لغات العالم قد كللت بحصوله على جائزة نوبل للآداب وذلك عام 1949. أما هو فكان قد رحل عن العالم فى صيف عام 1962.

"معلم عظيم"
وكان نجم ويليم فوكنر قد بدأ يسطع خلال عقد الثلاثينات وذلك بعد أن أصدر مجموعة من الروايات من بينها: "بينما كنت أحتضر"، و"الصخب والعنف"، و"ضوء فى آب". وقد أتاحت له هذه الروايات أن يحتل مكانة بارزة فى المشهد الروائى العالمي، وجلبت له إعجاب وتقدير العديد من كبار كتاب العالم من أمثال جان بول سارتر والبير كامو واندريه جيد واندريه مالرو الذى اعتبر أنه، أى فوكنر، "تمكن من أن يقحم التراجيديا الإغريقية فى الرواية البوليسية".

بحلول عقد الأربعينات، كان فوكنر قد أصبح يحتل فى المشهد الروائى العالمى المكانة نفسها التى يحتلها كبار الروائيين المعاصرين من أمثال مارسيل بروست وجيمس جويس وفرجينا وولف. ولا يزال تأثير فوكنر فى الرواية العالمية قائما إلى حد هذه الساعة.
وفى تصريحات عديدة، أعلن غابرييل غارسيا ماركيز أن فوكنر "معلم عظيم" بالنسبة إليه. وكذا كان الحال، بالنسبة إلى العديد من الروائيين البارزين راهنا من أمثال فارغاس يوسا، وسلمان رشدي، وبن أوكري، وغيرهم كثيرون. كما نلمس تأثيره الواضح أيضا على أبرز كتاب القصة والرواية فى العالم العربي..

كان الجنوب الأمريكى القصيّ، الذى سيكون مسرحا لجميع رواياته لا يزال يعانى من أوجاع الحرب الأهلية الأمريكية التى اندلعت عام 1861، لما ولد ويليم فوكنر وذلك فى الخامس والعشرين من أغسطس/آب 1897، بشارع جفرسون بمدينة "نيو الباني" بالميسيسيبي.

وكان جده الأول ويليم س. فالكنر من أعيان البورجوازية المتوسطة. وكان محبا لحمل السلاح حتى أنه اتهم بارتكاب جريمتى قتل غير أن المحكمة برأته لعدم ثبوت الأدلة. وقد لعب هذا الجد دورا سياسيا هاما فى المقاطعة التى كان ينتمى إليها، إذ ترأس بنجاح إدارة أحد البنوك، وربط خطا حديديا بين مدينتين، وأسس معهدا للدراسة، بل إنه كتب رواية حملت عنوان: "زهرة مامفيس البيضاء" حققت له نجاحا شعبيا هائلا.

ومن المؤكد أن ويليام تأثر بشخصية هذا الجد الذى اكتشف فى مكتبته العديد من الكتب التى استأثرت بإعجابه، وحفزته على المطالعة. وذات مرة، كتب يقول: "كان جدى يمتلك مكتبة متوسطة المستوى مع أنها كبيرة ومتنوعة. وأنا أرى الآن أننى حصلت فى تلك المكتبة على أول تربية بالنسبة إليّ".

عاشق الحقول والغابات
فى المدرسة، لم يكن ويليم تلميذا جادا. وكان ميالا إلى كرة القدم أكثر من أى شيء آخر. وعند انتقال عائلته إلى مدينة "أكسفورد"، سعت والدته إلى تعليمه بعض المبادئ الفنية غير أنها لم تفلح فى ذلك. ومثل أغلب أبناء ضيعات المنطقة التى كان ينتمى إليها، كان الطفل ويليم يهوى إمضاء أوقات طويلة فى الحقول والغابات، الشيء الذى سوف يعمق فيما بعد، صلته بأرض ذلك الجنوب الذى سيكون أول وأروع مبتكر لأساطيره المفعمة بالعنف والجريمة.

خلال الحرب الكونية الأولى، جند وأرسل إلى مدينة "تورنتو" الكندية. وبالرغم من أنه لم يشارك فى القتال، فإن ذكرى تلك الحرب سوف تظل راسخة فى ذهنه حتى أنها أصبحت موضوعا للعديد من الأقاصيص التى كتبها فيما بعد، بل إنها كانت السمة الرئيسية لرواية أصدرها عقب مرور ربع قرن على نهاية تلك الحرب.

فى عام 1919، شرع ويليم فوكنر يلعب دور الفتى المتأنق على طريقة بودلير. وفى العام ذاته، انتسب إلى جامعة "ميسيسيبي"، وكتب العديد من القصائد، بدا فيها متأثرا إلى حد كبير بالشعراء الرمزيين. لكن قبل انقضاء العام الثاني، غادر الجامعة نهائيا. وإثر رحلة قصيرة إلى نيويورك، عاد من جديد إلى أكسفورد ليواصل كتابة القصائد، والقراءة بالخصوص، وقد كان بلزاك وكونراد وديكنس وجويس من بين الروائيين الذين قرأهم بعمق فى هذه الفترة.

كما أنه فتن برايت "wright" الذى كان يقول بأن خاصيات الأدب الكبير تتمثل فى ما يلي: "تحليل الطبع والخلق، وصف الأوجه المختلفة للحياة، الرؤية الكونية كأفق للكتابة، الإشادة بالخصال الروحية، تشريح التقاليد والعادات، إيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية والجنسية، الحتمية الأخلاقية والجمالية، البحث السايكولوجى والابتكار الخيالي..".

ويضيف رايت قائلا: "فى كل عملية خلق عظيمة وعميقة، يكون الكاتب إله كلى القدرة، يصيغ ويقولب مصير عالم جديد، ويأخذه إلى نهايته المحتومة حيث يصبح مكتفيا بذاته، ومستقلا، ومحكوما بحركته الداخلية.. فى صنع مثل هذا العالم تتحقق النشوة الروحية بالنسبة إلى المبدع..".

وفى هذه الفترة، عثر ويليم فوكنر على عمل فى البريد، وراح افتخارا بأصول جده الأول يمضى باسم "الكونت فيلهام فون فوكنر". غير أن الخلافات سرعان ما استفحلت بينه وبين إدارة البريد بسبب كسله وتقاعسه عن أداء واجباته الوظيفية.

كائنات بغيضة
ولما بلغ السيل الزبى، ترك الوظيفة غير آسف وكتب رسالة استقالة ورد فيها ما يلي: "سأدمر نفسى وحياتى إن أنا ظللت تحت رحمة كائنات بغيضة لا تملك غير بضع سنتات تسددها ثمنا للطوابع البريدية..".

بعد وفاة والده، أصبح ويليم فوكنر المعيل الوحيد للعائلة فعمل طيارا، وعاملا فى البناء، وبائعا فى المكتبات شأنه فى ذلك شأن أغلب الكتاب الأمريكيين فى فترة ما بين الحربين. وفى أوقات الفراغ، كان يشاهد وهو يتسكع فى الطرقات المغبرة، حافى القدمين، أشعث اللحية، متنصتا بانتباه على حكايات الزنوج فى الحانات التى كان مدمنا على ارتيادها.

وعندما سئم حياة التسكع هذه، قرر القيام برحلة إلى أوروبا، وفى طريقه إلى هناك، آثر التوقف فى "نوفال أورليان" حيث التقى الروائى شاروود اندرسون الذى سيكون تأثيره حاسما عليه فى فترة لاحقة. قد روى ويليم فوكنر فيما بعد أنه أمضى ثلاثة أشهر بصحبة هذا الروائى الذى كان معروفا فى ذلك الوقت، وبه كان يلتقى يوميا تقريبا ليخوض معه فى حديث مسهب حول الكتابة والأدب عموما. وكانت الشخصيات التى ابتكرها اندرسون فى جل رواياته تتميز بالشذوذ الجنسي، وبالإدمان على الشراب، وبأمراض نفسية خطيرة. شخصيات ضلت وجهتها، بسبب الحضارة الصناعية، وأضحت مكتئبة، تعيش العذاب اليومي، ولا ترى فى الأفق أى اثر للخلاص. ومن المؤكد أن فوكنر فتن بهذه الشخصيات. لذا سوف يبتكر شخصيات شبيهة بها فى الروايات التى سوف يكتبها لاحقا..

ادمان الكتابة
بعد لقاءاته المتتالية بشاروود اندرسن، أحس ويليم فوكنر فجأة بـ"المخاض"، فجلس إلى مكتبه، وألف رواية فى مدة وجيزة، ثم سلمها إلى شاروود اندرسون الذى سلمها بدوره إلى أحد الناشرين. وقد صدرت هذه الرواية التى حملت عنوان: "أجرة الجنود" فى نفس العام الذى صدرت فيه رواية "تشرق الشمس أيضا" لأرنست همنغواي. غير أنها لم تلق أى نجاح خلافا لهذه الأخيرة التى حققت لصاحبها شهرة سريعة.

وفى ربيع عام 1924، عشق ويليم فوكنر فتاة لها وجه "غلامي" تدعى هيلين، وعنها كتب بعض القصائد، متغنيا بجمالها وبـ"حركاتها العفوية". وكان قلبه لا يزال ملتهبا بالحب، لما سافر إلى باريس وذلك عام 1925. ولأنه لم يكن يملك من المال إلا القليل، فإنه سكن غرفة بائسة فى أحد الفنادق الرخيصة بـ"الحى اللاتيني". وكان يمضى ساعات الظهيرة فى "حديقة لكسمبورغ" ساعيا إلى كتابة رواية جديدة لمع موضوعها فى ذهنه وهو فى طريقه إلى أوروبا. ومن المؤكد أنه أمضى كامل فترة إقامته فى باريس، وهو على هذه الحال، وحيدا، بعيدا عن كل الحلقات الأدبية والفنية التى كانت تعج بها عاصمة النور فى ذلك الوقت. لكن ذات يوم، وهو مار، شاهد جويس جالسا فى أحد المقاهى القريبة من ساحة "لوديون".

ومن باريس انطلق إلى شمال فرنسا حيث عاين الآثار المرعبة للحرب الكونية الثانية. ومن هناك، سافر إلى لندن حيث زار المقاهى التى كان يرتادها مشاهير الأدباء البريطانيون من أمثال بن جونسون وجوزف اديسون وكريستوفر مارلو. كما تجول فى ريف "كنت" المخضر، حيث كتب كونراد البعض من رواياته..

عند عودته إلى مسقط رأسه، واجه فوكنر خيبات كبيرة، فقد بيع من روايته التى حملت عنوان: "بعوض" ألفى نسخة فقط. أما روايته الأخرى "sartorios" فقد رفضها الناشر. مع ذلك، حافظ فوكنر على توازنه النفسي، وعلى ثقته فى قدراته الفنية، وواصل الكتابة بحماس وكأن شيئا لم يقع. وشيئا فشيئا، بدأت تتشكل فى ذهنه مواضيع تلك الأعمال الروائية التى سوف تحقق له شهرة عالمية فى ظرف عقد واحد من الزمن.

وبالرغم من الفشل الذى منيت به، فإن "sartorios" التى أصدرها ناشر آخر بعد رفضها من قبل الناشر الأصلي، حققت لفوكنر نقلة هائلة فى مجال عالمه الروائي. ففى هذه الرواية، امتزجت حياة الكاتب بحياة شخصياته، وأصبحت بلاده بلادهم، وذاكرته ذاكرتهم، ومصيره مصيرهم. إلى جانب ذلك، نحن نلمس فيها ذلك الصراع العنيف بين قيم الجنوب القديمة، وبين قيم الجنوب الحديثة والتى ستشكل المحور الأساسى فى جل الأعمال اللاحقة مثل "الصخب والعنف" و"ضوء فى آب" و"الحرم" وغيرها..

الاقامة وسط الفواجع والهذيان
ويمكن القول إن العام 1929، شكل انعطافة كبرى فى مسيرة فولكنر الإبداعية والفنية. ففى هذا العام، أصدر روايته "الصخب والعنف" التى سرعان ما جعلت منه أحد أبرز الروائيين الأمريكيين فى تلك الفترة. وفى نقاش مع طلبة جامعة "شارلتوسفيل" عام 1957، أشار فوكنر إلى أن فكرة هذه الرواية نشأت من "فكرة ذهنية" حول صبية تتسلق الشجرة لكى ترى من خلال النافذة مراسم دفن جدتها. وكان هناك ثلاثة صبيان، غير أن فوكنر لم يكن يدرى أن أحدهم كان معتوها.

وقد كانت الفتاة هى الوحيدة التى كانت لها الجرأة لكى تتسلق الشجرة وترى من خلال النافذة المفتوحة ما كان يحدث.. كانت هذه الصورة لوحة مثيرة للغاية، رمزها سروال كادى الوسخ الذى كان أخوتها يشاهدونه من الأسفل، أى من تحت شجرة التفاح التى تسلقتها. وهذا الرمز سيصبح رمز كادى الضائعة التى سوف تتسبب فى انتحار أحد أشقائها، والتى سوف يستولى أحد إخوتها الآخرين على المبالغ المالية التى كانت ترسلها إلى ابنتها.

وهذا الموضوع، كما يذكر فوكنر، كان بالإمكان أن يكون موضوعا لقصة قصيرة لا تتجاوز الصفحتين، غير أنه بعد عمل استمر عامين، تحول إلى رواية ضخمة صورت بدقة وشاعرية فائقة حياة عائلة من عائلات الجنوب الأمريكى تعيش نهايتها وسط الفواجع والجنون والدم والكحول والهذيان.

ومن خلال انحطاط هذه العائلة العريقة، نحن نقرأ تاريخ الجنوب، ونعاين انهيار قيمه بحيث لا يتبقى فى النهاية، بعد انتحار كونتن، واستفحال جنون بنجي، وغرق كادى فى الرذيلة والفجور، والانحلال الجسدى والروحى للوالدين غير جاسن العديم الأخلاق، والكائن العنصرى المتعجرف الذى لا يعشق شيئا فى الدنيا غير جمع المال، وبأية وسيلة..

ولم يكن فوكنر يخفى افتخاره برواية "الصخب والعنف" بل إنه ظل حتى النهاية، يعتبرها أهم عمل كتبه. وذات مرة صرح قائلا: "لقد كانت روايتى هذه "يقصد الصخب والعنف" مصدرا لأكبر غم يمكن أن يصاب به الكائن البشري. وقد تعبت كثيرا فى كتابتها. وحتى عندما كان يعترينى بين الحين الإحساس بأننى لن أفلح فى كتابتها، فإننى لم أكن أنقطع عن العمل".

بعد "الصخب والعنف" أصدر فوكنر رواية "بينما كنت أحتضر" التى قال إنه كتبها فى ظرف ستة أسابيع وذلك فى فترة كان يعمل فيها فى معمل للكهرباء. وفى هذه الرواية يروى فوكنر أيضا قصة عائلة من فقراء البيض تحمل جثة الأم المتوفاة فوق عربة قديمة. وخلال الرحلة باتجاه مقبرة "جفرسون" حيث وعد الزوج زوجته بالدفن، والتى يتخللها الماء والنار، والخصومات والمرض والكراهية، تتضح لنا شخصيات الرواية شيئا فشيئا.

فهناك أولا الأب والأم التى ظلت حتى وفاتها مهيمنة على كامل أفراد العائلة بقوة شخصيتها. وهناك "كاش" الأخ الأكبر الذى يعمل نجارا، وجيفيل ثمرة علاقة زنى ودارل الذى يصبح مجنونا، والابنة ديفى دال التى لا ترغب فى شيء غير الوصول إلى المدينة لتتخلص من الجنين الذى تحمله سرا فى بطنها.

متاهة كالحة ومرعبة
بعد فشل قصة حبه العاصفة مع هيلين ذات الوجه "الغلامي"، تزوج ويليم فوكنر من امرأة مطلقة تدعى "استيل اودهام"، وقرر الانقطاع كليا عن أى عمل آخر غير الكتابة، مصمما على العيش من قلمه. وخلال فترة وجيزة، أنجز رواية "الحرم" التى حازت حال صدورها على شهرة واسعة. وفى هذه الرواية يصور فوكنر عالم الرعب والرذيلة والجريمة الذى يطبع بحدة حياة الجنوب الأمريكي.

ويبرز "بوباي"، وهو إحدى شخصيات هذه الرواية، كرمز للعالم الذى أفرغ من كل فضيلة، ومن كل القيم الأخلاقية ليتحول إلى متاهة كالحة، مرعبة، لا يعشش فيها سوى الشر والقبح. إنه- أى بوباي- الوغد الذى بلا جذور، وبلا عائلة، وبلا ثقافة، وبلا أى حس إنساني، والذى لا يتورع عن اقتراف أفظع الجرائم لإرضاء رغباته السادية. وهناك أيضا "تامبل دارك" الذى يعكس أفظع صورة للانحلال الخلقى والجسدي. وعند السيدة ريتا تنفجر الرذائل كما ينفجر القبح من الجسد المريض.

فى عام 1932، أصدر فوكنر رائعته الأخرى "ضوء فى آب"، وفيها يروى قصة فتاة تدعى "لينا غروف" تصل إلى "الألاياما" بحثا عن والد الطفل الذى تحمله فى بطنها. ويتزامن وصولها إلى هناك مع العثور على جثة السيدة "بوردن" بسبب حريق نشب فى بيتها. ومنذ البداية، يتبين المحققون أن مرتكب الجريمتين المذكورتين هو "جو كريستمس". وهو أبيض، غير أن شريكه الذى هو فى الآن ذاته والد الجنين الذى تحمله لينا، يزعم أن فى دمه "بذرة سوداء". وتقبض الشرطة على كريستمس، وتزج به فى السجن، غير أنه يتمكن من الفرار، ويحتمى ببيت قس. وأخيرا يتم اغتياله من قبل شاب فاشيستى فى المنطقة. وفى الأثناء، تضع لينا وتغادر "جفرسون" مصحوبة بأحد المقربين من القس الذى يختارها زوجة له.

أما رواية "absolon absolon" التى أصدرها فوكنر عام 1936، فإنها تبدو كما لو أنها تتويج لتلك الملحمة المثيرة للجنوب الأمريكى التى بلور فصولها الأولى فى "الصخب والعنف". وترمى هذه الرواية بجذورها عميقا فى عالم الأسطورة. وهى تروى قصة عائلة "سوبن" فى العام 1830، أى فى نفس العام الذى وصل فيه "توماس ستوبن" إلى الميسيسيبي" ساعيا إلى "فرض مصيره" على المنطقة وأهلها.

غير أن خطأ فادحا ارتكبه فى البداية حال دون تحقيق طموحه. وسوف يحاول رواة مختلفون توضيح جوانب هذا الخطأ. ومع ذلك فإن كل التفسيرات التى سوف يحاول هؤلاء الرواة تقديمها سوف تنهار أمام الوقائع بحيث أن القارئ، يجد نفسه فى نهاية الأمر أمام جملة من الألغاز شبيهة بتلك التى تكتنف الأساطير الإغريقية القديمة..

غير أن كل هذه الروايات لم تحقق لفوكنر الشهرة المبتغاة، ولأنه كان مضطرا لإعالة عائلته ووالدته، فإن وضعه المادى ظل سيئا للغاية. ومحاولة منه للخروج من هذا المأزق، انطلق إلى هوليود مكرها ليكتب هناك سيناريوهات أفلام بطلب من الشركات السينمائية. وقد تعاون مع المخرج الكبير هوارد هاوكس ومع مخرجين آخرين. غير أن عمله ذاك سبب له متاعب كثيرة على المستوى النفسى بحيث كان يشعر دائما بأنه "مجرد عبد فى خدمة سادة شرهين للمال والشهرة". لذلك عاد من جديد إلى "اكسفورد"، ليواصل كتابة ملحمة الجنوب الأمريكي.

امعان فى العمل.. ونضوج فى الخيال

وانطلاقا من الأربعينات، بدأت أعماله الروائية تحقق شيئا من الانتشار والشهرة خصوصا بعد أن ترجمت إلى أزيد من عشرين لغة. وقد ازدادت شهرة فوكنر اتساعا بعد إحرازه على جائزة نوبل للآداب عام 1949، ثم على جائزة "بوليتزر" المرموقة عام 1954. مع ذلك لم تتمكن هذه الشهرة من أن تقوض حب فوكنر للعزلة والصمت والهروب من الأضواء.

وفى الحوارات القليلة التى أجريت معه، كان دائم الحرص على عدم التطرق إلى جوانب حياته الخاصة. وعندما كان يسأل عن عمله، كان يجيب باقتضاب شديد: "لا بد أن العمل الذى أقوم به يروق لى كثيرا. وإذا ما كان الأمر على هذه الصورة، فإنه ليس من المفروض أن أتكلم عنه. ذلك أن الكلام عنه لا يجمله كثيرا. الشيء الوحيد الذى يجب القيام به هو المزيد من العمل ذلك أن الروائى الحقيقى هو ذلك الذى يظل دائم الحرص على تصويب سهامه إلى أعلى هدف ممكن. كما لا بد أن يظل تواقا إلى أن يكون فى كل رواية جديدة أرفع مستوى مما كان عليه فى السابق..".

وأمام طلبة جامعة "شارلو تسفيل"، قال فوكنر عام 1957: "للكاتب ثلاثة مصادر: الخيال وقوة الملاحظة والتجربة. وهو يكتب عن الناس مستعملا هذه الأدوات تماما مثل النجار الذى يعثر فى منجرته على قطعة خشب يكتشف أنها تتناسب مع العمل الذى هو بصدد القيام به. وكلما تقدمت به السن وازداد امعانا فى العمل، ازداد الخيال تطورا ونضجا مثل أى عضلة فى الجسم تقوم بمهمتها، وتصبح قوة الملاحظة عنده مدربة أكثر من ذى قبل حتى إذا ما هو أدرك ذروته فى أفضل سنواته، وأفضل أعماله، وهو لا يدري، وليس له الوقت لكى يهتم بمعرفة من أى مصدر من المصادر الثلاثة، حصل على ما كان يبتغيه ذلك أن الكاتب حين يكتب عن الناس، فإنما يكتب عن الطموحات وعن الشجاعة والجبن، وعن حقارة النفس البشرية، وعظمتها..".

فى 2 يوليو/تموز 1961، علم فوكنر بانتحار همنغواى الذى كان على علاقة سيئة معه منذ سنوات طويلة فعلق قائلا: "إن خطأ همنغواى الأساسى هو أنه يريد أن تكون كل النساء من نصيبه هو وحده!". بعد انتحار همنغواى بعام، وتحديدا فى السادس من شهر يوليو/تموز 1962، توفى ويليم فوكنر فجأة تاركا تراثا روائيا هائلا لا يزال يغذى الخيال الروائى والقصصى العالمى إلى حد هذه الساعة.

وكانت الفرنسية مونيك ناتان على حق، عندما كتبت تقول: "قليلة هى الأعمال الروائية المتميزة والحاسمة مثل تلك التى أبدعها ويليم فوكنر. إنها أعمال تستبد بنا إلى درجة أننا لا نجد القوة للإفلات من سحرها وجاذبيتها!".